كانت تلك أول مرة يلتقي فيها جفناه و تغادر روحه الجسد منذ مدة طويلة ، استيقظ تحت سماء الليل الدامسة ، و بعدما غدت الرؤية واضحة له ، لمح أضواء تتلألأ في الأفق البعيد ، فانتشل نفسه بشغف لم يعهده و توجه نحوها ، تسراعت خطواته عندما ظهرت بوابة فارهة الطول رصعتها جواهر حمراء ، و ما إن طاءت قدماه نهايتها توسعت عيناه بدهشة و حنين و ظل يحملق في الوجوه التي اعتاد مجالستها قبل ان يجد نفسه حبيس غرفته ، كانوا يسيرون في اتجاه واحد كتيار مستقيم لا يتوقف عن الصبيب ،لم يجد في نفسه طاقة لمقوامة الحركة فانساب معها ، وكلما حدث شخصا لم يجبه .
_Pov_
بعد عدة امتار من السير المتواصل ، رصدت كيانا اسود البنية يقترب مني بسرعة ، دقت نواقيس الخطر في ذهني و لم تخبرني غريزتي إلا بالهرب و الابتعاد عنه ، لم أعلم أين وجهتي و لم اتساءل بالاساس كلما شغل ذهني في تلك اللحظة هو التخلص من ذاك الشيء اللذي يتربص بي ، كانت عيناه تحملقان في بقوة و كأن لا وجود لغيري ، تلك القوة المتوحشة التي ترجمها عقلي للهلاك ، نظرة مفترسة اقشعر لها بدني من شعري حتى أخمص قدمي ، دخلت زقاقا مظلما لم اعرف منحنياته الا عن طريق تلمس الجدار ، ثم اخترق شيء بارد جسدي بقوة ، تحسست المكان فوجدته رطبا بدمائي ، كل شيء يصبح مشوشا تدريجيا ، ثم ارتطمت ، ناديت بأسماء لم أعلم أنني أعرفها من قبل ، لكن لم يأت احد ، أنا موقن انني لم ابتعد عن المهرجان كثيرا ، لكنني لا أميز شيئا في هذا الزقاق المظلم ، تمنيت لو يمر طاعني على الأقل لكنه لم يفعل ،اردت الابتسام كما اعتدت لكن الدموع وجدت من وجنتاي سبيلا لتتحرر ، لم أجد سوى الارض التي لطالما اشتكت من ثقلي ، لم أجد غيرها فأرويتها بدموعي مدركا لمصيري ، أردت أن أرى في آخر لحظاتي نورا يدفئني لكن لا شيء غير الظلام يغطي عيني ، تساءلت ان كنت انا من يوجه نظره نحو الارض ، لذا حاولت ان استدير ، لكن بدون جدوى ، لم اعلم ان كان علي أن أسعد لانني مازلت قادرا على الحركة أم أفقد الأمل لأن الشارع منطفئ تماما .
أتوالت الاسابيع أم الأيام ؟ الدقائق أم الساعات ؟ أسئلة لم أجد لها إجابة ، هطلت الامطار فطهرتني من دمائي و عقمت جروحي ، فتحت لها فمي فأروتني ، لكن لماذا مازلت أشعر بالظمأ ؟ ظل الليل مبللا على ذلك النحو ، كل ما استطعت سماعه هو دوي الرعد الذي أكد لي أنني لم أصب بالصم بعد ، اخترق طبلة أذني فأخرس صوت نفسي التي عنفتني بدون رحمة ، و اخيرا ظهر النور في السماء ، ظهر القمر ، أضاء الزقاق و علمت من خلاله ان نصف الشهر قد مضى بالفعل ، انتهزت فرصتي و زحفت هاربا من ذلك المكان .. كان يرافقني كلما تحركت و لم انزعج بمراقبته لي ففي النهاية كان جليسي الوحيد الآن و في غرفتي المظلمة ، طالت رحلتي حتى وصلت إلى المحيط ، فاستلقيت فوق رماله الدافئة ... أين أنا بحق السماء ؟ سؤال جعل كل شيء يضطرب حولي عدت إلى رشدي عندما وجدت نفسي أسحب إلى البحر ، موجات تضرب بقوة ولا تتكبد عناء اخفاء تعطشها لافتراسي ، لم أخفها ، لم أكن يوما خائفا من القوة ، لكنني أغبط الاشياء القوية فهي ليست مثلي ، شخص فاشل ، ضعيف و جبان ، اعظم انجاز لي كان الهرب من واقعي ، و اعظم فشل لي كان عدم تكوين صداقة معا الظلام الذي لطالما احاط بي ، ففي النهاية كان هو الوحيد بجانبي ، لكن ماذا فعلت ؟ استمريت في طرده و مكافحته ، و الآن أنا أكفر عن خطيئتي ، و أنا مرتاح على هذه الحال ، إن كان الخلاص في نهايتي ، فأنا أترجى أن تحل قريبا .
كما لا يمكن للصحراء أن تكون بحرا لأنها صحراء من البداية ، لا يمكن أن تكون نهايتي مشرقة لأنني أحببت الظلام منذ البداية ، قبل ان تلتهمني الموجات ابتسمت للشخص الذي ظل واقفا يناظرني على ضفة الشاطئ ، اعلم انه طاعني و هو الذي سحبني إلى المحيط ، أعلم انه "أنا" ، ففي النهاية أُلفتي لهذا المكان لم تكن غريبة ، مكان اقترن بي منذ نعومة أظافري أو ربما قبل ذلك، _ أنا بداخل نفسي _
ثم أسدلت الموجة الستارة .
_End of pov _
أنت تقرأ
المضطرب
Short Storyأشلاء الضمير تعاقر تأنيبا في محكمة الغربان ، أغصان سوداء كحواجب لليل ، هذه العواصف بكل ما تحمله من عربدة مصدرها شخص مريض بالانسوميا . شاب ثلاثيني بشعر اسود كالليل منسدل على كتفيه ، تاركا لزرقة عينيه المجال لتبرز بهدوء و تألق تنافست فيه مع شفتيه الت...