- توسعت أبتسامة رواقّ المُشرقة الذي تتناسب مع أسمها جدًا ، لتنزل الجوال من أذنها وهي تقول : تيم بيدخل الحين البسوا العبايات يابنات .
- واذا مرة طروا إسمك
أحاول عنهم أداري
أحاول ! بس لكنيّ
أحُس الكُل بيّ داري !
- أرتجفت أصابعها وسرّت قشعريرة بجميع جسدها المُتلحف باللون البنفسجي ليجعلها بأبهى حُله ، لتُشابك كفوفها ببعض وتشد عليهم بكُل قوة تحاول السيطره على أرتجافُها ، تبلع ريقها بتوتر طاغي ، وملامحها يكسوها الخجل الشديد الذي تخلله بعض الخوف .
- تقترب مِنها خالتها الذي تلحفت بالسواد ، لتُعدل خصلة شعرها المُتمايلة ، وتزيد من أقترابها لحدود سمعها وهي توشوشها بكلمات مُطمنه لعلها تستطيع السيطرة على توترها ولو بالشيء القليل .
- في مجلس الرجال :
- يقف تميم بهيبتة المعهودة قائلًا : طبيبنا يستأذنكم .. واضعًا باطن كفة الخشنه الذي أستقرت فيها التجاعيد على كتف تيم ليطبطب علية بخفة ويهدئ من توترة .
- ليقف رائد مُقاطعًا لهم ويردف بكلمات حازمه : أنا بعد .. بدخل مع العريس .
- يستقيم بجسدة مُسرعًا يجر خطواته قاطعًا المسافة البسيطة الذي بينهم ، يقف بالقُرب من والده ، ويقول بنبرة ضاحكه : شكلكم ناسيين أن العروسة أُختي ! معلِش أنا كمان بدخل معاكم وتيّننا موصيتني بالحضور .
- ليناظر كُلًا من غيث ولؤي ببعضهم البعض وينفجرا ضاحكين ليقول غيث : أجل أنا ولؤي بنحرس المجلس لين ترجعون .
- ليهز لؤي رأسة مؤيدًا لكلام أخوة ويقول بنبرة تلميحيه يُخاطب بِها هتان : يارب ياكريم وقت زواج أُختي تكون أنت حارس المجلس .
- ليبلع هتان ريقة يخفي توترة من طاريها الذي أربك ثباته وفي جوفه صوتًا يلعب على أوتار قلبه [ اذا وقتها ماكان هو العريس ، معقولة بيأخذها شخص ثاني ! ] ، ليتدارك نفسة ويهز رأسة بالرفض القاطع ينفي أبسط أحتمال لهالفكره الذي لخبطت موازينه وجعلت النار تشب بصدرة .
- مُتناسيين تمامًا الرجل الصلب الذي يتمحور النقاش حوله ، يشد من قبضة كفة بقوة ، يبلع ريقة بتوتر ، تارةٍ يرفع كفيية يُعدل من شماغه الأحمر ، وتارةٍ ينفض ثوبة الأبيض يخفي أرتباكه ، ليته يستطيع في هذهِ اللحظه أن يختطف منديل بسرعة البرق ويلطخه بالحبر القاتم ، يسعف نفسهُ بمضغة القلبّ الصغيرة الذي ينقشها على بياض المنديل .. ليهدئ من روعه ويتنفس بأريحية ، ولكنهُ مُجبر في هذهِ اللحظه أن يكون شامخ ويقبّل على "صاحبة الشأن" بوجه شامج وبوقار _ يليق بهيبتة المعهودة _
- تحرك تميم يجر خطواته برا المجلس يتبعة رائد يتبعة تيم وهتان .. ليقف تميم بالقُرب من باب مجلس الحريم يتنحنح بصوته الجهوري لتأتية رواقّ تعطيهم أذن بالدخول .
- تقدم رائد يقطع المسافة الفاصلة بينه وبين أبنتة التي تترأس المجلس ليطبع قُبلة حنونة على جبينها ويقول بصوت حنيّن حيل : مبروك يا وتيّني مبروك ياقُرّة قلبّي الأولى ، عُمر زاهر يا روح رائد .. وحياة طيبّه .
- لتبتسم لهُ بهدوء تكبح دموعها عن النزول .. ليتقدم أخوها يحتضنها بين ذراعيه ويبارك لها قائلًا : والله لو يطول تيم نجم سُهيل ما جاب وحدة تشهبك !
ثم يقترب عمها ليقول بنبرة حنونه تُشابه نبرة أبوها قبل دقائق : مبروك يا وتيّن جعل الفرحة تختار طريقكم للأبد .
- ليبتعد الجميع بضع خطواتٍ للخلف سامحين للعريس بالتقدم والوقوف بجانب العروسة .
- لتقترب رواقّ بخجل تأخذ عُلب الخواتم من فوق الطاوله القريبة منهم وتنتزع الخاتم الذي يحتضن بجوفة الماسة تمده لأخوها .
- يتصنع الثبات وهو يأخذ الخاتم ليلتفت قليلًا يحتضن كفها بكفة ثم تتعانق نظراتهم .. ليتأملها دون أن يرمش رمشةٍ واحدة
بدايةٍ بعروق يدييها
وجهها البدرُ المُستنير
غمازاتُها ...
كُل مافيها ليس لهُ بديل
هيّبةٍ ! وشموخًا لا مثيل
كُل شيءٍ فيها
يحثه على التأمل وأن يميل !
- سرّت قشعريرة بجميع أطرافها تُجاهد أن تُسيطر على أرتجافة جسدها .. لتتأمله بعينان عسلية أتحدت مع لون شعرها
لم تنتبه كيف مرّت الثواني في عجل
فحُسن وجههُ أغواها عن النظر
كانت تنظر إلية كالأعمى الذي تتدفق بعيناة
أشعة النور لأول مره !
كانت عيناه ترمش بهدوء
وملامحه تعجّ بالوقار والهيبة
شعرت أن لها أجنحه
وبأن قلبّها كاد أن يخرج ويُغادر
قفصُها الصدري في هذهِ الوهّلة من الزمن !
- ليتدارك نفسة ويثبت الخاتم ليحتضن أصبعُها النحيل ويُجزم في قرارة نفسة بأن بهائُها يُنافس بهاء الألماسة الذي تعتلي الخاتم .
- تأخذ رواقّ العلبة الأُخرى وهي تنتزع الخاتم الرجولي وتمده لأبنة عمها .
- تحرك وتيّن كفها بتثاقل وتلتقط منها الخاتم وتثبته على أصبعهُ الرجولي العريض بسرعة تخفي أرتباكها عن مرئى عينيه .
- ليصفق الجميع كفوفه ببعضها البعض مُتمنيين لهم حياةٍ سعيدة .. وليرتفع صوت الزغاريد في أرجاء المكان .
- تنحني بجسدها الأنوثي تلتقط الكاميرا لتقول بصوتٍ خافت وبفرحة عارمه موجهه كلامها لأخوها العريس : وقت التصوير .
- ليقترب تميم ورائد وهتان من العرسان يقفون بالقُرب منهم لتلتقط لهم رواقّ الصور المُتتالية ببهجة كثيفة بانت في تردُدات صوتها الذي يتلحفهُ الحماس .. وبعد مرور بضع دقائق يحررون المجلس من أجسادهم الرجولية .. ليسمحوا للحريم بأخذ راحتهم .. وليتم تحديد موعد الزواج بعد أسبوع .
__
__
__
- اليوم التالي :
- تخونها الثروة اللغوية ومايخرج مِنها إلاّ تناهيد .. يومين عدّت ومرّت عليها .. وباليومين ماكانت تعيش فيها كثر ماتنجو مِنها !
هب النسيّم البارد على أطراف وجهها السمّح لتبتسم غصب عنها وهي ترى السماء تتلبد بالغيوم الكثيفة والجو تتصارع فية أصوات الرياح العالية .. ليقطع سكونها دخول لؤي يقترب مِنها بحذر يسحب الكرسي المُقابل لها تنهد تنهيدة عميقة وهو يقول : غايب حسك عننا .. ما آن الأوان تسامحيني ؟
- توشحت غيّم بوشاح الصمت للحظات وهي صادة عنه لتردف بعد ثوانٍ معدودة : أنت أول من غبت عننا ، لية جاي الحين تلومني ؟
- زفر تنهيدته الثانية وهو ينطق من كُل قلبّة : عسانيّ للهم للضيّق ولوجع يعتّل كُل صدري .. لو كان هالغياب برضآي !
- أطبقت جفنيها بتعب بعد كلامه الذي أدمى قلبّها لتهز رأسها بعشوائية : نفسيتي تعبانه بما فية الكفاية ، لا تطلب منيّ السماح والرضا وأنا بهالعجز ، تكفى يا لؤي لاتزيد عجزي عجز بهالكلمات .
تضايق من نبرة ضيقها .. وقال وهو يحاول يداريها : كُل شيء بيعدي ويهون ، تكفي ياغيّم ترانا نستمد قوتنا منك ، عشان كذا لا تضعفين .. ليستقيم يكمل كلامه : المُعالجة الفيزيائية بتجيك بعد شوي .
ثم يتخطاها ويخرج من الغرفة يقطب حاجبية والماضي يتردد على ذهنه ويصارع أفكاره .
- ينحني بجسده الرجولي ويجلس بالقرب من غيث يردف بنبرة حُزن : واضح أن شرهتها كبيرة .
- لتقاطعه ديّم بتبرير : لا تلومها يا لؤي ، كثر الله خيرها لحد هاللحظه مُعطيتنا وجه تسولف معانا وترد علينا .. لو شخص ثاني بوضعها كان أختلى بنفسة وأعتزل العالم بأكملة .
- ليهز رأسة غيث بتأييد لكلام أخُته ، يرفع كفة وهو يربت على كتف لؤي ، ليزفر تنهيدة حارقة ويقول بتساوؤل : أحكي لنا وش صار عليكم من يوم توفت أُمي .
- ليحتجز لؤي رأسة بين كفية وينحني بنظراته للأرض ويردف قائلًا بوجع كثيف : أبوي مازال على حطة يدكم يسمم جسدة بشرب الكحول .. يوم يتواجد في البيت وشهر يهّج منه ، وأمي من وقت وفاة ميس تدهورت صحتها .. وأنا خلصت الثانوية وفتحت لي مقهى قريب من بيت خالتي أصرف فية على أمي وأزورها بين كُل فترة وفترة .. ليكمل كلامة بغصة مريرّة : أنا أشد العارفين أن سبب تدهور هالعائلة كان من صُنع أبوي الذي ماقدر لا يحتويكم ولا يحتوينا .. بس واللهِ العظيم أن الألم الذي طالكم في وفاة "خالتي رُدينة" طالني أضعافة ، ولا تحسبون أن وجعكم كان هيّن عندي ولكني كنت كُل ما جبت طاريكم تعتب عليا أمي ، هالتشتت ألتهمني أنا قبل مايلتهم الجميع لولا وجود المقهى الذي أضيع فية وقتي كان شفتوني الحين أنا وعُدي بكفتين مُتساوية .. ما أشرهه عليكم ولا أعتب على عدم تواجدكم كُل هالسنين لأني أدري كم عانيتوا في الماضي وتواجدت بجميع اللحظات الذي كان يقسى فيها أبوي عليكم ، وبذات عليك ياغيث ! وأدري أن خراب العلاقة ودمارها بين أبي وأمكم كان سببها أُمي .
- تمسح ديّم دموعها الحارقة الذي أنهمروا بغزارة مُفرطة من الماضي وذكرياته ، لتقترب من لؤي وهي تحتضنة بحنوّ وتقول : مايهمني الماضي وكُل الذي صار فيه ، يهمني شيء واحد أن كُلنا نحتوي بعض وكُل واحد فينا يستمد القوة من الثاني ، الماضي أنقضى بذكرياته وأحزانه بغض النظر مين المُتسبب فية .. اللي صار صار والمُستقبل قدامنا لازم نشد على كفوف بعض ونسند غيّم ونساعدها توقف من أول وجديد .
__
__
__
__
- يدخل هتان إلى المطبخ يناظرها بطرف عين وهو يأخذ الكأسة ويشرب فيها موية وقال : وش فيك ؟ لية مُتضايقة .
- تلتفت علية ملاذّ وتتصنع الأبتسامة وتردف بكذب تحاول تغيير الموضوع : لا مو مُتضايقه .. ماعندك رحلة طيران اليوم ؟
- قطب حاجبية بإستنكار ليقول : أشوفك قمتي تحرفين الموضوع ، ما ودّك تنطقين وش فيك ؟
- تنهدت وهي تقطع الكيكة الساخنه وقالت : على الأقل خليك رقيّق وأنت تحاول تداريني .
- لترتخي ملامحه ويرسم أبتسامه على ملامحه : غصب تخرجين الواحد عن طورة ، بكُل مرة تتضايقين ويسألك واحد مننا وش فيك تغيرين الموضوع ، بس واضح هالمرة أن السبب ورى هالعبوس شيء حيل كبير .
- لتبلع ريقها بتوتر وغصة عميقة وتقترتب منه خطوتين وهي تقول بتوجس مُخيف : أوعدني أن الكلام الذي أقولة لك ما يعلم فية شخص ثاني ؟
- لتشتد عُقدة حاجبية .. وهو يوعدها بذات التوجس مُنتظرًا مِنها أن تتكلم .
- لترمش ملاذّ عدة مرات بخوف وتسترسل بالكلام ، تطلق على سمعه سبب الأتصال الغريب الذي أفزع طمأنينتها .. دون أن تُدرك الألم العميق الذي زرعتة في قلبّ هالهتان رُغم حرصها الشديد على أخبارة بطريقة هادئة !
__
__
__
- وفي غرفة " غيّمة الأرض " :
- تقف بصعوبة بالغة بمُساعدة الطبيبة الفيزيائية ، تشد بكلتا كفيها على الجهاز الذي يُساعدها في الإتزان والوقوف .. تُحاول أخذ شهيق عميق ثم تزفرة ببُطئ شديد ، تتسرب الدموع من محاجر عينيها لشدة الصعوبة والألم الذي يخترق أطرافها ، تشعر بالعجز الروحي أكثر من العجز الجسدي ! تودّ لو تصرخ بأعلى صوت للأعتراض عن كُل هذهِ الأحداث القاسية على مضغة قلبّها الرقيّق .
- لتسندها الطبيبة وهو تقول بتحفيز مُتعمد : عن طريق التكرار يتم تنشيط المرّونة العصبية ، ومع مرور الوقت والأصرار ستسهل عليك الحركات وتستطيعين الوقوف مرةٍ أُخرى وبشكلًا أفضل .
- ترمش عدة مرّات بتعب كثيف والعرق يتصبب من جبينها لشدة الجُهد الذي تبذله في المحاولة على تطبيق الحركات والوقوف على قدميها بإصرار شديد لتساعدها الطبيبة في الجلوس والإسترخاء لبعض الوقت ثم تعاود المُحاولة مرةٍ أُخرى .
__
__
__
- وفي أحدى ممرات المُستشفى ، يقف بثبات وكفة اليمين تحتوي حُزمة أوراق ، يحتجز القلم بين أصابعه ويقوم بالتوقيع عليها وتدوين المُلاحظات أن لزم الأمر ، يمشي بخطوات هادئة يتخطى أكثر من غرفة حتى يصل إلى غرفتة ، يشد على عروة الباب يفتحه ويدخل لينحني بجسدة على الكنب الموضوع في مُنتصف الغرفة ، يرمي الأوراق بالقرب منه بأهمال وكفة تتخلل شعرة حالك السواد وهو يشد خصلاته المتبعثرة للخلف .. لينحني بنظراته للخاتم الفضي الذي يحتجز أصبعة اليُمنى ، يسحبه ببطئ شديد وينتزعه ليقرأ الكلام الذي نُحت بداخله _ تيم & وتيّن ، ١مارس٢٠٢٣ _ لتقتحم عقلة ذكرى أول موقف جمعهم تحت سقف هذهِ الغرفة ، ليقفز إلى مُخة شيءٍ مُعين يستقيم بسرعة جنونية يجر خطواته نحو المكتب يثبت جسدة على الكرسي وهو يرمي الخاتم بأهمال في الدرج ، ويفتح اللابتوب يبحث فية عن ورقة مُحددة ، يفتح الملف الخاص التي يحتضن بجوفة هذه الورقة لتجحض عيناه وهو يقرأ المكتوب وتتجعد ملامحه بإستنكار شديد !
__
__
__
__
- بعد مرور ٤ أيام :
- يقفل باب السطح تاركًا دلو الماء جانبًا ليزفر التنهيدة _ التي تُخصها وحدها _ بكُل مرة تطأ قدمة عتبة باب السطح ونسمات الهواء العذّبة تذكرة بطيفها شديد الرقّة .. التنهيدة التي تقول [ آه ياطول المسافة بين فرحي والأمل ! ] لتتجمد قدمية قدام باب شُقتها الودّ ودّة ينتزع هذا الحاجز الذي يفصلها عنه ، يتطمن عليها وعن وضحها الصحي ، يسألها هل مازال قلبُها يخفق نحوة بشدة كما يخفق قلبهُ لها ! هل يا تُرى أن تعانقت أعينهم في هذه اللحظة ستفر هاربة كما كانت تهرب في كُل لقاء يجمعهم ؟ كان لها نصيب من مداواة جُرحة الذي أخترق ركبته فلماذا الأن هو لايستطيع مداوة قلبّها المعطوب ؟ عشر أيام ما شافها عشر أيام ماعنده عيون ! يفصله عنها باب وخطوتين ودقة قلبّ لماذا يشعر أن بينهم مُدن وبلدان وقارات ولا يستطيع الوصول إليها رُغم أنهم بأجسادهم وشعورهم جيران ! ولكنهُ يعلم حقيقةٍ واحدة ويُراهن عليها بجميع جوارحه وبحواسة الخمس [ غيّم تنتمي إليه حتى ولو قُدّر لهُ ألاّ يراها على الأطلاق ] ! لأنه يعلم في قرارة نفسة بأن جميعهم كانوا يركضون نحو الأضواء لكي يُلاحظوا .. وحدها كانت تذهب نحو العتمة كي تُنيرها ، وجدران السطح أكبر دليل على مصداقية هالكلام .
- وفي الجهه المُقابلة التي تحتضن جسدها العاجز " ولأنها لم تكُن تدري كيف تجد لحياتها غاية ومعنى ، فقد عاشت أيامها المُتشابهة يوماً بعد يوم .. كان بمقدورها أن تجلس ساكنة وتشعُر بالنهار وهو يتدرّج ببُطء وأناقة ليتحوّل إلى ليّل ، وهي تتأمّل النجوم وتصنع مهرجاناً من النور في جوف السماء ، هي المُنتبهة إلى الصمّت ، بينما العالم ينتبه إلى الكلام .. تحركت ببُط شديد تثبت كفوفها على أطراف الكرسي المُتحرك تحاول جاهدة أن تستقيم فتفشل ، وتحاول مرة ثانية وثالثة وعاشرة ولكن جميع محاولاتُها بائت بالفشل ، لتضرب الكرسي بكفييها بقوة وبطريقة حانقة جدًا والدموع ينهمروا على وجنتيها الناعمه لشدة العجز الذي تشعُر بِه ، لترفع مُقدمة رأسها لعنان السماء وهي تزفر تنهيدة حارقة أنطلقت من جوف صدرها
يجب ألاّ تستسلم
فالأستسلام شعور ذهني قاتل
هو بمثابة الموت البطيء
الذى يمحو كُل شيء
ستواجه عجزها !
ستسمح لهُ أن يعبُر من فوقها وخلالِها
وعندما يمضي سترى الطريق بعين أُخرى
عندما يذهب لن يكون هُناك شيءٍ
فقط غيّم من ستبقى !
- لتستشعر الألم الكثيف الذي أقتحم معصمها بشدة بفعل ضربها على الكرسي بكُل هذة الشراسة لتجرح نفسها بحوافة الحادة دون أن تنتبهه .. تتأوة بألم وهي تشد على معصمها بكفها الأخرى .. لتقاوم بصعوبة وتحرك الكرسي تمشي حتى تصل إلى التسريحه وتأخذ علبة الأسعافات من فوقها ، تفتحها بصعوبة بالغة وهي تلتقط علبة المُعقم من الكرتون .. لتسقط الورقة التي لُطخ بياضها بالحبر الأزرق ! تقطب جبينها بإستغراب وتمد كفها تحتجز الورقة بين أصابعها لتقرأ المكتوب ودموعها ينهمروا بأفراط أكبر .. وهي التي أصبحت تعلم جيدًا خوافي هذه الورقة وصاحبها ! لتهز رأسها بعشوائية وعجز .. وتُردد الكلام المكتوب بصوتٍ خافت "جروح الجسد فما لأحدٍ عليها حيلة هي بنفسها بتطيّب ، وأما جروح القلبّ أن صار ولقيتيها داريها ولكن ألمسيها بحنيّة!" لتقرأ السطر الأخير بشهقة عالية تعبث بمكنون صدرها "مرارّة السنين الذي مضت تكفي !" ... لماذا لم تقع عيناها على هذه الورقة إلاّ الأن ؟ لماذا تتحد الظروف ضدها وتدمي قلبّها بهذي الطريقة القاسية ؟ لتعصر الورقة بين كفيها بكُل قوة وكأنها تنتقم من الألم الكثيف الذي يحرق معصمها .. لتدخل ديّم بسرعة جنونية بعد أن تسلل إلى سمعها صوت شهقات أُختها ، وتقول بخوف : غيّممممم وش فيك ؟
- لتشهق بعجز ومازالت تعصر الورقة في راحة يدها لتفتح الدرج بسرعه وهي ترميها بجوفة وتغلقة .
- تقترب مِنها ديّم تحتضنها بحنّو ثم تفتح علبة المُعقم وتعقم جُرحها الذي ينزف بحرص شديد ، وتلفة بالشاش وتتمتم بكلمات هادئة لعلها تستطيع تهدئة هذهِ الغيّم المُنهارة بهذهِ الطريقة المروعة !
- لا يعلم كم دقائق مرت وهو يقف دون حراك ، ليفز على خروج غيث من الشقة .. ويعقد حاجبية من تواجد هالهتان هُنا !
- يتدارك نفسة بصعوبة بالغة ويقول مبررًا : كنت نازل من السطح ومريت من هِنا .
- ليهز غيث رأسة مُتفهمًا ثم يقول بتذكر : الليّلة الذي أنصابت فيها غيّم .. على أساس كان عندك موضوع مُهم بتكلمني فية ؟
- ليبلع هتان ريقة بصعوبة يخفي توترة وتلميحات لؤي في عقد قرأن أُخته ، ترواد مُخيلته وتخترق سمعه ، ليشد من قبضة كفة الذي يخفيها خلف ظهرة عازمًا على التفوهه برغبتة مهما كلفة الأمر .. لينطق قائلًا : كنت بقول لك .......
- ليقاطعه نغمة الرنين الذي صدرت من جوال غيث ، يلتقطه من جيب بنطلونه وهو يرد .
- يهز هتان رأسة بعشوائية ويأشر لغيث بأنهُ سيتكلم معاه وقت ثاني ، ويجر خطواته نازلًا من الدرج بسرعة ، غير عابئ بنظرات غيث المُستنكرة .. ليكمل مُكالمتة الهاتفية بعدم مُبالاه .
__
__
__
- أتى اليوم الموعود ، الترقُب أنتهى .. والفرح إبتدأ :
- واليوم الذي يشهد على هالإكتمال أنتصف ، وهذا هو عصر يوم الزفاف :
- وفي أحدى غُرف القاعة الذي سُيقام فيها الزفاف :
- يقف قدام المراية يأخذ ثوبة شديد البياض ويرتدية بهدوء ، ليفز على دخول أخته بتسريحة شعرها الأنيقة وفستانها الأحمر الذي زاد بهائُها بهاء .. تقترب منه وهي تمد له البشت الأسود وتقول بفرحه عارمة : وأخيرًا ياطبيب القلوب بشوفك بالبشت والغترة عريس للمرة الثانية .
- ليتنهد بهدوء ودّة لو يرفض لبس البشت ويكتفي بالثياب والشماغ ولكن الليّله غير .. الليّلة خيّر !
الليّله لازم يكون بأبهى طلة .. بأكثر الأطلالات بهاء وفخامه .. الليّله تيم عريس !
- يأخذ البشت مِنها بذات الهدوء لتساعده رواقّ وهو يرتدية .. ويدخل تميم وهو يحتضن بكفة اليسار مبخرة يتطاير بُخارها برائحة العودة العذبّة .. يرسم على محياة أبتسامة عريضة تعتلي مُقدمة وجهه ليقول : تبخر ياعريس تبخر "ياطبيب القلوب" جعل الحظ الطيب فالك والقدر السعيد دربك وممشاك .
- يبتسم قلبّة وهو يرى أبوة وأخته يقفون بجانبه بيوم مُهم زي كذا ، ولكن فرحته بتظل ناقصة ورُقية مالها وجود حولة !! أُمه الذي تواجدت بنفس الموقف وهو يتجهز لزواجه من ميس ، رفضت أن تتواجد بزواجة من وتيّن أبنة عمه ! وآه ياكُبر الوجع الذي يعتلّ كُل صدرة وهي تتخلى عنه بليلة شديدة الأهمية كهذه الليّلة .
- ينحني بجسدة يلتقط شماغه من فوق الطاولة ، يثبته على حدود رأسة بمُساعدة والدة ، لينظر نظرة أخيرة للمرأه الطويلة المُثبتة بعرض الحائط ، يتزين بساعتة الرجولية الفخمه وخاتمة الأسود ، لترش علية رواقّ رشات خفيفة من عطرة الرجولي الذي براحة المسك .
__
__
- وعند "نهر الجسد" أنتهت الكوافيرة من ترتيب شكلها بدايةٍ بشعرها العسلي والذي زُين مُقدمة رأسها بتاج من الألماس ، نهايةٍ بفستانها الأبيض المُلتف حول جسدها الرقيّق ، لتنطُقالكوافيرة بإعجاب شديد تُسمي عليها من عيون الحاسدين .. لتتيقن إيقان تام بأن رائحتها عائده لقلبّها ، قلبّها سبب كُل هذا الجمال !
- لتدخل خالتها التي تُزين جسدها باللون الذهبي بفستان عاري الأكتاف وتسريحه شعر مرفوعه تتطاير مِنه بعض الخصلات التي تغزو عُنقها شديد البياض .. أحتضنتها بحُب كثيف وهي تقول : آه ياوتيّن تظُنين أنك عادية ! وبكِ تنطوي أعذبّ ملامح الجمال .
- لتبتسم بتوتر وتشدد من أحتضانها لملاذّ ، وكأنها تعوض عن غياب وعد وإحتياجها الشديد لأُمها .
- لتدخل ديّم والفرحة حايفتها حوف وتدور حول نفسها بفرحة تسألهم عن شكلها .. ليرموا عليها أعذبّ كلام المدح .. وبعد بضع ثواني تقتحم الغرفة رواقّ برواقّها الطاغي الذي بُرز على ملامحها وجعلها شديدة التوهج والبهاء هذهِ الليلة لتقول بكبرياء مُصطنع وهي تنحني وتلتقط ذيل فُستانها الأحمر : "سيدة سادات قوم .. سادة أبناء سادة " !
- لتصدح صوت الضحكات في أرجاء الغرفة على هالرواقّ الذي صايبها غرور ولكنهم يعلمون جيدًا أن الغرور على غيرها مُحرم !
__
__
- ليسدل المساء سِتارة ويعلن عقرب الساعه حلول الساعه السادسة والنصف ، يبدء المعازيم بالتوافد شيئًا فشيئًا وتضُج القاعه بالأصوات لفئات عُمرية مُختلفة ...
- أُخت العريس تهتم بالمعازييم وملاذّ تعتني بتفاصيل العروسة والتأكد من زفتها .. رُغم أن العريس طلب أن يأخُذ العروسة في نهاية الحفل ورفض الدخول معاها لقاعة الحريم على أنغام الزفة ! ليتم أحترام طلبه من جميع الأطراف لعلمهم الشديد بأن سبب رفضة مقرون بسبب عدم تواجد أُمه على يمينه في هذا اليوم المُهم .
- تمشي ملاذّ بالقُرب من ديّم لتسمع بعض الحريم يُعايرونها بكُبر السن وبالرُغم من أنها تُعتبر خالة العروسة لم تتزوج للأن ! .. لتحتضن ديّم كفها وتشد عليه بقوة ، ترمش بعيونها عدة مرات تُطمنها بعدم الإهتمام لكلامهم الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع ... لتبتسم لها ملاذّ بالمُقابل بمعنى " مايهمني أصلًا " .
- وفي قاعة الرجال :
- يقف هتان وغيث ولؤي ، يُشاركهم حضور فهد بجانب العريس ويحاوطوه من جميع الجهات .. يحتفون فيه وبزواجه ، ليتقدم رائد وتميم مُرحبين بالمعازيم ويستقبلوهم بالبخور والعطور .
- ليسحب هتان السيف من الغمد ويصطف أقارب العريس وأصدقائة بصفين مُتقابلين لرقص "الدحه" ويبدء الشاعر بالتغني بقصيدته ليرددوا بعده بنهاية كُل شطرٍ .. وترتفع الأهازيج والأصوات التي تُشبه زئير الأسود أو هدير الجمال كما يُعرف في العادت والتقاليد .
- وبعد مرور ٥ ساعات يبدء المعازيم بالذهاب حتى يتلاشون من القاعه شيئًا فشيئًا .. تقف وتيّن لتساعدها خالتها بإرتداء العباية البيضاء ، لتقترب من حدود سمعها وتوشوشها ببعض الكلمات المُطمنة ثم تردف قائلة : ماجاء يكملك فلا تُظنين نفسك ناقصة وأنتي أكمل من الكمال .. وجوده لأجل يعبي فراغات أنتي تجهلينها !
- ليصدح صوت رائد بالمكان يقطع المسافة الفاصلة بينه وبين أبنته ليحتضن كفها بباطن كفه ويمشي معاها بخطواتٍ هادئة حتى يصلون إلى حدود السيارة التي زُينت بأبهى زينه ليقف العريس بالقُرب مِنها ..
- يستهل رائد بالكلام قائلًا لأبنته : يشهد الله الذي زرع حُب تيم بقلبّي .. مالقيت غيرة يستحقك .. لأجل كذا بودعك له وأنا مُتطمن أن حنيتة بتحوفك .. ولكن رُغم كُل هالكلام لو ضاق صدرك بحضورة دقيقة وحدة علميني لأجل أهد حيلة وأضيق الكون كُلة عليه .. العلاقة الذي تربطني فيه تنتهي لو نزلت دمعه من عيونك بسببة ! لأجل كذا لا يضيق لكِ خاطر ...
ظلالي تحوفك لو كان بيني وبينك بلد وقّارة ومدينة .. رائد هنِا لو صار عليك شيء أنتي بس أزهميني وأجيك طاير لو أن ماعندي جناح .
- لتكبح دموعها بالقوه وهي ترتمي بين أحضانه .. ليقاطعهم صوت هتان يقترب منهم يقول بتحذير موجهًا كلامه لولد عمه : لا يصيب أُختي ولو خدش صغير ، لا يلحقها أذى او تنزل دمعه وحدة من محاجر عيونها .. لا تجبرني أتعامل معاك بطريقة سيئة وأجحد كُل العلاقة الذي بيننا ولا هو بودّي ياتيم !
- ليتنحنح ويقول بصوته الذي ماكان الهادي الخافت ! كثر ماكان صُوت جهوري ونبرتة فيها من الفخامة الشيء الكثير : بأذن رب العالمين أنيّ أكون قد الثقه وأصونها وأحافظ عليها مثل عيني وأكثر .
- ليربت رائد بباطن كفة على كتف تيم ، ثم يلتفت وهو يفتح لها باب السيارة وتركب بمُساعدة أخوها وأبوها ، ليجر تيم خطواته للجهه الثانية وجسدة يستقر على مقعد السائق .. ويحرك السياره لتتلاشى عن أنظارهم تدريجيًا .
__
__
- الصمت مُسيطر على المكان وشعورهم بهذي اللحظة [ رعشة أصابع ، ورعشة قلبّ ، ورعشة هوى ! ]
- يمشي بسرعة متوسطه مصوبًا نظراته للطريق التي تلحف بالسواد القاتم من كُل حدبٍ وصوب بأستثناء الإنارات الخافته التي تُضيئة .
- بعد مرور ١٥ دقيقة يقف بالقرب من الفندق الذي سيحتضن أجسادهم .. لينزل من السيارة يذهب إلى الجهه المُقابله يفتح لها الباب ويُساعدها بالنزول .. لتتعانق كفوفهم وتصل رعشة أصابعها لباطن قلبّة .. يمشون بخطواتٍ هادئة مُناقضة تمامًا لصوت نبضهم العالي !
- يقف قدام باب الشقة يشد عروة الباب ويفتحه سامحًا لها بالتقدم والدخول قبلة .
- تقف بوسط الصالة مُتجمدة عن الحركه تنحني بنظراتها للأرض ، لا تعلم هل تستمر بالوقوف ام تتخطاه وتدخل الغرفة .
- ينزع بشته الأسود الذي تلحف بِه جسده ، ثم شماغة الأحمر ، ويرميهم على الكنب بإهمال .. ليرفع مُقدمة رأسة يتأملها بجميع جوارحه ، يعلم جيدًا أن البهاء الذي يشع من وجهها يشوش علية الروية من شدة سطوع ملامحها المُشرقة ليجزم بأنها "تُحفة صاغها الرحمن من أحلى وأجمل وأرقّ التُحف" .
- ليعقد حاجبيبة بخفة وصوت رنين جواله بجيب ثوبة يخترق سكون اللحظه ويغزو شاعريُتها ، ينحني بنظراته ليلتقطه بسرعة وهو يرد على المُتصل .. لتتجعد ملامحة بعدم رضا وينتهي من المُكالمه بـ " أنتظروني ١٠ دقائق وأكون عندكم " !!!
يتجاهلها بخطواتٍ مُسرعة يلتقط مفاتيح سيارته من فوق الطاولة ويشد على عروة الباب ويخرج من الشقة بل مُحررًا جسدة من الفندق بالكامل !
- كُلما قال أبتدى .. لقى نفسة ينتهي !
تجاهل الخيبة من الحظ السيء الذي حالفة حتى في هذهِ الليّلة ! ركب سيارته بكُل عجل وهو يبتعد من المكان تمامًا .
- يارب كُلما أستحكمت فُرجاتها .. تشتت !
وقفت بلا حراك ، ورؤيتُها تتغبش ، وفي تلك اللحظة ، سمعت قلبّها ينكسر .. لقد كان صوتًا صغيرًا صافيًا ، كما إنكسار ساق زهرة !
بحق الله هل يتكرر السيناريو المُخيف قدام مرئى عينيها ؟
هل يترُكها تيم بليلة زفافها كما تركها عُدي مُسبقًا ؟
هل تُضرب على ذات الجُرح مرتين بوحشية دون أدنى رحمه ؟
خرج من الشُقة دون أن يتفوهه بحرفًا واحد ! دون أن يُبرر لها ! دون أن يعطيها الأمان برجوعه ! تركها خائفة ترتجف وتحتضن ذاتها بوحشه عميقة تُسيطر على أركان المكان وتُدب الرُعب في أوصالها .
- ترفع أصابع كفوفها تمسح دموعها بشراسة ، لن تسمح هذهِ المره بتركها وحيدة لمُدة " ٥ ليالٍ" .. أو بالأصح لن تتحمل طعنة قلبّ أُخرى تُصيب شريان وتيّنها !
ولكنهُ أستهان بوجعها
ظنهُ هينًا
وتجاوز ألمها ، كأنهُ إعلانٌ تافِه
وهيَ لن تُغفِر
لمن قللَ من شأن شعورها
وهانّ علية تركها ولو للحظةٍ واحدة
في ليّلة العُمر !
- أنتهى البارت الـ١٣ ، قراءة مُمتعه للجميع .