- بعد مرور أسبوعين على التوالي :
- من تخطي خطاويها داخل حدود هالغرفه تصيبها رجفه مو طبيعية ، الذكريات تهلّ عليها من كُل حدبٍ وصوب ، كُل موقف تجيب طارية وتشرح تفاصيلة تراودها نفس المشاعر القاسية وكأنها تعيش الموقف للمره الثانية ويمكن بمشاعر أقسى " تحُس إنها بالعة جمرة ! " أبلغ وصف لما يحصل حاليًا من شدة ما إنها عاجزة تتكلم وتعبر عن الضغط اللي عاشته وطاقتها أُستنزفت من كُل الجهات ...
- رفعت كفها وهي تمسح خدها الطريّ بفعل الدموع الكثيفه اللي ذرفتهم .. خاطبتها الدكتورة النفسية بشفقة وهي تقول : لا تضغطين على نفسك كُل موقف يراود مُخيلتك وتحُسي نفسك مو جاهزة تتكلمين عنه عادي يمدينا نأجله للجلسات القادمة .. مع أن الكبت شيء مو لصالحك بس لو كان هالكبت أهون عليك من الكلام لا تتكلمين ، وحاولي تنتقلي لمواضيع أُخرى .
- أطبقت جفنيها بكُل قوة وهي تحاول تأخذ شهيق عميق وتحبسة داخل رئتيها لثوانٍ بسيطة ثم تزفرة ببُطئ شديد وهزت رأسها برفض قاطع : ٢٣سنة وأنا بالعة كُل هالكلام ! مو قادرة أخبية بجوفي أكثر من كذا ، ودّي أتكلم عن كُل شيء وبترتيب خوفًا من نسيان حدث مُعين ويداهمني بمنامي ! ودّي أتنفس براحه ودّي أبتسم وأنا فعلًا حاسة بشعور هالأبتسامة والسعادة حايفتني حوف ، هالتعب أخذ من وتيّن كثيييييييير وأنا ما أمتلك حاليًا إلاّ ٢٩ حرف لأول مرة ودّي أن هالحروف تتكاثر حيل ، ثروتي اللغوية ضئيلة جدًا قدام هالشعور الكبير الجاثي على شرايين قلبّي !
زمت على شفتيها بقوة وهي تستشعر طعم الدم بفمها وأردفت بشهقه بُكاء : " أن كان يُحرقنا الذي هو ماؤنا ، فبمن ياتُرى يستنجدُ المحروقُ ؟!! " منذُ نعومة أظافري ما مرّتني ليلة هادئة بين جدران بيتنا أتذكر بتخرجي من المتوسط سوت لنا المدرسه حفلة حضروا فيها كُل أولياء الأمور بأستثناء أهلي .. ووقت توزيع الهدايا تخبيت خلف الكرسي خوفًا من أن المديرة تنادي بأسم أمي ويضحكوا صديقاتي ويعايروني بجملتهم الشهيرة [ محدٍ مُتأكد هي عندها أم فعلًا ولا يتيمة ! ] كُل بنت كانت تتمنى تشبة أُمها في المُستقبل إلاّ أنا أخاف من هالتمني ! لحد هاللحظه هذي وأنا أخاف من " كلمة أُم " هالأسم العظيم يُهزنيّ من اقصآي ، رُغم أنها كلمة تكونت من حرفين بس مافي كلمة بهالكون تعادل رهبتها بقلبّي .. الحنية الواجده ما تلقيت مِنها ولا مشاعر بسيطه ، والأحتواء الآمن كان الفزع الحقيقي بالنسبة ليّ ، أمي قست عليّ وااااجد لدرجة أنها نست تحبني من زود قسوتها ! بكُل مُشكله كانت تصيبني كنت أتخبط يمين وشمال ولانيّ مو قادرة أستغيث بحنانها يدفيني ! تعلمت أصبر على الضيمّ وأتجرع مرارّتة اهون بكثير من أنيّ أشكية لها وتستسهله بكلمات غير مُبالية تخدش روحي فيها .. كنت مرات كثير أوقف قدام المراية وأتخيل أنيّ أمي وأجلس أخاطبني وأحبني كنت أوهم نفسي أن هالأنعكاس الموجود بالمرايه أنعكاسها .. حضنت المراية كثييييير مرات وأنا أقنع نفسي أن هذا حُضنها ! لو شافني أي شخص بيقول هالآدمية مجنونه بلا شك ، تحضن مراية ! كيف أقنعك أن هالجماد طبطب عليّ مرات كثيرة لدرجة أن هالأسلوب رافقني لسنين طويلة كُل ما أشتقت لأمي تخيلت أنعكاسها وحضنت هالجماد !!! تخيلي كنت أشتاقها وهي على بعد خطوتين منيّ بس مو قادرة أحضُنها لصدها عنيّ ، والحين صار العكس أشتاقها ولكنيّ مو قادره أحضُنها لصديّ عنها ! والله يلوم من يلومنيّ ولو بحرف واحد .
- تداركت الطبيبة نفسها من شدة التأثر بكلام هالوتيّن وتكلمت بحشرجه صوت : حتى لو أقتضى الأمر أن تخلعي قلبك وتمضي من دونة ، المُهم أن لا تبقي مرهونة بهالمشاعر التي تُمررّ لجوفك القلق وتبقيك يائسة ! أول خطوات التشافي أنك ما تجبري شعورك يعيش أي حالة حُب مُزيفة ، حاسة أن صدّك عن أمك قادر يداويك ؟ طاوعي شعورك ولكن هالصدّ لازم يكون له حد لازم تتصالحين مع أنعكاس أمك في المراية قبل ما تتصالحين معاها في الواقع ! وصدقيني رُغم كُل قساوتها اللي تجرعتيها بتظل أحنّ بكثير من قساوة أي شخص أخر .. حاولي تسامحيها واذا فشلتي ؟ حاولي مرة ثانية وثالثة ورابعه لين ينتصر حنانك على قسوتها .. لو كانت أسوء السيئين مافي حقيقة بهالكون تقدر تنكر أن رُغم سوئها مطلوب منك تحبيها وتداريها وتحنّي عليها وقبل كُل هالمشاعر تسامحيها ، مو عشان شيء عشان تقدرين تعيشين وتكملين حياتك ، وعشان ماتضيعين أخرتك بعد ضياع دُنيتك ، وصايا رب العالمين كثيرة ولكن أعظمها كان من نصيب الأُم ! لا تغفلي عن هالوصية العظيمة ياوتيّن ولا تسمحين لأطراف جروحك تخدش أمك ولو بدون قصد .
__
__
__
__
- جالس على كرسي مكتبة سرحان .. أرتخت ملامحه وطرف خدودة يكتسيها التجاعيد الطفيفة بفعل الأبتسامة التي أبتسمها وهو يتذكر طفولتة : في رحاب الحوش أنتشرت ذبذبات صوت أمه بخوف : تيم أركض بشويش لا تطيح وتتعور .. خوفها عليه كان يوضح بكُل كلمه وحرف وفعل ، يقسم بكُل جوارحه أنها أخذت كُل حنيّة الأرض وتشربتها بكثافة ، كان دايمًا يذكرها بصلواته ويرتجي رب العالمين يرضي عن والدتة بقدر رمال الأرض ، بقدر كُل ثُقل ساندته على حملة ، بقدر كُل موآساة أطفأت بِها قلقه ، بقدر كُل قطرة نور سكبتها على نار روحه ، بقدر سعّة قلبها له ، رضي الله عنها وأرضاها وجزاها كُل خيّر ...
- قطع علية سرحانه دخول غيث : أشرقت اليوم الشمس من مغربها ؟؟؟ هالأبتسامة الحنيّنة مين سببها ؟
- تنحنح بصوت هادئ وهو يعدل جلستة ويقول : مو مُتأكد اذا قلت لك الأسم بتصدقني !
- ثبت جسدة على الكرسي المُقابل وضحك بصوت عالي : العجائب السبع كُلها موجوده عندك ، ما من أستغراب لو نطقت بالثامنه .
- تكلم بنبرة صوت غريبة مو قادر يحدد شعوره : رُقية !
- برزت ملامح غيث بأستغراب كثيف وقبل لا ينطق بكلمه قاطعه تيم قائلًا : أتذكر يوم كنا صغار " كانت تعاقبنا على أخطاءنا بألاّ تتحدث معنا ، بتلك الطريقة علمتنا كيف يكون مُجرد [ الحديث ] مُكافأة ! " تخيل أن من سنة ونص وهي مُعاقبتني هالعقوبة !!!
- أمي الحنيّنة واجد ياغيث تغيرت ، عقابها قاسي حييييل ليتها تصرخ تكسر تضرب بس تتكلم معيّ ، تصدق أشتقت أسمع صوتها ، مُشتاق لحُبها الواجد ووجودها اللي يهزم كُل مخاوف هالرجل الصلب اللي قدامك .. حملتني مسؤولية وفاة زوجتي رُغم علمها التام أن ما كان لي في هالوفاة لا حول ولاقوة ! ومن بعد هذاك اليوم رُقية مو رُقية .
__
__
__
- الساعة الحادية عشر مساءٍ :
- أستقبلتة بأبتسامة هادئة وأردفت بحُب : مرحبا ومرحبًا ليّن ما يبقى من الـمرحبا مرحبا .
- رد لها الأبتسامة بحبور يعتلي كُل حواسه : هالدلع كثير على قلبّ واحد !
- ضحكت بخفة : ولايهمك بكرة نروح السوق نشتري لك قلبٍ ثاني .
- ضحك من ضحكتها : التبذير حرام .. أنتي خففي حنيتك وأنا بكتفي بقلب واحد .
- تخطته بضحكة عالية وهي تدخل المطبخ وتخاطبة بصوت مُرتفع : غير ملابسك وأنا أرتب السفرة وتعال نتعشى .
- وضع أصبعة على خشمة وهو يقول : أبشري .
- على طاولة العشاء قالت وهي تتصنع اللآمُبالاة : غيث أنت تعرف أصحاب العمارة أو قد ألتقيت فيهم ؟
- خلص شُرب الموية وقال : ما أعرفهم معرفة شخصية بس ألتقيت برائد مرة وصلينا في الجامع سواء .
- عقدت حاجبيها بأستغراب : رائد ؟
- فك عُقدة أستغرابها بجوابة : اي أبوهم .
- تكلمت بتساؤول جديد : ليه هم عائلة من كم أفراد ؟
- رفع نظرة عن صحن البشاميل وناظر فيها بتعجب : وش كُل هالأسئلة ؟ وش تبغين فيهم ؟
- قالت بملل : أبغى أتعرف على بناتهم ، النهار كُلة يمضي وأنا وحيدة ما غير أتنقل من الصالة للغرفة ومن الغرفة للمطبخ ، طفشت !
- أبتسم على ملامحها الغاضبه : يمكن ماعندهم بنات ؟
- هزت رأسها برفض : إلاّ عندهم كثير مرات شفتهم من البكلونة يدخلون العمارة ويطلعون منها .
- ضحك من هالأستنتاج الضئيل : مو كُل من دخل العمارة وطلع منها يعتبر من أصحابها .
- عبست ملامحها بأنزعاج وقالت بتحدي : تعال ننزل عندهم نتأكد .
- أطلق ضحكته العاليه : غيّم أنتي طبيعية ؟ هواء البلكونة مؤثر عليك ؟؟ ولا هالأشجار الخضراء اللي وزعتيها بكُل شبر بهالبيت لخبطت موازينك !
- حاولت تثبت على موقفها وتوضح له أنزعاجها الشديد من هالوحدة اللي تلتهم حياتها : أتصل على رائد أطلب منه يعطيك رقم وحدة منهم وأن صابك حرج أرمي الموضوع عليَّ وقول أختي تبغى تتعرف على بناتك .
- تهجم ملامحها وجديتها وهي تتكلم وضحت له شكثر هالغيّم فعلًا طفشانة وبهجتها باهته مهما أبتسمت او حاولت تبين له عكس هذا ، أخذ جوالة بخضوع وهو يبحث بين الأسماء عن رقم صاحب العمارة اللي أعطاه له المكتب وضغط زر الأتصال ينتظر الرد .
- تنحنح بأحراج وصوت رائد يخاطب طبلة أذنة : معلِش على الأزعاج يمكن ما عرفتني أنا غيث المُستأجر الجديد .
- يا مرحبا .. تفضل ياولدي بغيت شيء ؟
- بلع ريقة وهو يحاول يرتب الكلمات بجوفة قبل ما ينطقها : زاد فضلك .. عندي أختي هنا تبغى رقم وحدة من بناتكم تتواصل معاها ، يشرفنا نتعرف عليكم .
- الحين أكلم البنات يتواصلون معاها أرسل رقم أختك .
- قفل من المكالمة بعد ما أرسل الرقم وناظرها بنظرات شارهه : "لأجل عين تكرم مدينة "عشان أرضيك أزعجتهم بهالوقت !
- أنفرجت ملامحها براحة وقالت بضحكة : لا تكبر الشرهه عشان أتصال بسيط .
- رماها بعلبة المنديل وأستقام بطولة الفارع وتكلم بضحكه مُماثله لضحكتها : قلبي الحنيّن ما يشرهه على غيمة عواطفها مُتجمعه بعيونها ! كويس أتصلت ولا كان هلّت دموعك وأبتلشت وأنا أرضيك .
__
__
__
__
- أشرقت شمس الصباح مُعلنة عن بداية يوم جديد .
- الساعه التساعة صباحًا :
- فتح لابتوبة وأرسل لها في الإيميل " آنسة ملاذّ ضاع سي دي التصميم اللي سلمتية قبل أسبوعين بسبب أهمال أحد الموظفين نُرجى إعادة أحضار التصميم وسيتم تحويل المبلغ مرة أُخرى على حسابك " .
- فزت على وصول رسالة لبريدها الألكتروني فتحتها وهي تقرأ مضمونها بأستغراب ، وتكتب : وش هالأهمال ؟ تصميم متعوب عليه ٤ أيام ببساطة تكتبون لي ضاع بسبب أهمال موظف !
- رفع كفة ومسح تقاسيم وجه بقلة صبر ، وزفر تنهيدة ويخاطب ذاته : يا صبر إيوب وش يقنع هالآدمية الحين أنها مُلخبطة في الملفات ومُعطيتني سيرتها العجيبة ! ، لحد اللحظة هذي وهو مايدري لية مُحتفظ " بـ سي دي سيرتها " بعدها بيوم حول لها المبلغ على الحساب بهدوء من دون ما يعلمها أنها مُلخبطه وعطته سي دي مُناااقض تمامًا للمطلوب ! ولكن المُستشفى ضيقوا عليه الخناق وطلبوا منه التصميم وليش المُصممه تأخرت عليهم أسبوعين عن المدة المُتفق عليها ؟؟ هو كان الوسيط بينها وبين التأمينات فَ انجبر يكلمها تصمم تصميم جديد وترسله .
- بعد مرور ثواني معدودة من التفكير ثبت أصابعة على لوحة المفاتيح وأسترسل يكتب كذبتة المُخترعة : خطأ غير مقصود والموظف المسوؤل عن ضياع السي دي أنطرد .. نتمنى أرسال التصميم خلال اليومين القادمة ليتم تحويل المبلغ .
- سيطرت على ردة فعلها وكتبت : أن شاء الله .
- التفتت على صوت وتيّن تخاطبها بتوتر : عادي تروحين معي اليوم للجلسة .
- أستغربت ملاذّ طلبها الغريب بالرغم من أنها تعنت وهي تسألها بكُل مرة وتطلب منها تسمح لها تروح معاها ووتيّن تصدها وتقول : " هذي حربي وأبغى أخوضها بنفسي من دون اي مُساعدة " .. الأكيد أن الكلام اللي بتفصح فيه هالوتيّن بهالجلسة قاسي حيل على روحها الناعمه ولا ليش بتطلب من ملاذّ تروح معاها !
- رسمت أبتسامة دافئة على محياها لعلّها تطمنها ولو بالشيء القليل : أبشري ، متى موعدك ؟
- تكلمت بأمتنان : ٢ ونص بعد الظهر .
- تمتمت ملاذّ بتذكر : أمس الليل رائد يقول جارتنا تبغى تتعرف علينا وعطاني رقمها اتواصل معاها بس نسيت ، والحين مشغولة عندي طلب تصميم ، شرأيك تتواصلين معاها أنتي ؟
- رمشت بهدوء وقالت : اي عادي ، أرسلين لي الرقم .
- انحت بجسدها وهي تأخذ جوالها من فوق السرير وترسله لوتيّن برسالة نصية : وصل ؟
- هزت رأسها بنعم ، وبعد مرور ثواني بسيطه شهقت بصوت عالي ورأسها يهتز بإنكار : مُستحيل ! لا هذي مو هي ؟؟؟؟
- فزت ملاذّ وعقدت حواجبها بأستنكار من ردة فعل هالوتين وقالت بتساؤول : من هي ؟ تعرفيها ؟
- أطبقت جفنيها وهي تطلق تنهيدة عميقه ودموعها ينهمروا بصمت ، كانت عاجزة تمامًا عن الكلام او حتى الشرح ، حررت كفها من الجوال وهي توضعه بكف ملاذّ تحت انظارها المُشبعة بالحيرّة ، أزاحت بؤبؤ عينيها من ملامح بنت أختها المصدومة وثبتت نظرها على شاشة الجوال التي يعتليها أسم " غيّمة الأرض " من بداية ما سوت وتيّن نسخ للرقم .
- اشتدت عقدة حاجبيها أكثر وتسائلت بحيرّة أكبر : الرقم مُسجل عندك مُسبقًا !! مين هالآدمية !
- تداركت نفسها بصعوبة وبلعت ريقها بشوق أعتلى عرش قلبها واردفت ببكاء ما كاااان هين أبد أبد : غيّم ، [ سُلطانة المحبّة وسيدة أسياد الأحبّة ] صديقتي الصدوقة أظُن أنيّ أعرفها منذُ ٣٠شمس و٣٠ ليل .
- مسحت دموعها بسرعة وتكلمت بصوت يرتجيها : تعالي نطلع لها يا ملاذّ تكفين أبغى أشوفها .. الشوق هدّ حيلي والله ماعاد عندي صبر .
- أبتسمت أبتسامه دافئة وهي تقول : ما ألومك تسمينها " غيّمة الأرض " لأول مرة ينذكر طاري شخص وتهلّ دموعك من زود الحُب !
- بلعت ريقها بمرارّة : لأنيّ ومع بالغ الأسف طيلة حياتي ما حضيت بشخص واحد حقيقي وحنون غيرها ! كُلهم طاريهم يهيض الشجون والأحزان بقلبّي إلاّ هي طاريها مُريح حيل حيييل بالنسبة ليّ .
- عذبها هالأعتراف ولكنه بنفس الوقت بث الراحه فيها ، صح وتيّن صرحت أن غيّم أحتلت المكانة الأعظم بقلبها وهذا يدل أن حتى ملاذّ موجعه هالوتين بطريقة أو بأخرى ! رسمت أبتسامة مُصطنعه وهي تقول : البسي عبايتك وأنا بلبس عبايتي ونروح لها .
- طلعت من الغرفة تركض بحماس .. وما عدت دقيقتين إلاّ وهي تستعجل ملاذّ بصوتها العالي .
__
__
- رنت الجرس رنات مُتتالية غير مُهتمة بالتوقيت او الأسلوب المُهذب كُل اللي يهمها الحين تلتقي بهالغيّم .
- فتحت الباب بأبتسامة شاقة وجهها قبل ثواني كانت تقرأ الرسالة اللي محتواها يقول [ غيّمتي ! أفتحي الباب ، أنا جايئة مِن طرف قلبك ، مَعرفة قديمة يعني أنا جارتك في الدور الأول ] قرأتها ٣ مرات وهي ترمش بعدم إستيعاب وتحاول تصدق أن هالكلام حقيقة مافيه اي مجال للشك "نهر الجسد" هي جارتهااااا ؟؟؟
- حضنتها بكُل قوة وأردفت بعتابها اللطيّف : أشتقت حيل يا غيّم .. يرضيك ياصديقة وتيّن الصدوقة .. تخيلي كم شمس وكم ليل مروا من دون ما أشوفك ؟ دفتر العتاب صار كبير .. كبير حيل يا غيّم .. لازم ترضين خاطري المُشتاق !
- شدت من أحتضانها لها وقالت بصوت باكي : "ضلع يرحبّ بك وضلع يهليّ" لو تسطر دواوين من الشوق ما كفتها لأجل توصل شعورها لهالصديقة بذات .
- تنحنحت ملاذّ بصوت عالي وهي تكتف يدينها وتتصنع الزعل : الله لا يضيق على مسلم أن كان وجودي مُضايقكم ، أعز نفسي وأرجع البيت ؟
- أنتبهوا لوجودها وناظروا في بعض وضحكوا من كلامها ومن وجودها اللي تناسوة فعلًا .. رفعت وتيّن سبابتها وأشرت عليها وهي تقول بضحكه : أعرفك على محور الكون ملاذّ .. عاد الله الله لازم ترحبين فيها بطريقة لائقة لأن هالآدمية ما يرضيها الترحيب العادي !
- أبتسمت غيّم ورحبت فيها بحفاوة : مية هلا يا ملاذّ من مطلع العُمر للحين .
- حاولت تثبت على موقفها الزعلان لكنها فشلت وثغرها يبتسم برحابة : ما بكبر الشرهه هذي المره وبغض الطرف عن تهميشكم لوجودي بسبب الشوق ، لكن المرات الجايئة أهد هالعمارة على رؤوسكم من دون مايرفّ ليّ جفن أن تناسيتوني ولو لوهله وحده !
- أمتلى المكان بالضحكات العالية وجلسوا يسولفون جلسة مافيها نفسٍ ثقيلة .
__
__
__
__
- دخلت المجلس وشافته جالس بهدوء وسرحان ، أنحنت بجسدها وجلست بالقرب منه .
- أنتبه لها وملامح وجه يكسوها الضيق .. ما تكلم او كسر حاجز الصمت او حتى سألها سؤال بسيط عن سبب تواجدها هِنا ، أكتفى بتنهيدة عميقة وصلت لمسامعها .. بصمت تام مُنتظر منها تبادر وتقول الكلام اللي برأسه ، تعزّ عليه نفسه حيييل يجيب طارية او يذكر أحداثه ، لأنه اشد العارفين بحجم الألم والتعب اللي بيزور صدرة ، وبحجم الخيبة اللي بيتجرعها ، خيبته ما بتكون من أي شخص ثاني بتكون من نفسه !
- تكلمت وعد بأسف العالمين ودموعها ينهمروا على خدودها بأفراط كثيف : نظرتك فيها من العتاب الشيء الكثيررر مايحتاج تتكلم نظرتك قالت كُل شيء ! فلتت شهقة تليها شهقه أُخرى من بين شفتيها وهي تقول : الندم مُحتلني من آقصاي حاسة أن صدري يشتعل بنار قوية ما بتخمد بقية حياتي كُلها .. كنت السبب بتشتيت أُسرة كاملة ، ورب العالمين شتت أسرتي ، الجزاء كان حيل موجع يا رائد الحياة صفعتني بأقرب الأقربين ليّ وكأنها تقول : هذا جزاتك هذا التشتت الي أنتي تستاهلينه .. كنتي السبب "بالتفرقه بين أخوة" وربي فرق بينك وبين أولادك ! تجبرت لين هديت حيل كُل اللي حوليني .. قسيت بطريقة خدشتني أضعاف ما خدشتكم .. أكثر من ٢٠ سنة فرقت أرواح وأجساد يحملون نفس الدم ! خيرتك بيني وبين الشخص الوحيد الباقي لك من أسرتك ، كذبت وأفتريت على شخص عليم الله أنه أنقى من ثوب البياض ، كُل هذا عشان الورث !!!
- أردفت بصوت باكي أرهقتة الحسرة والندم : تكفى يا رائد دور على أخوك أسأل عن مكانه ولو كان بأخر مكان بهالأرض خلنا نروح له .. ودّي أتحلل من هالذنب !
- أطبق جفنية بقوة والدمع يغزو شنبة : بسبب اللي صار من ٢٠ سنة ترك إبها وسافر ، بعد مرور هالعُمر كُلة كيف تطلبين منيّ أروح له ؟
- أجهشت بالبكاء بصوت مريرّ : أنا أدري أن عندك علم عن كُل أحواله ولو كان هالعلم بالخفا عنيّ .. وينة الحين ؟
- بُرزت ملامحه بأستنكار شديد صدمتة كانت قوية حيل ، وعد كانت تدري أنه يراقب أخوة كُل هالسنين وما منعته ! مو هالوعد هي نفسها اللي سببت الفجوة بينهم ؟ مو هي اللي شتتهم وفرقت شملهم ؟ لية كانت تدري عن هالموضوع وماتدخلت او حشرت نفسها فية ! شد على قبضة يدة بقوة وهو يحاول ما يلخبط المواضيع ويتصرف بحكمة ، ٢٠ سنة وهو مُنتظر هاللحظة ، زوجتة جاها الجزاء بطريقة قاسية خلتها تعيد كُل حساباتها وتكفر عن ذنوبها الواجد اللي أقترفتها بحق هالعائلة ، تنحنح بصعوبة من حدة الذكريات اللي أنهالت عليه : لا تضيفين لجروحك القديمه بقلبي جُرحٍ جديد ، مالك حق تطلبين مني طلب زي كذا ، وأنتي المُتسببه بهالبُعد وهالألم !
- على صوت نحيبها أكثر وأكثر وهي تقول بكلمات مُتقطعه : مالي وجه يطلب العفو منكم لكن أبعتذر من كُل واحد فيكم لين الله يسامحني ويكفر عني ذنبي .
- تجاهلها بألم غرس أنيابة في باطن روحه وأستقام بجسدة يمشي بخطوات مُبتعد عنها ، تاركها تنهار بطريقة هستيرية .. غير عابئ بتوسلاتها وندمها الشديد ، لكن مو هي اللي وصلتهم لهالمواصيل ولهالحال المُضني ؟ أجل جاها الدور تعاني وتتجرع الألم أطنان وأطنان وتأخذ نصيبها من الحسرّة اللي زرعتها بروح هالأخين خلال الـ٢٠ سنة اللي مرت .
- خرجت من غرفتها بهدوء أعتادت عليه وصار جُزء من شخصيتها هذا اذا مو كُلها ! برزت بؤبؤ عينيها بأنذهال وهي تشوف أبوها يخرج من المجلس وعلى ملامحه ضيق العالمين ، عقالة مرمي على حدود رأسة بأهمال وأزرار ثوبة العلوية مفتوحه شنبة يغزوة الشيب الكثيف والدمع تجمع بمحاجر عيونة ، تقدمت خطوتين بالقرب منه وقالت بخوف واضح : يُبة أنت بخير ؟
- شدها لحضنة بكُل حنيّة ودموع عينية ينهمروا بألم كثيف حيل ، تكلم بصوت مهزوز وبحسرة عاليه : "أريدك أن تعرفي أننا لو كنا في حياة أخرى أغراب سأتمنى لو كنتي أبنتي ، لو كنتي مُجرد صخرة صغيرة سأحملك معي وأتجول ، لو كنتي طائرة ورقية سأمسك بخيطك حتى لا تسقطي وتتحطمي ، لو كنتي قطعة قماش سأصنع منك شماغي المُفضل ، سأختارك دائمًا كاأبنة لي وسأحبك بكثافة العالمين" عليم الله أن هالحياة حدّتني على تصرفات ما تشبهني وأنا الحين جاي والألم يتلبسني من أقصآي يا وتيّن رائد وشريانة وكُل قلبة لو قادرة تسامحيني لا تبخلي عليّ بهالنعمة أرتجي العفو من قلبك الحنيّن وعسى هالقلب ما يردني .
- مو طبيعية هالمشاعر القوية اللي أخترقت صدرها هالحال المُضني لأبوها وهالدمع اللي تجمع بمحاجر عيونه كان السبب بحضورها وتيّن ! لا يارب لا ألاّ رائد لا ينجرح بسببي إلاّ أبوي لا تهلّ دموعة .. تمسكت بحضنة بقوة وشهقاتها تعلى : لا ترتجي العفو منيّ تكفى يُبة أنا مالي قلب يزعل منك أصلًا ، لا يهتز شموخك ويلحقك حُزن بسببي ، تناسيت وغضيت الطرف عن كُل ما بدر منك لأجل كذا لا تهدّ حيلي وبأسي ببُكاك والله مالي قوة علية يا أبو وتيّن ، والله ما يهدّ هالحيل غير بُكاء مُحبيني .
- بلع رائد ريقة بصعوبة وعض على شفايفة بشدة وهو يتأمل وتيّن اللي سحبت منديل من العلبة اللي فوق الطاولة وأقتربت منه وهي تمسح دموعة اللي بللت وجهه بحنييية تهدّ جباللل من شدتها وكبرها ، أبتسم لها بعفويّية ودفء غمر جوفة وتخطاها بصمت وسكون وخرج من الشقة .
__
__
__
__
- الساعة ٢ ونص العصر :
- في مُستشفى النور :
- واقفة قدام الغرفة وجسدها يرتجف من الخوف والتوتر ، شدت على يد ملاذّ بقوة وهي تقول : "كُل ماجيت أرتب دُنيتي أنحاست " بكُل جلسة أكتشف أنيّ أضعف أكثر من الجلسة الماضية ، وأنا أسرد مُعاناتي أحُس أن الجآي بيكون أصعب .. كُل ماهونت وقلت تخلصت من الجزء المُرّ الاقيني لحد اللحظة هذي ماتكلمت إلاّ بمُقتطفات بسيطة عن حياتي ، أحداثي الموجعه واااجد تعبت وأنا أسردهم على وجع وجع .. ظنك متى بتخلص من هالشعور لأخر قطره ؟
- طمنتها بعيونها وهي تشد من أحتضانها لكفوفها وأردفت بقوة : "طبطبي على روحك ، تجاوزتي أحداث كثيرة بكبرياء المُنتصر ، لملمي كُل ما سقط من قلبك ، ضمدي جراحاتك ، وأدرسي ندباتك حتى لا تُجرحي من نفس السبب مرتين ، أُنظري لخساراتك على أنها أنتصارات مؤجلة ، وأطمئني مصير هالشتات ينقلب لطمأنينة عارمة تحتل كُل صدرك بأذن الله " .
- أغمضت عينيها بقوة وهي تكسر حاجز التردد وتشد على عروة الباب بهدوء وتدخل بخطوات مُتثاقلة تجلس في الكرسي التي شهد على إنهياراتها واحدةٍ تلو الأخرى ، امام أنظار الطبيبة النفسية التي رحبت بِها برُقي أستقبلتها فية بجميع الجلسات الماضيه .
__
__
- أنحنت بجسدها الرشيق وأجزائها تستقر على كُرسي الأنتظار وتشتت نظراتها في زوايا المُستشفى .. أخذت هاتفها فتحت الملفات المنقولة وبدئت تتصفحهم كي يمضي الوقت دون أن يسيطر عليها الملل ، أعتلت الدهشه جميع ملامحها وهي تضغط على ملف " تصميم تأمينات _ مُستشفى النور " .. المُحتوى موجود كامل مُتكامل ! تراهن بحواسها الخمس أنها أول ما نقلته من اللابتوب للسي دي سوت له مسح من الجهازيين ، لأنها بالعادة ما تحب تحتفظ بملفات التصميم المُنتهية مِنها ، اي مشروع تسلمه تمسحه من عندها نهائيًا .. وهذا الأسلوب ماشية عليه من بداياتها بهالمجال لكثرة الطلبات اللي تجيها ولضيق المساحه في الذاكرة .
- تذكرت الموظف المسؤول اللي راسلها اليوم الصباح في البريد الألكتروني عن ضياع سي دي المشروع ، رمشت عدة مرات بدون إستيعاب وهي تحاول ترتب أفكارها .. بلعت ريقها بتوتر خوفًا من أنها غلطانة برقم الملف ومسلمتهم تصميم ثاني تمامًا ، اذا كُل الملفات المُحتفظة فيها ملفات تخصها شخصيًا وملف التأمين موجود هِنا أجل مية بالمية هي مُلخبطه !!
- أستقامت بجسدها وخطت خطاوي متوترة حيل والخوف يلعب بنبضات قلبها من هالموقف المُحرج .
- وصلت للوجهه المقصودة بلعت ريقها بصعوبة قبل ماترفع أصابع كفها وتطرق طرقات خفيفة على طاولة الموظف .
- فز من مكانه تو ينتبه لها تنحنح بخفة وقال : أهلًا .. تفضلي .
- شابكت كفوفها بتوتر طاغي وتصنعت القوة : أنا المُصممة ملاذّ .. تواصلتوا معي اليوم الصباح تبغون تصميم التأمينات ، المشروع جاهز في الجوال كيف أقدر أسلمه ؟!
- ماكان مُحتاج مِنها تعرف عن نفسها لأنه بلا أدنى شك عرفها ، أصلًا مايمدية ينسى صاحبة أغرب سيرة ذاتية من بين كُل العالمين ! أنحنى برأسة وفتح الدرج وهو يطلع منه سي دي جديد ويعطيها ، رد عليها بثبات مُصطنع : أرسلي ملف المشروع للابتوب وأنا بسوي له نسخ للسي دي هذا .
- تمتمت بكلمات غير مفهومة ثم أردفت بصوت هادئ : يمديني أنا اللي أنسخه ؟
- فهم مقصدها بكُل وضوح وتحرك من مكانه مُبتعد عن طاولة المكتب وأشر لها وقال : أكيد تفضلي .
- خطت خطوتين وهي تجلس على الكرسي وترسل الملف للابتوب المستشفى وبخطوات سريعة سوت عملية النسخ للسي دي ووضعته على الطاولة وهي تقول : أنا على علمًا تام أن المرة السابقة سلمت لكم سي دي يُخصني بشكل او بأخر ، وكذبة الموظف المطرود ما مشت عليَّ .. سيرتي الذاتية ما تعنيكم بأي شكل من الأشكال ، واللف والدوران أسلوب سيئ يمس سمعة المستشفى وسمعتكم شخصيًا ! اشرت بسبابتها على السي دي الأصلي للمشروع واردفت بحدة وبغضب : الشيء الوحيد اللي يُخصكم موجود هِنا .. وسي دي سيرتي حطوة داخل برواز وعلقوة على هذا الجدار لأن سيرة ملاذّ ما تتخبى داخل الأدراج بحجة ضياع وكذبة موظف !! حررت المكان من تواجدها فية .. وتجاهلته بدون ما تنتظر ردة عليها .
- تركتة مصعوق من كلامها والدهشه أتخذت من ملامحه بيت ، هالملاذّ اللي المفروض يكتسيها الحرج من شعر رأسها لأخمص قدميها كيف قادرة تتكلم بهالقوة العجيبة .. وضاربة عصفورين بحجر مُسلمته المشروع الأصلي وكاشفة كذبتة بطريقة رفعت من شأنها وتعمدت تحرجه وتجر كُل أطراف الموضوع لصالحها !
__
__
__
__
- رفعت رأسها بعدما أستشعرت أن حرارة العالمين أجتمعت بكُل فضاعة وأستقرت بمحاجر عيونها بكُل جراءة وبدون ما تترك لها مجال للرفض .. كانت تظن أن عيونها تحترق من شدة حرارة الدموع اللي أحرقت جوفها وروحها قبل ما تحرق ملامح وجهها اللي مرت عليها .. بعد سيل الدموع التي ذرفتها قالت بألم كثيف : " لم أشعر أبدًا بالرغبة في القفز من جسرٍ ما ، ولكن هُناك أوقات أردت فيها أن أقفز من حياتي ، من جلدي ، من الذي حدث ، ومن ما قد يحدث ، من أشياء تُخيف ، ومن أشياء أنفرضت عليَّ بكُل عنجهية " !
- أبتسمت لها الطبيبة النفسية بهدوء مُنتظرة مِنها تكمل هالحدث التي هزّ صلابة هالوتيّن وجعلها [ تلميذة الفراشة في الهشاشة ] .
- بللت حنجرتها بريقها وهي تقول : زواجي أنفرض عليَّ فرض [ حقًا ما ظننت قط أن الأنسان يُمكن أن يُخنق من أصبعة ! ] هكذا كان شعوري وأحنا نلبس خواتم الخطوبة .. صدقوا بنت غريبة من الشارع وتركوني بلا تصديق .. وقت تخرجي من الثانوية كانت بنت جيراننا تدرس معي ولأنها أنسانة نظراتها يتلبسها الشر والحسد ما تقبلت فكرة حصولي على المرتبة الأولى من بين كُل الخريجات .. تركوا فرحتي بحلقي مع غصه موجعه حيل مو قادرة أبلعها ليومنا هذا بالوقت اللي المفروض هالعائلة تحتفي فيني وبنجاحي وترفع رأسها لين هام السُحب دفنوني أنا وشهادتي وفرحتي بجوف الأرض وهم مُصدقين أن ليّ علاقة مع أخوها بالسر وبالخفا عنهم !!!
- صدى صوت أمي يتكرر على مسامعي للحظة هذة كانت تقول والله العظيم لو يجيك شخص أقل ما يُقال عنه " مجنون " لتتزوجين فية بدون أي أعتراض ! وبعد أسبوع من هالتهديد المروع خطبني أنسان مرة يكون بعقله وعشر مرات عاري عقل .
- قاطعتها الدكتورة قائلة : ورائد وين كان ؟
- نزلت دمعتها الحارة من طاري أبوها اللي لحد اللحظة هذي مو قادرة تحدد مصداقية شعورها نحوة : بنت الجيران أفترت عليّ أفتراء عديم رحمة لهالدرجة وأمي وصلت هالأفتراء لأبوي بدلائل غير صحيحة .. ومع بالغ الأسف أن اللي كانوا سبب وجودي بهالحياة هم نفسهم اللي كانوا السبب بسلب هالحياة منيّ باللحظة اللي وافقوا فيها يزوجوني من هالأنسان المجنون .
- تكلمت الطبيبة بهدوء بعد أن داهمتها دمعه حارقه مسحتها بسرعة وهي تخاطب وتيّن قائلة : لا تنسي أن تجعلي لنفسك منطقة ووقت راحة تلتقطي فية أنفاسك وتضمّدي فية روحك وتسترجعي فية قوتك للمقاومة والمواصلة والأستمرار في خوض الحياة كما يجب ، كُلما شعرتي بالوهن وبإضمحلال قوتك في المواجهه والأستمرار توقفي لتستعيدي نفسك ، وتستريحي ، لتنفضي عن روحك كُل الشوائب التي خلفها فيك هذا الركض المُستمر ، لابُد للأنسان يا وتيّن أن يتوقف فأجعلي هذا التوقف لصالح نفسك ! لتستمدي صلابة أقدامك وصلابة روحك ، عودّي نفسك دائمًا أن تقفي على أقدام صلبة ، قوية ، تستطيع تحمُل كُل الصعاب وتكون مُهيأة للقادم من ظروف وأحزان وإنكسارات ، لأنك أن وقفتيّ على أساس قوي .. ستستمد منهُ الروح قوتها ، ستتباهى بِها حتى ، لأن الركض على تعب لن يخلف إلاّ التعب ! ولأنه في هذهِ الحياة لن تستفيدي شيء إلاّ أستهلاك روحك في الركض ، بدون لا شيء سوى التعب [ أهدئي ليلتقط قلبّك تنهيدة ! ] توقفي لتهدئي وأهدئي لتتعرفي على حقيقة نفسك وقدراتك ، أهدئي لتعرفي الأمل والصبر ، دائمًا تعلمي أن تتوقفي لتتخذي من هدوئك طريقة لمعرفة روحك .
- ثم طلبت منهِا أن تذهب لدورة المياة وتغسل حرارة هالدمع بالماء البارد لعل وعسى هالوتيّن تتنفس براحه وتحفها السكينة بعد كُل هالأنهيار المُتعب .
- أستقامت بجسد غير مُتزن تجر خطاويها برا الغرفة والدمع مشوش عليها الرؤية .. أصدمت بالحائط العريض بدون ما تنتبهه شهقت شهقة باكية من بين شهقاتها الكثيفة عندما رفعت نظراتها للشخص الواقف أمامها بطولة الفارع وجسدة الصلب التي أعتبرته حائط !
- لم يتحرك خطوةٍ واحدة عانقت عيونه عيونها الدامعة ونظراتها الذابلة كانت برهان قاطع ليجزم أن هالوتيّن بكت اليوم بُكاء لو وزع على مرضى المُستشفى جميعًا سيكفيهم .. يالله ماذا يوجد خلف تلك الأعيُن الدامعة ؟ ماذا يوجد خلف هذهِ النظرات المتألمة ؟ بعد كُل هذهِ الدموع هل ينمو على خديّها الورد ؟ ام أن وجهها صحراء ضامية يطلب المزيد والمزيد من الماء ؟
- رجعت للخلف خطوة مُتعبة حيل ورفعت أصابع كفوفها تعدل من نقابها المُبتل بفعل الدموع .. ثم تجاوزته بتعب العالمين متوجهه نحو الدرج لتنحني بجسدها الهزيل على أول درجة وتستقر أجزائُها فوق أرضية الرخام البارد ورأسها يستند على السُلم بتثاقل شديد وتُتمتم بكلمات خافتة : أتثاقل الخطوة كأن الأرض ما تتحمل أقدامي
تسيرني مقاديري على القسوة مع أنيّ ما قسيت إلاّ على أحلامي
عسى هذا الحُزن يا خاطري نزوة ، عسى هذا الألم ما يكسر ضلوعي
عسى مابينيّ وبين الفرح فجوة ، عسى ما ينتهي صبري وأنا ضامي .
- تنهد من أعماق أعماقة وذبذبات صوتها الخافت توصل لمسامعة ، بلع ريقة بغصة مريرّة ، كلامها عاث بدواخله ونشر الحُزن فية بمساحه أكبر ، اذا هو الرجل الصلب التي عانى كُل هالأقدار والأحزان ويحس نفسه أنسان باهت تسربت الحياة من جميع أطرافة ، أجل هالأُنثى الرقيّقة كيف حاسة ؟؟؟
__
__
- طلعت من دورة المياة وركضت بكُل قوتها بعد ما أنتبهت لبنت أُختها المُنهارة .. جلست بالقرب مِنها وحضنتها بشدة وهي تقول بوجع : " لو ظروفك شقى بشقى ملاذّ معك لين نفرح سوى " لا تبكين يابعد كُل العيون والقلوب والله لو بيدي لأسخر لك الدُنيا وما فيها وتعيشين عُمرك من الآلآم ماتدري ، وأشيل حمل الليّالي عنك وأخفيها من عيني لكتفي ومن كتفي لصدري .
__
__
__
__
- مرت الساعات بدون أحداث تُذكر لين أعلن عقرب الساعة حلول الساعة الثالثة مُنتصف الليل .
- النوم جافى أهدابها كُل ما أطبقت جفنيها تزورها فكرة قلقّ او ذكريات ماضية تنتزع الراحة من جوف صدرها .. حررت السرير من جسدها بهدوء وخطت خطاويها برا غرفتها تمنت أنها الحين بين جدران السطح وتفرغ كُل قلقها بالنظر إلى السماء وتستكين من المنظر المُهيب والمُريح في أنٍ واحد .. رحبت بالفكرة بخوف بسيط ، ثم قررت بتنفيذها علمًا بأن الوقت مُتأخر جدًا ويمديها تأخذ راحتها دون تطفل اي كائن بشري .
- أرتدت ثوب الصلاة الأزرق ليغطي بجامتها ويحميها من هبوب الرياح ولو بالشيء البسيط ، وقفت بتردد ولكن سرعان ما تحول هالتردد لأبتسامة عريضه عازمه على تلبية رغبتها في هذه اللحظة .. خطت خطاوي هادئة برا الشقه تصعد بخطوات حريصه دون اصدار صوت حتى وصلت للسطح ، تنفست الصعداء وبؤبؤ عينيها يتفحص الباب المُغلق فتحته بهدوء ثم أستقرت أصابعها على الأضواء وأشعلت جزء خافت منها ، زفرت تنهيداتها براحه عميقه ونسمات الهواء العذب تضرب بوجنتيها الناعمه .. رفعت رأسها للسماء بحُب كثيف تتشربه جميع ملامحها ، تمتمت بصوت مُنخفض : لـهُنا تنتمي غيّم ، للرحابة هذهِ وللون الأزرق التي يُسيطر عليها ، هُنا يطير قلبّي هُنا تتلاشى أحزاني هُنا تتسع أبتسامتي وينشرح صدري .. أنا من عائلة الأرض آه كم أودّ أن أكون من عائلة السماء إيضًا .
- أشتد البرد القارص وتلحفتهُ سماء إبها ، حضنت نفسها وهي تُغلف أجزائها بكفوفها الباردة وأطلقت تنهيدة عميقة أستنشقت بِها عذوبة هاللحظة .. وأسترسلت بخيالها ماذا لو كانت تستطيع السفر في رحلة بين الغيوم ؟ أن تبقى أياماً هُناك وتستلقي على غيمة وتُحدِق في السماء ، ألن يكون الأمر مشوِقاً بُعض الشيء ؟
- رقتها لم تعد تتحمل برودة الجو .. تحركت من مكانها بخطوات مُرتجفه لشدة تأثير الهواء عليها .. وقبل خروجها من عتبة الباب تسللت إلى سمعها " عطسة " من الجهة الشمالية للسطح .. علت الدهشة ملامِحها عندما تعانقت نظراتهم :
أنا لا أقول لهُ السماء اليوم صافية وأكثر زرقة
هو لا يقول لي السماء اليوم صافية
هو المرئي والرائي .. أنا المرئي والرائي
أحرك رجلي اليُمنى .. يُحرك رجلة اليُسرى
أفكر : هل هو المرآة التي أُبصر فيها نفسي ؟
ثم أنظر نحو عينية .. هو خائف وأنا كذلك !
- مُستحيل يكون متواجد هِنا بهاللحظة وبهالتوقيت بذات !! ولكنها لا تعلم علاقتة الوطيّدة مع هذا المكان ، لاتعلم كم مرة راقبها لساعات طويلة وهي تراقب السماء ، كم مرة تنفسوا ذات الهواء ، وكم مرة الجمتهُ كلماتها وأُمنياتها الرقيّقة جاهلة تمامًا مُشاركتة لها في جميع الأماني .. ولكن أن كانت تتواجد أمام باب السطح مُباشرةٍ ولن يتمكن أحد من الدخول إلاّ اذا ازاحت جسدها وسمحت لهُ بالعبور ، أجل كيف يتواجد هتان هُنا معها دون أن تشعر بدخولة !!!
- وجهها المكشوف وتواجدها مع هذا الشخص دون أي رابط علاقة يجمعهم بالحلال جعلتها تشهق شهقه عالية تاركة المكان بخطواتٍ هاربة .
- لم يعُد يُريدها هاربة ! لن يتحمل كُل هذا الهرب مِنها ، يُريد أن يتواجد معها هُنا وتحتويهم جدران هالسطح ولكن بعلمها التام ورضاها .. ولأنه لا توجد سوى طريقةٍ واحدة لهالأُمنية سيسعى جاهدٍا في سبيل تحقيقها .
__
__
__
__
- الساعه ٩ الصباح :
- الحوسة اللي حولينها مو طبيعية ، كأسات عديدة من القهوه .. ألوان كثيفة مدموجه ببعضها البعض .. أوراق تجريبية ، مناديل مرمية بأهمال ، وترتشف من كأس القهوة رشفة ثم تتمايل بريشتها وتلطخ لون البياض بالألوان المُبهجة لتنتهي من لوحتها الجديدة التي كُتب فيها بخط بارز وعريض وبقمة الحرفية [ الفنّ يواسي من كسرتهم الحياة ] وتدون لقبها الرقيّق في نهاية اللوحه _ رُسمت بحُب ، ريشة رواقّ _ ، لتتركها تجف وتبتسم بدفئ بعد أن مضت ليلتها بين جدران هذهِ الغرفة ، زفرت تنهيدتها براحه عظيمة أستقرت بين ثنايا صدرها رُغم التعب الكثيف اللذي نال منها في هذهِ الليلة .. تململت بخفوت وهي تنهض من مكانها لتذهب لغسل يديها المُلطخه بالألون .
__
__
__
__
- على طاولة الفطور :
- تكلم بصوتة الواهن ليجعل كُل الأفواة تنهدش من كلماته : وعد سافرت .
- رُغم علمة التام بقساوة هالأنسانة وجروحها الكثيفة التي خلفتها بين أفراد هذه الأسرة ، إلاّ أنها بتظل " أم هتان " الأنسانة اللي قلبه مايقوى على كسرها ، صح أنه الوحيد التي ما لحقة لا خيرها ولا شرها لاحنانها ولاقسوتها بس مافي حقيقة في هالكون قادره تغير أن هذهِ الآدمية أمه .. كان يكفية أنها موجودة يكفيه حسها بالبيت ولو أنها بالفتره الأخيرة غابت عنهم كثيرررر وأغلب وقتها تقضيه بغرفتها بس أهون من ان حسها يغيب للأبد وتتركهم بهالطريقة المُفاجئة وبهالأسلوب القاسي أقل شيء كانت توادعه ولو بكلمه لكنها أختارت تترك قلبة ضامي .. تنحنح وهو يبلع غصته بمرارّة ونطق بكلمة ودّه أن الجواب يطمنه ولو بالشيء القليل : وين سافرت ؟!
- أرتشف رائد قطرات بسيطه من الماء ليبلل حنجرته قبل أن يطلق عليهم الصدمة الثانية : تطلقنا !!
- جحضت عينان هتان بعدم تصديق وقال : تكفى يبة وش هالكلام ؟ تمزح معانا ؟
- تكلم بجمود واضح في نبرة صوته ليأكد لهم صحة الخبر : أنا ووعد بيننا أشياء حيل موجعه ٢٦ سنه ماكانت كفيله بحل هذا النزاع او التخفيف من هذا الوجع ، مواضيع حيل كبيرة وحيل موجعه لو حكيتها على مسامعكم بتعطونا كامل الحق بقرار الأنفصال ولو ان هالقرار يُخصنا شخصيًا ولكن من واجبي أعلمكم عن الأسباب ولا عندي نية أخفيها أكثر من كذا ، الأنفصال الحل الأنسب للطرفين أمكم أتخذت قرار هالأبتعاد وطلبت مني أوصل لكم أعتذارها لأنها مو قادرة توادعكم .
- يعني زود عن كُل هالأوجاع أضافت وجع أخر ! قررت تنسحب بكُل هالسهولة ؟ هذي طريقتها بالأعتذار ؟ هذا أسفها اللي تبغاهم يقبلوة عن طريق والدهم ؟ لية مو قادرة تحتضن أخطائها وتكفر عنها ؟ لية كُل ما ضاقت ظروفهم تهرب ؟ لية لهالدرجه مو قادره تتحمل مسؤولياتها تجاههم ؟ ليه كُل ما غفروا لها جرحتهم بطريقة أقوى ؟ لهالدرجة هالأنسانه مُستغنيه عنهم ؟ لهالدرجه مايهمونها !!
- دموعها نزلت بصمت تام ، كانت تستمع لحوار أبوها وأخوها بألم شديد .. صح أن علاقتها مع أُمها يمكن تُصنف ضمن أسوء علاقة في تأريخ البشرية ، ولكن ما آن الآوان تضمد هالجراح ؟ ما آن الأوان تكفر عن هالذنوب ؟ ما آن الآوان تطبطب على روحها وتواسيها ولو بكلمات بسيطه ؟ ٢٣ سنة تركتها بدون أُم رُغم وجودها حولها ، والحين بتتركها تعيش اليُتم رُغم أن أنفاسها تعانق رحاب هالأرض ؟ لية يا أُم وتيّن لية تركتيني وحيدة زود عن وحدتي ؟ أعتذار أُمها كان باهت جدًا ، وهالوتيّن على علمٍ تام بأن [ الأعتذار الذي لا يليق بحجم الجُرح ، جُرحٌ آخر ] !!
- "تعبت من تأدية دور الجدار ، تُريد الأتكاء" ! هذا شعورها الحرفي بهالوهلة من الزمن ، أُختها التي تعُدها جميع عائلتها رغم فارق العُمر الكبير بينهم إلاّ أن هالشيء مو قادر يزعزع ثبات هالعلاقة ، في الماضي حكمت الظروف لتجعلها تعيش في هالبيت ومع أفراد عائلة تربطها بهم علاقة طفيفة جدًا وبعيدة كُل البُعد عن المسكن والمأوى الحقيقي التي المفروض تتواجد به وتعيش فيه ، عزّت عليها نفسها ككككثييير ولهذا السبب قررت تتحمل مسؤولية نفسها وتخلص جامعتها وتشتغل ، ما عُمرها مرة أشتكت من شيء ولا بكت كانت كفها هي التي تطبطب على كُل من حولها وحُضنها يتسع للجميع ، ولكن ما تتذكر أن في واحد منهم حضنها او طبطب عليها ، كانت "الملاذّ الآمن" للكُل من دون أستثناء بس مين ملاذّها ؟ والحين بعد كُل هالسنين التي مضت تركتها أُختها عارية تمامًا من أي رابط أُسري ضاربه بالعلاقة التي تجمعهم عرض الحائط ، يعني المفروض الحين تشعر بأنها " دخيلة " على عائلة غير عائلتها ، وبأن تواجدها هُنا قطعة أثاث زائدة لا تغني ولا تُسمن جوع !
لية مو قادرة تبكي ؟ لية مو قادره تهز هالطاولة وترمي كُل شيء عليها ؟ لية هالجمودّ يتلبس شخصيتها بكُل هالكثافة ؟ لية هالملاذّ عاشت طفولتها وصباها دون أن تحضى بحُضن واحد تلوذّ به عن أنظار الجميع !!
- ما خُفي عن أنظارة أنهيار كُل هالقلوب الجالسة قدامة ، ولا هو بهين عليه يشوف الألم يصهر شخصياتهم بهالطريقة القاسية ، وهو أشد العارفين برقتّهم وبحجم المُعانآه التي تربعت في دواخل كُل فرد فيهم ، ولكنه رسول ووجب عليه أن يفرغ كُل ما بجعبته مرة واحدة ليكسر الصمت الموجع بصدمة ثالثة عجزت عقولهم عن أستيعابها : بكرة المغرب رايحين بيت عمكم .
- ناظروا فيه بدهشه وبنظرات حارقة مُتسائلة مُستنكره لكُل هالأحداث التي ما رأفت بقلوبهم .. بيت عمهم !! لية من متى هالرائد معاه أخ ؟ ومن متى تربطهم علاقة معاه ؟ وينه كُل هالسنين ؟ ولية لأن وعد أختفت ظهر هالعمّ العجيب !! .
- أنتهى البارت الـ٥ ، قراءة مُمتعه للجميع .