الألم كلمة من ثلاث حروف تبدو سهلة على الأذن خفيفة على اللسان شديدة على القلب و الوجدان وقعها على النفس لا يمكن وصفه بالكلام, ثلاث حروف ابجدية تختصر ضمنها عوالم موحشة لا يتمنى أحد سكنها. الألم هذا الشعور الدائم الحضور المتغلغل في أعماقنا و الكامن في خبايا عقولنا, هذا الشعور الذي يتغذى من أرواحنا المحطمة لسبب او لآخر, مغيرا ما كنا عليه قبل أن نصادفه , فنحن نولد من الألم و نموت من خلاله الفرق يكمن في درجات الألم- إن صح التعبير- فالحقيقة أن الألم لا يمكن قياسه مع أن وجود مقياس له كمقياس ريختر للهزات الأرضية كان ليساعدنا كثيرا في حياتنا. فمعرفة حجم الكارثة يسهل علينا مواجهتها لكن مع الأسف لا يمكن لأحد منا أن يحس بما يكابده أي شخص سواه مهما كان مقربا منه فأنت وحدك من يمكن أن ترى او تحس أحدهم يمسك قلبك بيده و يعتصر اخر قطرة دم فيه, لكن لا شيء مما تقاسيه باد للعيان لا أثر و لا جروح تظهر عليك من الخارج.
اليوم بالذات لا أظن أن أحدا في العالم يمكن أن يفهم أو يعرف حقا ما تحس به, إلا من جرب مصيبتها هي التي مرت بالكثير خلال سنواتها الأربعين على هذه الأرض و لكن لا شيء يضاهي ما ألم بها اليوم.
تعابير وجهها الجامدة ,عيناها الفارغتين من كل نظرة أو احساس, هدوؤها الغريب في وقت كهذا كانت كلها دلائل على عدم اتزنها ,على قربها من الانهيار و على البركان الذي يتكون بداخلها.
عادت بها الذاكرة فجأة دون إرادة منها إلى أولى فجائعها في الحياة يوم وفاة والدها , كانت يومها طفلة لا تتجاوز السابعة من عمرها تقطع أميالا لتصل المدرسة التي لولا إصرار أمها ما كانت لتدخلها لسوء أحوال والدها المادية و مرضه العضال الذي أقعده منذ ثلاث سنوات. لكن والدتها قررت أن تضحي من أجلهما بعملها خادمة في بيوت الآخرين,يومها عادت إلى المنزل مبتلة تماما لكثرة المطر خارجا كان يوما باردا من أيام شهر ديسمبر لكنها شعرت ببرودة زائدة يومها و برعشة تسري في كامل بدنها و كأن جسمها كان ينذرها مسبقا بما سيلاقيها. حقيقة الدفء ينبع من داخلنا دوما لا من ما نتدفأ به , الدفء الذي ينتج عن احاسيسنا لا عن حرق جسمنا للطاقة وهي رغم فقرها كانت تملك قلبا دافئا مليئا بعائلتها الصغيرة و آمالها الكبيرة و لكن يومها فقدت شيئا من هذا الدفء بفقدها لوالدها الذي طالما كان لها سندا رغم عجزه, وجوده في زاوية المنزل و نظرته المليئة بالحنان كانا كافيان لمواساتها و بعث السرور في نفسها لكنها فقدته ,و معه فقدت احساسها بالأمن و الانتماء. قطع حبل ذكرياتها صوت هزيل لا يسمع جيدا من كثرة ضعفه كانت والدتها تسألها إذا ما كانت تريد أن ترتاح قليلا بعد هذا اليوم المتعب الذي استنزف منها ما لم تستهلك سنوات طوال من المعاناة فمع بداية هذا اليوم كانت في الأربعين لكنها الآن في الستين أو أكثر من العمر. هكذا هي الدنيا هناك أيام تختزل عقودا من عمر الإنسان أيام ندخلها أطفالا و نخرج منها ناضجين أو ندخلها بشرا لنا أرواح و نخرج منها جثثا هامدة لا روح فيها, دائما هناك تلك اللحظة الفارقة التي لن نعود بعدها أبدا ما كنا عليه اللحظة التي تقسم الحياة نصفين كالتاريخ الميلادي فهناك ما قبلها و ما بعدها اللحظة التي لا تمحى من الذاكرة أبدا مهما حاولنا أن ندفنها بين بقايا العمر المبعثرة هنا و هناك التي نسميها ذكريات.
أنت تقرأ
rewind
Mystery / Thrillerهذه القصة واحدة من ملايين القصص اتي تحدث كل يوم في جميع أنحاء العالم بطلها الفقد و الألم قصة تحكي فاجعة أم في ولدها الوحيد و رحلتها نحو التقبل و التعايش مع هذا الألم . رحلة مليئة بالمغامرة و الأحداث الغير متوقعة كما أنها رحلة بين ذكريات الماضي و بق...