"كل شقاء الإنسانية أنها لا تستطيع أن تترك شيئا عظيما، ذا قداسة، بغير أن تلبسه ثيابا مبتذلة مضحكة من حمقها وزيفها وغرورها"
توفيق الحكيم
بينما كانت تدخل المخيم و تراه كواقع لا كصورة على شاشة التلفزيون او صفحات الجرائد فكرت " الإنسانية" يا لها من كلمة كبيرة رنانة فضفاضة , نحن نسمع هذه الكلمة منذ الطفولة فنتأثر و تتحرك مشاعرنا و لكن لو امعنا التفكير قليلا ما المقصود فعلا بالإنسانية؟ أهي الفطرة التي جبل عليها الإنسان؟ أو المظهر الذي يحاول الظهور به ليخفي ما يدور في نفسه فعلا من نزاعات و صراعات و نزوات و شهوات ؟ في اغلب الاحيان نربط فكرة الإنسانية بفعل الخير و البذل من اجل الآخرين ولكن هل هذا فعلا ما تعبر عنه ام ان هذا المفهوم هو ما ترسخ في أذهاننا مع مرور الوقت, اذ اننا في الغالب لا نتوقف عند الفكرة ونتعمق فيها بل نتقبلها كما هي بسرعة و نمر, هذا أصبح نمط حياة معظمنا في هذا الزمن المحموم الذي يتزاحم كل شيء فيه فلا يترك لنا مجالا لنحلل او نفكر حيث يكتفي الدماغ بمئات القرارات الصغيرة -كل يوم- التي تأخذ منا كل الطاقة و تقتل فينا الرغبة في التفكير المعمق المجدي, لكن بالنسبة لي اظن أن الانسانية هي الصراع القائم دائما و أبدا بين الخير والشر الكامنان في النفس البشرية وانتصار الخير في معظم الاحيان. هي ايضا تحكيم الضمير في كل ما فعلت و تود ان تفعل, هي أن تضع نفسك مكان من يعاني و تحاول ان تفهم ما يمر به ,و هي أخيرا أن لا تقبل بالظلم سواء وقع عليك أو على غيرك. هذا مفهومي المبسط للإنسانية قد يوافقني البعض و قد يختلفون معي لكن على كل منا ان يجتهد ليجد مفهومه الخاص على الأقل.مرت بالخيام واحدة واحدة و هي تراقب ساكنيها باهتمام رغم انها رأت مآسي كثيرة خلال حياتها المهنية لكن هذه المرة مختلفة ثمة شيء يشدها لهؤلاء المنكوبين انها تحس برابط خفي يجمعها معهم اتراها الفاجعة او الرغبة في مواصلة الحياة بعد كل ما حدث؟ أم أنه العدو المشترك بينهم فجأة شد نظرها طفل صغير يجلس في الزاوية مطأطأ الراس يخفي وجهه بين ذراعيه ولا يبدو واعيا لما يحدث حوله , أرادت أن تقترب منه لكن امرأة واقفة بجوارها من سكان المخيم حذرتها من انه قد يهاجمها فهو يعض و يركل كل من يقترب منه كان لا يتعدى العشر سنوات لكن له هالة محيطة به تشي بان له حكاية مختلفة عن الآخرين.واصلت طريقها يسبقها الناشطان الاجتماعيان اللذان ساعداها على أخذ تصريح الدخول و بجانبها صديقتها التي عثرت على هذا المصدر المهم و المتمثل في فتاة سورية كانت متزوجة من احد اهم رجال تنظيم داعش و استطاعت النجاة بأعجوبة بعد هجوم الجيش على مقر التنظيم ,هاته المرأة قد تحمل مفتاح اللغز او على الأقل أول الأدلة لحله.وصلوا الى الخيمة المطلوبة ووقفوا على عتبتها بينما نادى حد المرافقين:
- اماني... اماني....
فكرت بينها وبين نفسها أن يكون اسمها اماني يالسخرية القدر فهته المرأة إن كان باستطاعتنا أن نطلق عليها هذه التسمية فهي لا تتعدى التاسعة عشر من عمرها, لا تملك فرصة في حياتها بعد اليوم حتى أن تحقق امنية واحدة من ما تحلم به , فما بالك بأماني عدة وهناك من يقول بأن لنا من اسمائنا نصيب فأين نصيب هاته المسكينة من الاسم العذب الذي تحمله.
أنت تقرأ
rewind
Misteri / Thrillerهذه القصة واحدة من ملايين القصص اتي تحدث كل يوم في جميع أنحاء العالم بطلها الفقد و الألم قصة تحكي فاجعة أم في ولدها الوحيد و رحلتها نحو التقبل و التعايش مع هذا الألم . رحلة مليئة بالمغامرة و الأحداث الغير متوقعة كما أنها رحلة بين ذكريات الماضي و بق...