"الصداقة بين رجل وامرأة صعبة جداً. لأن الصداقة معناها أن يرتفع الإنسان بشعوره فوق كل ما يثير ويمتع ويوجع أيضاً. فوق اللمس. فوق الهمس. فوق المنفعة. يرتفع الإنسان فوق الإحساس ، ولكن لا ينكره"
أنيس منصور
وجدت الرقم لكنها ترددت قبل أن تطلبه فالقضية هذه المرة خطرة و قد تكون سببا في تهديد حياته, لذا لم يكن من السهل عليها طلب هذه الخدمة لانها تعرف جيدا أنه لن يرد لها طلبا و بعد صراع طويل مع نفسها قررت أن تطلبه, على أن يلتقيا و تشرح له المخاطر التي تحيط بما تريده منه و تترك له القرار فيما اذا كان يريد المشاركة أو الانسحاب فهو أملها الوحيد, و لم يكن بإمكانها التراجع بعد الآن فالطريق الذي بدأته لن ينتهي بالنسبة لها إلا بالعثور على المجرم الذي دمر حياتها.
لقاؤهما كان بعد طول غياب لذا كانت هناك الكثير من المحادثات الطويلة حول حياة كل منهما و أخباره و من كلامهما استنتجت أنه لم يعرف شيئا عن مأساتها, و هو ما جعلها تتوتر قليلا كونه لابد عليها أن تحكي له القصة بنفسها و هو ما كان يؤلمها كل مرة فهي لم تكن جاهزة أن تنطق تلك الكلمات و لا أن تسترجع الحوادث في ذاكرتها, و مع هذا لا مفر من سرد الحكاية كاملة ليفهم دوافعها وراء ما تطلبه منه فهو ليس بالشيء الهين ولا البسيط و هو ما كان بالفعل فقد فتحت له قلبها و سكبت بين يديه كل ما احتفظت به بينها و بين نفسها خلال الأشهر الماضية من أفكار و مشاعر. كما انتحبت طويلا على كتفه فقد كان بمثابة الصديق الذي لم تحصل عليه يوما في طفولتها صحيح علاقتهما لم تعد كما كانت بعد أن انتقل إلى نيس لكن الرابط بينهما لم يضعف أبدا رؤيته حركت داخلها رغبة البوح و الإفصاح عن كل مكنونات قلبها, فلكل منا انسان وجوده وحده يكفي ليحرك داخلنا شعور الطمأنينة و الأمان قد يكون أبا أو أخا أو حتى شخصا لا تربطنا به صلة قرابة لكنه أقرب من الجميع.
أكملت حديثها و نحيبها ثم لملمت شتات نفسها و نظرت نحوه بعينين بهما خليط من الترجي و الامل منتظرة ردة فعله أو بالأحرى إجابته, و ما أن التقت أعينهما حتى عرفت أنه معها في هذه الطريق الوعرة فملامحه تنم عن ألم عميق لكأنه هو المصاب, نظرة الشفقة و الأسى في عينيه تجعلها شبه متأكدة أنه لن يتركها وحدها تخوض هذه الحرب الذي لا يعلم أي منهما إلى أين قد تؤدي به وحده الله يعلم نهاية هذه المغامرة التي هما مقبلان عليها. فاحتمالات أن يتم كشفهما عالية لأن الشبكات الارهابية أيضا تجند دوما خيرة المبرمجين و خبراء المعلوماتية و قد يتم الإمساك بهما بالجرم المشهود و مع هذا هما مستعدان تماما للمواجهة فغايتهما أكبر بكثير من خوفهما.
التحقيق هذه المرة أخذ فترة أطول من المعهود لكن خبرة مروان و موهبته جعلتاه يحصل على ما أراد, فبعد أسبوع كان رقمه يزين شاشة هاتفها و صوته يزف لها البشرى السعيدة لقد استطاع أخيرا الوصول إلى العنوان الذي يتصل بخادم الأنترنت و عنوان IP الذي استخدمه صاحب البريد الالكتروني المذكور, فرحتها بهذا الخبر كانت عارمة و ردة فعلها كانت أن صرخت بأعلى صوتها و حضنت والدتها التي كانت بجانبها حضنا قويا كادت أن تعتصرها خلاله حضن لم تحض به منذ مدة طويلة, يقولون أن الحضن يغير طاقة الانسان نحو الايجابية و هو ما كانت تحتاجه في تلك اللحظة, و بعد انتهاء فورتها تذكرت الشخص الموجود على الجهة الأخرى للخط و رفعت الهاتف لتتفق معه على موعد للقاء و يا حبذا لو كان الآن حالا.
الربع ساعة التي انتظرت فيها صديقها بدت لها دهرا, و ما أن رأته حتى وقفت تستقبله و تسلم عليه بحماس زائد بدا واضحا من خلال تعابير وجهها و لغة جسدها الذي لم يستطع السكون و لا التزام الكرسي الذي تجلس عليه, كانت كطفل صغير يوم عيد ميلاده ينتظر هداياه بفارغ الصبر و ليس بيده إلا الركض من مكان إلى آخر.
العنوان كان لشقة في بلجيكا و بالتحديد بمدينة كومين الحدودية بين فرنسا و بلجيكا و هي مدينة مقسمة إلى نصفين نصف فرنسي و نصف بلجيكي ,هذه المعلومة قد تبدو صغيرة لكنها حقيقة نقطة تحول في هذه القضية فأخيرا هناك شيء ملموس و موجود على أرض الواقع يمكن زيارته و التحقق منه, كما أنه خطوة كبيرة نحو اكتشاف و لو فرد واحد من هؤلاء المجرمين.
عزمت بينها و بين نفسها على الانطلاق في رحلتها غدا صباحا مع طلوع الفجر فهي لم تعد تطيق صبرا كما أنها لن تنام على كل حال هذه الليلة و من قد ينام وبيده مفتاح خزنة أسرار يتحرق شوقا لكشفها و سبر أغوارها؟ و هو ما كان فعلا فمع الخيط الأول للضوء كانت داخل سيارتها مستعدة للانطلاق وحدها أمها كانت في وداعها مع وابل من الدعوات بالسلامة و العودة غانمة.
الطريق بدت طويلة و مملة أكثر من الحقيقة رغم أنها كانت تضع خططا و تصورات طوال الرحلة لما يمكنها فعله عند الوصول, لكن لهفتها للوصول للهدف كانت أكبر من أي شيء آخر و مع دخولها وضعت أمتعتها بالفندق و أخذت حماما سريعا ثم لم تلبث أن وجدت نفسها في الشارع تتبع تطبيق تحديد المواقع لتصل لهدفها بعد حوالي النصف ساعة من البحث, كان الهدف عبارة عن عمارة بدت مهترئة و متواضعة و هو ما يناسب الامكانيات المادية للشخص المطلوب, كما أنها المكان الأفضل لعدم لفت الانتباه فمعظم السكان هنا قد يكونون مهاجرين غير شرعيين أو من الطبقة الفقيرة التي لا يهمها شيء غير قوت يومها.
أنت تقرأ
rewind
Misterio / Suspensoهذه القصة واحدة من ملايين القصص اتي تحدث كل يوم في جميع أنحاء العالم بطلها الفقد و الألم قصة تحكي فاجعة أم في ولدها الوحيد و رحلتها نحو التقبل و التعايش مع هذا الألم . رحلة مليئة بالمغامرة و الأحداث الغير متوقعة كما أنها رحلة بين ذكريات الماضي و بق...