الإكتشاف الموعود

3 0 0
                                    

"الذي لا يتوقف عن البحث عن شيء، يجده"

يامن النوباني

وقفت لحظات تتأمل البناء من الخارج تحاول أن تستجمع شتات نفسها و أفكارها حول كيفية مواجهة هذا الشخص لو وجدته بما ستعلل بحثها عنه, و قدومها كل هذه المسافة لمقابلته كما أنها خائفة من أن يكون عنيفا لذا قررت أن تسأل المحيطين به أولا من جيران و مدير المبنى ان كان موجودا علها تخرج بخطة لمواجهته تتناسب مع ما يعرفه عنه هؤلاء, لكن خيبتها كانت أكبر من أن توصف بعد أن عرفت من السيدة التي تسكن قبالة الشقة المطلوبة أنها خاوية منذ شهور و أن الشاب الذي كان يسكنها قد غادر منذ حوالي الأربعة أشهر.

وجدت نفسها تسير في الشوارع على غير هدى فهي قد حضرت نفسها لجميع السيناريوهات ما عدا أن يكون الشخص قد غادر بالفعل لم تكن قد فكرت في هذا الاحتمال, لهذا كانت صدمتها كبيرة و لم تعد تعرف كيف تتصرف وجدت نفسها تجلس على كرسي خارج احدى المقاهي الصغيرة المنتشرة في البلدة و هي تفكر أنها ربما وصلت لنهاية رحلتها مع هذا الطريق المسدود.

اليأس لم يكن يوما صديقها و لم تكن تريد التعرف عليه بعد لذا و بعد حوالي الساعة من التخبط في حيرتها خرجت بخطة جديدة و هي استئجار الشقة بما أنها فارغة و الأثاث نفسه لم يتغير كما أن إمكانية كونها قد نظفت بعد مغادرته ضئيلة, لذا ربما وجدت شيئا قد خلفه الهدف وراءه يدلها على هويته أو وجهته التي قصدها, و مع هذا القرار نهضت و عادت أدراجها نحو الفندق لتأخذ قسطا من الراحة فحماسها لم يدعها تنم لمدة يومين أما الآن وهي تعلم أنها مازلت بعيدة عن هدفها فهي تحتاج للراحة و تجميع قواها للمعركة القادمة.

صباحا عادت للمبنى المتهلهل بلونه الاخضر الباهت و نوافذه المتهرئة, كانت هناك روائح غريبة كثيرة تنبعث منه لعل أبرزها رائحة العفن و السجائر و رغم اشمئزازها من فكرة بقائها هنا لوحدها إلا أنها رمت كل مخاوفها وراءها. و ولجت الباب الخارجي و هي تحاول جاهدة أن لا تتقيأ فالتوتر مجموع مع الروائح المنبعثة من المكان شكلا عبء كبيرا على معدتها وجدت نفسها تشد بشدة على سوارها الجالب للحظ أو هذا ما كانت تعتقده, السوار الذي أعطتها اياه أمها يوم مغادرتها المنزل لأول مرة للالتحاق بالجامعة و الذي يحمل ذكرى صغيرة من والدها عبارة عن قطع فضية صغير نقشها بنفسه أيام كان بكامل صحته و أهداها لأمها, لأنه لم يكن يملك أن يقدم لها غير حبه و اهتمامه .شعورها بحضور والديها جعلها تهدأ قليلا و تواصل خطواتها بثبات ناحية شقة المسؤول عن المبنى طرقت الباب بكل هدوء محاولة أن لا تثير أي شبهات كما حاولت أن لا تترك أي انطباع عنده, كي لا يتذكرها بعد مغادرتها فهي غير واثقة من صلته بالتنظيم أو ما يستطيع فعله. استجمعت كل ما لديها من قدرات تمثيلية لتبدو يائسة عله لا يطيل الأسئلة و يؤجرها الشقة بسرعة لكن جميع مخاوفها تبددت في دقائق فقد كان الأمر اسهل بكثير من ما توقعت فهو لم يسألها شيئا غير مقدم الإيجار, هو ما جعلها تستنتج أن لا علاقة له بالتنظيم كل ما في الأمر أنه شخص جشع يحاول الاستفادة من بؤس المهاجرين غير الشرعيين. أخذت المفتاح و توجهت نحو الباب المقصود لكنها توقفت و اخذت نفسا عميقا قبل دخولها و دعت بكل ذرة ايمان في قلبها أن لا تخرج من هناك خائبة فهي لم تعد تتحمل خيبة أخرى. قواها بدأت تخور و ما عادت تتحمل الضغط الذي ترزخ تحته. أدارت المفتاح وولجت الباب لتجد نفسها غالبا في المكان الأكثر كآبة على وجه البسيطة, الجدران مدهونة بلون رمادي قاتم النوافذ مغطاة تماما بستائر سوداء لا ضوء يدخل المكان الأثاث عبارة عن طاولة و كرسي بالإضافة لمرتبة سرير مرمية على الأرض و بعض الأواني المبعثرة في المطبخ المفتوح على الغرفة المنظر جعلها تتساءل عن نوع الشخص الذي كان يعيش هنا كيف له أن يحيا في هكذا ظروف ,فرائحة المكان وحدها كفيلة بخنقك لقلة التهوية التي يعاني منها المكان وجدت نفسها لا اراديا تتجه للنافذة أولا لفتحها قبل التقدم و فعل أي شيء فأنفاسها بدأت تضيق و رأسها يدور من الروائح الفظيعة, لطالما كانت حساسة اتجاه الروائح أنفها كان يعمل بشكل مبالغ فيه و هي صفة تمنت كثيرا التخلص منها فهي تؤثر سلبا على نمط حياتها اليومية, حيث أنها لا تأكل في المطاعم التي تقدم طعاما عرقيا كما أنها تتجنب الحمامات العمومية قدر الامكان كما لا يمكنها التركيز اذا كان أي شخص في محيطها تنبعث منه رائحة قوية خاصة روائح العرق.

فتحت النافذة و أخذت نفسا عميقا من الهواء المنعش تجدد به هواء رئتيها و تهدأ نفسها في نفس الوقت, فهي مازالت قلقة متشوقة لما تحمله هذه الشقة الصغيرة من أسرار قد يكون تركها صاحبها وراءه, رؤيتها لبعض الكتب و الوثائق الموضوعة على الطاولة بالإضافة إلى بضع قطع من الملابس في الخزانة جعلتها تفكر بأن الساكن السابق قد غادر على عجلة و هو ما قد يخدمها فالعجلة عادة تجبر الانسان على ارتكاب الأخطاء, و هو ما سيكون في صالحها فكلما كان خطأه كبيرا كلما كان مكسبها كبيرا اقتربت من الطاولة و بدأت تقلب الوثائق لكنها كانت كلها بحوث علمية في مجال الكيمياء و الفيزياء, و هو ما لم تفهمه بداية لكنها استمرت في بحثها على كل حال لم تجد أي شيء مفيد بين الأوراق, فانتقلت إلى الكتب التي كانت بعدة لغات عربية فرنسية و إيطالية ما جعلها تستغرب هل كان هذا الشخص متعلما و مثقفا لهذه الدرجة؟ مما أحبط عزيمتها ظنا منها أن الشخص المنشود لم يكن آخر شخص أقام هنا لكنها مع ذلك أقنعت نفسها بأن الافتراضات و الأحكام المسبقة لن تساعدها, فهي عادة خاطئة فأي شخصا مهما كان واعيا او متعلما قد تزل قدمه و يسقط إلى الهاوية. واصلت بحثها لتعثر على قصاصة ورق صغيرة كتب عليها تاريخ و وقت معين كما كتب عليها اسم يبدو كمكان أو عنوان توسعت عيناها و لمعت في ذهنها فكرة لابد أنا معلومات رحلة جوية أو رحلة قطار أو حتى حافلة, وجدت نفسها تفتح الباب بسرعة البرق مغادرة المكان نحو غرفتها في الفندق حيث يتوفر الأنترنت لتكتشف ما يعنيه الاسم المكتوب أهو مطار أو محطة قطار,بينما كانت تحث الخطى ناحية فندقها بدأ عقلها يعمل للوصول إلى كيفية الاستفادة من اكتشافها و بعد تحليل عميق وجدت أنها بحاجة إلى معرفة المكان أولا ثم بعد ذلك ستضع استراتجية مناسبة, فهي حتى و إن عرفت معلومات الرحلة و نقطة انطلاقها سيكون الوصول إلى سجل المسافرين أصعب خطوة خاصة إذا كانت رحلة جوية فالمطارات عادة شديدة الحرص على الأمن و السرية.

جلست أمام حاسوبها المحمول و فتحته ضغطت زر التشغيل لكنها أحسته يأخذ دهرا ليعمل كانت تنقر عل الطاولة بأصابعها بغير صبر, الثواني تحولت إلى ساعات لو يعد لجسمها النحيل احتواء لهفتها و ترقبها كانت تهتز في مكانها دون أن تشعر بينما يمكن سماع ضربات قلبها على بعد أميال كدقات طبول الحرب بعد دقائق من العذاب اشتغل الجهاز أخيرا, و وجدت نفسها أمام المربع الصغير الذي يعدك بالإجابة عن كافة تساؤلاتك المربع الذي قد ينهي حيرتك أو يزيدك ضياعا عن ما كنت فيه كتبت العنوان الموجود بأصابع مرتجفة و نقرت زر البحث, بينما تقضم أظافرها توترا و بعد لحظات ظهرت الإجابة أخيرا كانت محطة قطار سريع يربط بين العديد من الدول الأوروبية لكن المحطة كانت في العاصمة بروكسل.

🎉 لقد انتهيت من قراءة rewind 🎉
rewindحيث تعيش القصص. اكتشف الآن