"وحدها الصدفة يمكن أن تكون ذات مغزى . فما يحدث بالضرورة , ما هو متوقع و يتكرر يوميا يبقى شيئا ابكم . وحدها الصدفة ناطقة"
ميلان كوندير
دخلت المخيم هذه المرة لوحدها دون مرافقة كانت جميع الأنظار متجهة نحوها الجميع متوجس من هذه الغريبة التي لا يبدو عليها الفقر و لا الحاجة, ترى لأي فئة تنتمي الحكومة اللبنانية أم منظمات حقوق الانسان او القنوات التلفزيونية التي لا تنفك تتذكرهم من حين لآخر في مناسبات معينة حقيقة هؤلاء الناس لا يثقون بأي من هاته الجهات .وحده الفضول يدفعهم للتساؤل فقد فقدوا تقريبا الأمل من ان يأتيهم الخلاص على يد اي من الغرباء, هم الآن لا يثقون إلا بأنفسهم و بالله الذي يعولون عليه ليفرج كربتهم وحدهم يعلمون عمق مصابهم, و وحدهم يواجهون هاته الظروف القاسية التي فرضت عليهم كل يوم صحيح هناك من يحاول مساعدتهم, و لكن المشكلة أكبر من ان يحلها طرف واحد الآن ثقتهم بالله وحده عله يرفع عنهم ما حل بهم.
بحثت كثيرا بين الخيام و لكنها لم تجد ضالتها فهي لم تتذكر جيدا الطريق التي سلكتها بالأمس كونها كانت شاردة الذهن, فكرت في أن تستعين بأحد المارة لكنها لم تعرف عمن تسأل و بينما هي في أخذ و رد داخل رأسها لمحت صغيرين يتعاركان بعيدا عنها ببضعة أمتار, ركضت نحوهما لا اراديا و حاولت التفريق بينهما في هذه اللحظة ادركت انها وجدت من كانت تبحث عنه انه هو ذلك الولد بعينيه اللوزتين تعلوهما نظرة التحدي ذاتها, بأنفه الحاد الذي يشق وجهه في شموخ و شفتيه المتشققتين من العوامل الجوية القاسية, فقد كان يرتدي قميصا صوفيا باليا وحيدا في هذا البرد القارص يستر به جسما هزيلا لا تقاسيم له تقريبا.
ما ان اقتربت منه حتى اتخذ وضعية دفاعية اتجاهها كان يبدو عليه عدم الارتياح في وجودها ربما لأنه لا يثق بالغرباء المتطفلين على بؤسه, أو ربما لم يحبها هي بصفة شخصية .تملص من يدها و حاول أن يركض بعيدا لكنها أمسكت به من جديد حاول عضها لكنها كانت فطنة فلم تكن أول مرة تتعامل فيها مع اطفال الأزمات كانت لها معهم تجارب كثيرة استنتجت من خلالها أن بينهم قاسم مشترك هو عدم الثقة بسهولة في أحد من خارج محيطهم, و احيانا حتى داخله فما مروا به لا يعلمه أحد غيرهم هاته النادبات التي تركتها الحرب و غيرها على ارواحهم لا يمكن ان يتخلصوا منها بسهولة فهي كالوشم على الجسم حتى و إن ازيل تبقى علاماته.
زمجر بغضب دعيني ماذا تريدين مني؟ كان يتخبط بين يديها كالطائر الجريح رغم ضعفه الجسدي إلا أن قوته كبيرة, ربما كان الغضب هو ما يحركه أحيانا العواطف هي ما يعطينا القوة لا العضلات خاصة عند ارتفاع مستوى الأدرينالين في الدم حيث يصبح الانسان قادرا على القيام بأشياء لم تخطر على باله.
همست له بحنان ظهر في صوتها فجأة دون وعي منها سأتركك الآن لكن لا تهرب فانا هنا للحديث لا غير صدقني لن اؤذيك ابدا, و تركت يده فلم يأتي بأي حركة كان واقفا يحدق بها باستغراب ربما كانت نبرة صوتها ما هدأته او أن الفضول هو ما جعله يهتم بكلام هاته الغريبة التي تقف أمامه ,منذ لقائهما الأول تكونت رابطة غريبة بينهما لم يدركاها بعد ربما كانت مشيئة القدر ان يجتمعا معا لهدف لا يعلمه احد بعد فالحكمة من أي شيء تظهر دائما آجلا.
سألته عن ما يريد فعله فلم تلقى اي جواب غير هز كتفيه في حركة لامبالاة فقررت ان تدعوه للأكل ربما كان جائعا و في نفس الوقت علها تنجح في التقرب منه. كان الغموض الذي يلفه يجذبها أكثر نحو معرفة قصته فلكل منا قصة و كان هاجسها استخراج هذه القصص من اعماق أصحابها, معرفة معاناة انسان تجعلك قريبا منه أكثر احيانا تجعل منه أخاك في الوجع فكم من انسان يمر بما تمره به انت دون ان يعلم أحدكما بوجود الاخر على وجه البسيطة .فجأة ادركت أنها تحس بالمسؤولية اتجاه هذا الولد كانت عيناه تذكرانها بطفل آخر متمرد تعرفه جيدا و تحبه أكثر من اي شيء في حياتها الآن فقط اكتشفت ان هذا الولد يذكرها بابنها وآآه كم كان هذا الاكتشاف صعبا عليها فهي لا تستطيع لحد الساعة مواجهة ما يذكرها به ,و جلوس هذا الولد قبالتها جعل الذكريات تحيا وحدها دون إذن منها و فرت دمعة من عينها غصبا عنها لم تعد تستطيع تمالك نفسها و مع أنها في مكان عام إلا أنها وجدت نفسها تنتحب بأعلى صوتها لم يفهم الصغير الجالس قبالتها ما اصابها و باغتته الحيرة. نظر لها بعينين يملأهما التعاطف و نهض فجأة متوجها نحوها وبينما هي في غفلة وجدت ذراعاه الصغيرتين تلتفان حولها و تطوقانها بحنان كانت هذه اللحظة أجمل ما حدث لها منذ زمن, ربما منذ فاجعتها و لأول مرة تحس بمشاعر حقيقة نقية لا نفاق فيها و لا تملق منذ غادرت منزلها فعلى وجه الأرض لم يشعرها احد بهكذا إحساس غير والدتها و ابنها.
أنت تقرأ
rewind
Mystery / Thrillerهذه القصة واحدة من ملايين القصص اتي تحدث كل يوم في جميع أنحاء العالم بطلها الفقد و الألم قصة تحكي فاجعة أم في ولدها الوحيد و رحلتها نحو التقبل و التعايش مع هذا الألم . رحلة مليئة بالمغامرة و الأحداث الغير متوقعة كما أنها رحلة بين ذكريات الماضي و بق...