تسير بالطرقات عائدة لمنزلها بعد انتهائها من اقتناء بعض المشتريات لأمها ، عيناها العسلية ذات الرموش الكثيفة تنظران أرضا، وحجابها يغطي شعرها البني بخصلاته القصيرة الحريرية بتجعيد جذاب وفاتن، تسيير على مهل بخطوات خجولة ، ليس من عادتها أن تخرج من البيت للشراء، لكن غياب والدها في عمله ، وخروجه باستعجال دون أن يشتري للبيت ما يحتاجه، جعلها تخرج رغما عنها ....
أطلقت تنهيدة راحة بعد أن وصلت لشقتها الأرضية الصغيرة المتواضعة بحارة شعبية ، فتحت الباب ، منادية أمها :يما ي حاجة هناء جبت الك الأغراض .
ردت امها :تسلم ايدك ي ميرام ، يريح بالك يبنتي.
_مش هشتري ثاني يما انا مبحبش اشتري من البقالة حاجة ، انا طلعت بس عشان خاطر ابويا كان مستعجل ونتي محتاجة الأغراض
-ماشي ي ميرام ، هي صارت لخبطة اليوم عشان شغل ابوكي مش هتصير ثاني .
قطع حديثهم صوت طرقات على بابهم، فتحت ميرام الباب لتجد جارتهم المصرية عهد ذات الثلاثين عام مع ابنها الشقي وليد ، رحبت بها ميرام :اهلا اهلا ي عهد تفضلي
-ازيك ي ميرام يبت هناء جيت اشرب شاي من تحت اديكي الحلوة.
رحبت بها هناء :اقعدي ي عهد نورتينا والله ، بسرعة ي ميرام ركبي ع براد الشاي
_حاضر يما
قالت عهد:والله ومن غير حلفان انا مبيعجبنيش الشاي الا من تحت اديكم ، يستي الشاي الفلسطيني طعمه تحفه أوي .
-احلى كاسة شاي لعيونك جارة عهد
_حببتي ي حاجة هناء
اعدت ميرام الشاي ، وجلسوا ثلاثتهم بحب، لم تخلو الجلسة من الضحكات الرنانة، وشقاوة وليد ، جلسوا ما يقارب الساعتين ، يتحدثون بحب ومودة
قالت عهد:فاكرة ي ام ميرام اول مرة جيتم الحارة ، الكل كان مستغرب فلسطينيين يعيشوا بينا ، الكل كان عايز يتفرج عليكم ، عالفلسطينيين الي جم حارتنا .
-ياه لمن اجينا مصر من عشر سنين ، كنا مجبورين ، ع هوا الوضع بغزة ، ساعتها بعنا بيتنا هناك وسافرنا مصر وجينا ع العريش.
-عارفة يما انا وين بحلم اسكن بمصر ، نفسي اروح الصعيد كثثير كثيير .
-اسكتي يبت انتي مش عجباكي العريش
-لا ي عهد العريش حلوة كثير بس انا بحلم اشوف الصعيد اه والله بس مجرد حلم ياريت يصير حقيقة .
_ان شاءالله يختي ، طيب استأذن انا عشان اتأخرت ع البيت والواد وليد زهق ميرام بشقاوتو يلا سلام عليكم اشوفكم بخير .
-هينا قاعدين يبنتي خليكي
-لا ي حاجة هناء اتأخرت والله .
-مع السلامة ياحبيبتي
عدى اليوم بسرعة رهيبة دون عودة والد ميرام ، مما جعلهم يشعرون بالقلق فمن المفترض عودته قبل ساعتين من الان ، يطلبون رقمه، لكن لا اجابة، كانت الساعة التاسعة ليلا ، حين دق هاتف ام ميرام ، كان رقم زوجها محمد، ردت بلهفة:الو ي محمد وينك للحين؟!!
اتاها صوت غريب:هذا بيت الاستاذ محمد المنشاوي؟!!
ردت بقلق وخوف :ايوا مين معي؟!
-انا محمود زميل محمد بشغل ، انا.... اليوم ... مشعارفة اجبهالك ازاي. ..... اليوم كان في ضغط شغل كبير ، كان لازم ننجز بنا شقة من الشقق في المشروع، لكن .... انا اسف جوز حضرتك وقع من الدور السادس اثناء الشغل ومات........
_ يااااااااااارب.
صرخت بها الحاجة هناء بقلب يكاد يتفتت ألما ، خرجت ميرام من غرفتها بخوف جليل، تطالع والدتها الساقطة أرضا تصرخ بهستيريا موجعة، تقطع نياط القلب، لم تفهم ميرام من صرخاتها سوى كلمات عرفت بها سبب انهيار امها:متسبناش يمحمد، محمد راح.................
احتضنت امها بوجع ومازالت الصدمة تتملكها، دمعات تليها دمعات، شهقة تليها شهقة، كيف يرحل بهذه البساطة ؟!! حتى أنه ذهب اليوم إلى عمله دون أن تراه، يا إلهي ما اقساها تلك الحياة .....همست بوجع: صرنا لحالنا يما، مات اخويا احمد بحرب غزة ، وهي مات ابويا بمصر عشان لقمة العيش....................
أنت تقرأ
لا تحلمي
Mystery / Thrillerفتاة بعمر الورد بريئة حد اللعنة من أسرة متواضعة ، تحلم بالكثير، كتب لها القدر أن تموت أحلامها قبل أن تبدأ ، تقع بشباك من لا يرحم صغير أو كبير ، ليس لها القدرة الدفاع عن أحلامها أمامه، فكيف لهذه الوردة الخلاص من معذبها........... روايتي الثانية ب...