12

34 4 48
                                    

مضَتِ الأيّامُ السّتّةُ اللّاحقةُ بسرعةٍ قياسيّةٍ ما تمنّيتُها ، فتضاءلَتْ آلامي في خلالِها حتّى كادَتْ لا تُحيا إلّا حالَ الذّكرى ، ربّما لأنَّني كنتُ أقضي الوقتَ متنقّلاً ما بين النّومِ و الفحصِ الطّبّيِّ و النّومِ مجدّداً في أيّامِ الثّلاثاءِ و الجمعة ، و في بقيّةِ الأيّامِ أستيقظُ لآكلَ فقط ، و لأرى متى ستعودُ أيّامُ الفحصِ مجدّداً ، أهذا هوس؟
لا يُهِمُّ كيف يسمّي الآخرون هذه التّصرّفات ، فأنا أقدمُ عليها لا إراديّاً ، هي مشاعري في الأساسِ و ليسَتْ لي أيّةُ سطوةٍ عليها.
انتهى الأمرُ الآنَ مع الأسف ، لم يعد في إمكاني المبيتُ في الفراشِ أكثر ، فقَدْ حانَ موعدُ العودةِ إلى الجامعةِ و دروسِها المُقرِفةِ و محاضريها الأكثرِ قرفاً ، و التّي تحوي في جانبِها المُشرقِ الوحيدِ لقاءَ صديقي العزيزِ تين ، الأخيرُ سيعينني كثيراً على تخطّي الأيّامِ الكثيرةِ القادمةِ كما سأعينُه ؛ سنحاملُ على أنفسِنا مشقّتَها مهما كانَتْ هائلة ، التّخرّجُ الذّي باتَ على الأبوابِ يستحقُّ أن نفعل.
غسلتُ وجهي و غادرْتُ الحمّامَ متجاوزاً حالةَ عدمِ الارتياحِ في الأنسجةِ المحيطةِ بالجرح ، كنتُ واثقاً في بادئ ما استيقظتُ أنَّ الحمّامَ سيكونُ وجهتي الأخيرةَ في هذا اليوم ، و ستنتهي فيه طاقتي حتّى آخرِها ، غَيْرَ أنَّني و على غيرِ العادةِ اكتسبتُ طاقةً إضافيّة ، يبدو أنَّ شيئاً جميلاً سيحدثُ اليوم ، أحسُّ بهذا.
توجّهتُ أخيراً نحو المطبخ ، ألقيتُ تحيّةَ الصّباحِ على أُمّي المنهمكةِ بإعدادِ شيءٍ ما و جلستُ إلى المائدة ، التفتَتْ نحوي بعدَ لحظاتٍ بطريقةٍ دراميّةٍ و هي تتمتم ، أعرف ، هي تصلّي لأجلي الآن و تشكرُ ربَّها على ما حدث ، سعيدٌ بهذا في بعضٍ منّي

_"حبيبي أنتَ هنا!؟ كيف حالك؟"

_"جيّدٌ جدّاً"

غطّيتُ على حقيقةِ الوخزِ الطّفيفِ الذّي ينتشرُ من مكانِ الجرحِ ما إن أدوسُ فوقَ الأرض ، فأُمّي ستسمعُ كلمةَ تمزّقٍ بدلاً من وخز ، و سوف تقلقُ كثيراً ، لا أريدُ لهذا أن يحصل ، ليس قبل عودتي من الجامعةِ على الأقلّ

_"كيف حالُ جرحك؟ أما زلتَ تشعرُ بالألم؟"

_"تحسّنَ الجرحُ كثيراً ، كما يجبُ أن أذهبَ إلى الجامعةِ اليومَ كما أخبرتُكِ"

_"متأكّدٌ من قرارك؟"

أومأتُ لها مؤكّداً و رحتُ أحرّكُ سكّينةً فوقَ الطّاولةِ من مكانِها و أتلاعبُ بها ، في حينِ ظلَّتْ أُمّي واقفةً تحدّقُ في الأرضِ لبرهة ، ما تزالُ قلقةً جدّاً على مستقبلي و مستقبلِ إصابتي القريبِ في الجامعة ، و لا أدري لو كانَ يدورُ في خيالِها حلٌّ عجيبٌ من حلولِها المعتادة ، أتمنّى لو تتركَني و قراري في هذه المرّة ، لم أعد طفلاً

جَرَس ~ Win-Winحيث تعيش القصص. اكتشف الآن