13

14K 246 0
                                    


ونظرت ليندا إلى جايك من بين رموشها ولكنها لم تستطع قراءة ما يجول بداخل رأسه فوجهه كان صلباً وجامداً.
"إذا كان سبب عودتك هو معطفك"استدارت لين إليها وابتسامة ساخرة على فمها وتابعت"فقد وضعته فى مكان ما.لقد كان هذا خطأك..بقفزك من السيارة بتلك الطريقة وبركضك بأسلوب صبيانى.لم ازعج نفسي باللحاق بك وأعطائك معطفك ،لم المس أياً من مالك أنه كله هناك فى الجيب.
"هل نستطيع الدخول أم لا؟"سأل جايك بعصبية،وأمسك بيد ليندا وأدخلها قبله وتراجعت لين إلى الغرفة ذات السقف العالى بنظرة انزعاج"
.
"حسناً ،انتظر هنا لحين أحضر لك المعطف،إذن "قالت وأدخلتهما إلى غرفة الجلوس وذهبت لتحضر المعطف.
تحركت ليندا بشبه تخدير إلى الطاولة فى الوسط والتقطت ثلاثة من الصور أخذت تحدق بها وقد بدأ الضباب ينقشع أمامها وامتلأت عيناها بالدموع وشعرت بالبرق داخل رأسها فيما كانت تتذكر كل شيء...
لقد كان هذا البيت هو البيت الذى نشأت به هى وأختها التؤأم ووالدها ووالدتها،لقد بدا منذ البداية أن كلا من الوالدين كانا يفضلان واحدة من الفتاتين التؤأم.فليندا كانت محظية والدتها ،كانت تبقى معها دائماً وتساعدها فى أعمال البيت وأعمال الطبخ وكانت دائماً هادئة ومطيعة وكانت تجد فى المدرسة وتحصل على علامات عالية وخاصة فى اللغات .وكانت لينيت محظية والدها،جايمس شريدان ،الذى كان رجلاً لاهياً،محباً للحياة ويتمتع بمركز محترم بين أصدقائه .
.
كان دائماً يأخذ لينيت معه إينما ذهب كان يفرح حين يرى إنجذاب الشبان إليها ويشعر بالفخر حين يتكلم عن جمالها وجاذبيتها وذكائها .وكان يغتنم كل فرصة ليتحدث عن لين الباهرة الجميلة الجذابة.
وبسبب تفوقها فى فرع اللغات فقد عملت ليندا فى شركة إيطالية يرأسها السيد فليرو الذى قدم لها مرة عرضاً فى أن ترافقه إلى إيطاليا لتقوم بأعمال الشركة هناك وبهكذا تستفيد فى تقوية لغتها اكثر.لم توافق ليندا فى البداية على هذا العرض لعدم رغبتها فى مفارقة والدتها الحبيبة لكن السيد شريدان ولين دفعاها على الموافقة بعد أن اقنعا والدتها بضرورة اغتنام هذه الفرصة المهمة فى مجال العمل.وبالفعل فقد سافرت لينداإلى إيطاليا وأقامت مع عائلة السيد فليروا التى كانت تتألف من ستة أطفال ووالدتهم الجميلة السيدة ناتالى،وكانت سعادة ليندا،كاملة فى العمل هناك وبتنقلها فى المناطق الأثرية الرائعة والمدن الجميلة ، وقد تمكنت من دعوة والدتها لقضاء بعض الوقت معها وبالفعل فقد قضتا معاً حوالى الشهر وكانت ليندا تصطحب والدتها إلى كل الأمكنة الرائعة.ومر الشهر كأسعد أيام ليندا ولكن قبل مغادرة والدتها لإيطاليا صارحت ليندا بأمر فظيع ،لأن ليندا كانت مصرة على العودة مع والدتها إلى البيت.
"لقد حصل شيء فظيع عندنا فى البيت ليندا ولن تكونى سعيدة إذا رجعت فى هذا الوقت إلى هناك"
"لماذا امى؟ماذا حصل؟"
"لين،لقد تورطت مع رجل متزوج وأقامت معه علاقة عاطفية وحين فضح الأمرشعر والدك بالحزن الشديد وبجرح الكبرياء والكرامة.فآماله بلين كانت كبيرة وصدمه ما عرفه عن هذه العلاقة..أنه يائس الآن وهو أصبح يشرب الخمرة ليندا،لن انصحك بالعودة الآن...أما لين فقد غادرت البيت غاضبة واقسمت أنها لن تعود إليه ابداً ونحن لا نعرف الآن اين هي،أنها تقيم فى يورك لكن أين بالضبط لا ندرى".
طيبت ليندا من خاطر والدتها وأخبرتها أنها ستأتى فى الصيف المقبل فغادرت الوالدة وعادت هى لمتابعة حياتها فى إيطاليا.
.
وبعد حوالى ثمانية أشهر وصلها خبر من محامى والدها يخبرها فيه أن والديها قد قتلا بحادث سيارة.فأسرعت ليندا بالعودة إلى انكلترا واصيبت بالذهول حين وعت حقيق موت والديها وخاصة والدتها الحبيبة .أخبرها المحامى انه أرسل برقية إلى لين لكنها لم تحضر الجنازة كان ليندا تشعر بالذهول طوال فترة الجنازة لفقداها والدتها الحبيبة ولعدم حضور لينيت.
ولاحقاً أخبرها المحامى أن والدها قد ترك كل ميراثه للينيت فلم تهتم ليندا كثيراً لهذا الأمر وقررت المرور لرؤية هذه الأخت قبل عودتها إلى إيطاليا .كانت فى طريقها للدخول إلى المعرض حيث تعمل لين إلا أنها التقت بها خارج المعرض فقابلتها ببرود وعدم اكتراث.وحين أخبرتها ليندا عن وصية الوالد ابتسمت لين بخبث وقالت"لقد نفع لطفى مع والدى".
نظرت ليندا إليها بإستغراب كأنها تنظر إلى شخص لا تعرفه من قبل .كيف كان بإمكان هذه الأخت أن تكون قاسيةهكذا.لقد ترعرعتا سوياً ،وهما نسخة مطابقة عن بعضهما البعض بالشكل...كيف كان بإمكان العقلية داخل هاذين الجسدين ان يكونا مختلفين ومتناقضين لهذه الدرجة ؟.
"ماذا ستفعلين بالبيت فى شكاربورغ لينيت؟"سألتها بألم.
"سأبيع كل شيء فيه وأبيعه".قالت لين وهى تهز كتفيها .
"لماذا لم تأتى إلى الجنازة ؟"سألتها ليندا والدموع تتجمع في عينيها "لقد وصلتك تلك البرقية ؟اليس كذلك؟"
ارتفع حاجبا لين بإستمتاع وقالت"انا اكره الجنازات.إنها تصيبنى بالإحباط".
ثم أسود وجهها وهى تتابع "على كل حال ،طردانى من البيت،ولماذا بحق السماء أعود لأحضر جنازتهما؟هل تعلمين ما الذى أحزن والدى؟ليس اننى كنت على علاقة مع رجل متزوج لكن لأننى قد انفضحت وعرف الجميع عن هذه العلاقة .كان يعلم أن عندى العديدمن العلاقات مع الشبان،كان هذا يسليه فقط.لكنى ارتكبت الخطيئة الكبرى بجعل الأمر ينفضح،رياؤه ونفاقه يسببان لى الاشمئزاز ".
ابتعدت ليندا وهى تنتحب وصرخت"كيف تستطيعى قول هذا ؟لقد ماتا!".
لوت لين شفتيها وقالت"توقفى عن تمثيل دور الحنونة هنا أمام الناس ،إصعدى إلى السيارة سأعيدك إلى فندقك".
.
انطلقت السيارة فى طريق الأحراش وهما تتجادلان بقوة .لين قد أظهرت لها حقيقة وجهها القاسي والحاقد"طالما الأمر يتعلق بى فانت غريبة تماماً ليندا ،ارحلى عنى وظلى بعيدة،لا اريد أن أنظر ابداً إلى وجهك المدعى البراءة والطيبة،لطالما كرهتك حتى حين كنا أطفالاً.حبيبة أمى الصغيرة..دائماً مرتبة ،دائماً متعاونة وهادئة وتستلمين تقارير ممتازة من المدرسة..حسناً،انا طموحة،فى أحد الأيام سأختطف رجلاً غنياً وسأحيا الحياة التى اريدها ليس فى مقبرة مثل شكاربورغ بل فى نيويورك أو باريس.اريد أن اكون واحدة من الرابحين وليس واحدة من الفتيات العاديات مثلك!".
وبعد لحظات أخرى كانت السيارة قد اصطدمت بسيارة أخرى وضرب رأس ليندا بقوة بالتابلوه الأمامى فجرح رأسها .وكان الدم يسيل من جبينها والدموع تسيل من عيونها ورأت لين تنزل من السيارة وتنظر بإغراء إلى الرجل الذى صدمت سيارتها به .جلست ليندا مكانها وهى تنتحب وطغت عليها فكرة واحدة وهى الإبتعاد سريعاً والهروب من عدائية وشر وحقد اختها ،فقفزت من السيارة وأخذت تركض نحو الأحراش تاركة معطفها الذى يحوى كل مالها على مقعد السيارة.واثناء جريها والدموع تملأ عينيهاتتذكر انها ركضت وبكت وشتمت وكان الضباب قد بدأ يتكون لكنها كانت قادرة على رؤية الطريق أمامها ثم بدأ الضباب يتكاثف اكثر شيئاً فشيئاً وخففت خطواتها مدركة حماقة ما كانت تفعله.فى تلك اللحظة ظهر فجاة حماراً وحشياً برياً من الضباب أمامها مباشرة فارتطم بها وأوقعها ..ايضاًوضرب رأسها بصخرة كبيرة كانت على الأرض.
تحرك جايك بعد أن نظر إلى الصور ليمسك بكتفيها وعينيه مركزتين بقوة على وجهها الشاحب الملتاع.
"هل يرغب أحدكما بإخبارى ماذا يجرى هنا؟"سألت لين بجفاف وهى ترمى المعطف على الكرسي.
أخذت ليندا نفساً عميقاً متألماً وقالت بهدوء"لا يوجد شيء ليقال...إلى اللقاء واتمنى ان تحصلى على ما تريدين فى النهاية".
.
نظرت لين بعينين لامعتين إلى جايك ولسانها يرطب شفتيهابحركة مغرية وقالت"ما الذى تأملين بالحصول عليه ليندا؟...ام انك قدحصلت عليه فعلاً؟".
لم تنظر ليندا إليها واندفع الدم إلى وجهها لحظة ثم استدارت نحو المعطف وتناولته فأمسكت لين بيدها بشدة وقالت وهى تشير إلى الخاتم الموجود فى يد ليندا"والآن ما هذا؟هل هذا ايضاً لاشيء؟".
لم ترد ليندا عليها وتناولت معطفها ثم غادرت الغرفة فالبيت وصفقت الباب وراءها .كل شيء كان صامتاًفى الداخل الغرف،المطبخ المدخل كل شيء كان فارغاً بعد وفاة والدتها ،لقد كانت عزيزة جداً عليها ،كانت بهجة حياتها ولن تتمكن من إزالة حزنها عليها وحرقتها لفراقها .
تابعت طريقها ويديها فى جيب معطفها وذهبت بإتجاه البحر وتذكرت طفولتها السعيدة والشاطئ الذى كان ملعبها برماله وأصدافه ومياهه وتابعت النظر إلى البحر الرمادى والأمواج المتكسرة على الشاطئ بعد أن وصلت إلى المياه.عندها تذكرت جايك!.
رعشة اجتاحت جسدها لقد تركت جايك وراءها فى البيت .ولكن ماذا يهم هذا الآن؟لقد كان رجلاً التقت به فى حلم.وقد انتهى الآن هذا الحلم .
بإمكانى العودة إلى ريمينى فكرت وهى تجلس على الرمل تحيط ركبتيها بذراعيها كالطفلة.فحياتها مع عائلة فليرو بصخبهم وضجيجهم وحنانهم كانت رأئعة،لقد أحبت جو العائلة المحب الذى كان فى تلك العائلة .بدأت تبنى جدراناً من الأصداف التى تتناثر أمامها على الرمال وانسجمت بطفولة فى هذا اللعب وشعرها يتطاير فى الهواء.
هناك دائماً غداً،فكرت كان من الجبن أن تهرب من الحياة،على المرء أن يواجه المآسي التى تحل به بين الحين والآخر،وأن يبدأ مجدداً بالبناء والبناء...سمعت صوت خطى وراءها،وشعرت بجايك ينحنى ويجلس بجانبها ثم ادارت يديه وجهها وحدق بها ناظراًداخل عينيه الخضراوين .
"لماذا بحق الله تبخرت واختفيت هكذا ؟كنت افتش الجوار بحثاً عنك،عقلى يكاد يجن...بماذا كنت تظنين انك تلعبين؟"
بهدوء قالت "آسفة ،لقد نسيتك فقط"."
تحجر وجهه وقال"نسيتينى فقط".
.
"كان عندى أشياء كثيرة تشغل بالى ".
"عادت لك ذاكرتك طبعاً؟"قال وهو يراقبها .
هزت رأسها موافقة وشدت رأسها إلى الوراء فتركها.
وعادت إلى لعبتها الصغيرة وأخذت تصنع الجدران الصدفية.
"لقد ظننت هذا عندما بدأت تبكين وانت تنظرين إلى صورة والديك!".
وبهدوء بدأت تتحدث وأخبرته كل ما ورد فى ذاكرتها من أحداث وقالت "أظن فقدان الذاكرة حصل بسبب الحادثين...إرتطام رأسى أولاً بالسيارة،ثم إرتطامى بالصخرة فى الأحراش...وكنت مستاءة وحزينة بسبب وفاة والدى".
"صدمة تبعها ضربة على الرأس"قال "يبدوا هذا منطقياً"
"حسناً،فقد انتهى كل شيء الآن "قالت بألم "انا اعرف كل شيء،هل اخبرت لين انك قد أخطأت واعتقدتنى هى؟"
جايك فجأة ضرب قبضته بشدة على الجدار التى كانت تصنعه من الأصداف فحدقت به وهى تشعر بالإستياء من صرفه.
"لماذ فعلت هذا؟"
"لا تبنى حواجزاً بيننا ليندا "قال بقسوة"اذا فعلت سأحطم كل واحد بدوره وسأستعمل اى قوة سأحتاجها لذلك،هل تفهمين؟"
بهدوء قالت "سأعودإلى إيطاليا جايك".

روايات احلام/ عبير: جحيم هواكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن