الفصل الثالث
----------بعد مرور ثلاث سنوات.
في قاعة المحكمة وقف جسار صادحًا صوت دفاعه بقوة مثيرا كل النقاط التي حددها لدعم موكله لتأتي النتيجة في صالح الأخير وهو يصرخ بهتاف هز الأرجاء حوله من فرط انفعاله: يحيا العدل، يحيا العدل، ينصر دينك يا سعادة القاضي.
ثم هرول يحتصن محامية بقوة: إلهي يعمر بيتك يا استاذ.. جبتلي حقي في وولادي وهيرجعوا لحضني.
ربت عليه بود والراحة تغمر روحه بعد أن كان وسيلة لعودة حق ذاك الرجل الطيب: مبروك وده حقك ورجعلك، انا مجرد سبب.
حاول الرجل أن يلثم كفه بتقدير، فنزع جسار يده سريعا: استغفر الله العطيم.. ليه كده يا راجل ياطيب، ده كله توفيق من ربنا..يلا روح استعد عشان تاخد ولادك لحضنك، وألف مبروك..غادر قاعة المحكمة مرورا للخارج هابطًا الدرج ثم استقل سيارته ونشوة انتصار خاصة تحتل كيانه.. أخيرا وجد لحياته قيمة بين أرجاء تلك القاعة وهو ينصر المظلوم بتوفيق الله ويعيد الحقوق المهدورة.. رغم انه مازال حديث العهد في ممارسة المحاماة إلا أن صيته بدأ يبلغ الأفاق، وانهالت عليه قضايا كثيرة ومعقدة نجح بأغلبها إلي الآن ومازال طريقه حافل بالمزيد من النجاحات.
عاد لمكتبه ملقيا التحية على الفتاة ثم قال: في حد سأل عليا يا "ميس"؟
قالت وهي تهرول خلفه داخل مكتبه: أيوة جسار بيه..في زباين جديدة حددت ليهم مواعيد مناسبة.. وكمان صاحب قضية (...) عايز يقابل حضرتك ضروري، بيقول في أمور جدت هتقوي موقفه في القضية.. وفي كمان زبونة عايزة تقابل حضرتك انهاردة وبتقول قضيتها صعبة.
_ تمام انا قدامي ساعتين اللي يجي هقابله،
طيب واستاذة سارة موجودة في مكتبها؟
_ لا حضرتك راحت تخلص أوراق مهمة، وأستاذ أدم لسه ماشي من شوية، لكن استاذ أشرف في مكتبه ومعاه زبون..
_تمام، اطلبيلي فنجان قهوة مع مسكن، الصداع هيفرتك دماغي..
_ ألف سلامة علي حضرتك..حالا هجيبهم..
وواصلت بفخر: وألف مبروك لحضرتك..مش غريب عليك مكسب جديد ينضاف للقصايا اللي ربحتها
ابتسم بتواضع: الحمد لله يا ميس.. يلا الحقيني بالقهوة والمسكن
_ حالا يافندم.ابتلع قرص المسكن واحتسي قهوته ثم ارتد للوراء مسترخيا علي ظهر مقعده يحاول نيل بعض الهدوء. سمع طرقا علي الباب تبعه دخول ميس:
الست اللي طلبت تقابل حضرتك انهاردة وصلت ومعاها واحدة تانية..
استعاد نشاطه معتدلا بجلسته: تمام خليهم يتفضلوا.
عبرت سيدة تلقى التحية تصحبها فتاة ما أن أبصرها جسار حتى أهتزت أهدابه بصدمة للحظات قبل أن يتمالك رباطة جأشه من جديد مخفيا ما اعتراه ببراعة مجيبا التحية: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.ليحين دور شمس لتُصدم برؤيته..
حملقت به لتتأكد أن هو ذاته ذاك العابث، ودون أن تشعر مشطت سريعا هيئته التي طغي عليها الوقار وعوينات شفافة تضيف عليه هيبة وجاذبية خاصة.. وهو يهتف متجاهلا نظراتها: تحت أمركم ازاي اقدر اخدمكم؟
قالت صديقتها المعنية بسبب الزيارة: أنا جيت لحضرتك بعد ما نصحوني ولاد حلال ان انت بعد ربنا اللي هتقدر ترجعلي حقي اللي اخده مني جوزي وأهله..
غمغم بنبرة تكسوها الثقة: بإذن الله، قوليلي بس التفاصيل المهمة.
راحت السيدة تسرد ما لديها باستفاضة، فانخرط ذهنه بما تقصه متعاطف قلبا وقالبا مع قضيتها ليهتف بعدها: واضح ان جوزك وأهله لعبوها صح..لكن اطمني إن شاء الله هيتربوا علي ايدي..أعتبري ان حقك رجعلك من دلوقت..
أنت تقرأ
رواية "صرخة على الطريق" كاملة
Romanceمسيرين أم مخيرين أحيان لا ندري وجهتنا. تقودنا رياح الأقدار حيث شاءت لنا السير. فنتكيء بكل قوانا على صولجان الإيمان والأمل. لعلهما يعصمانا معًا شر السقوط.