الفصل السادس عشر
----------------القلوب لا تنتظر صك هوية لتعبر المسافات لمن تحب.
سلطانها نافذ أينما حلت، لها عيون ترى وذراع يحتوي.
لا تخطئ طريقها مهما تراكمت أسباب الضلال.
............
انقلب عالمه رأسا على عقب، صرخات قلبه العجوز تشبه صرخة صغيره حين تلقفه بين يديه قطعة "لحم حمراء" لا حول له ولا قوة، تمزق وشاح الحقيقة عن وجهه وتجلت خبايا ماضيه، هو ذاته من سيخط بدموعه كلمة النهاية من نبع مقلتيه الذابلة، سيخبر جسار أنه لم يعد مجهول الهوية، جذوره اضحت شجرة عريقة النسب تثير الفخر، لم يعد مصدر أمانه و فخره الوحيد، قريبا جدا سيصبح ذكرى بعالم صغيره، سينتمي لغيره، "فقد" كل الحق به، ويا وجع روحه على هكذا فقد، سيدعوه للحضور وليكن الله في عونه حين تحين ساعة الفراق.
_________
لا يعرف لما أصر جده أن يقابلته في الفيلا..وعلى مضض ترك زوجته لرعاية والدتها وسارة متوجها إليه._ عمي رضوان و أمين بيه هنا؟
اطلق جسار دهشته من رؤيتهما فور دخوله وغمغم: أنا مش فاهم حاجة ياجماعة، احنا ليه متجمعين هنا بالذات؟ فهمني في ايه ياجدي!
تقدم نحوه الأخير وهو يحدجه بنظرة غريبة لا تخلو من الحزن العميق: انا استدعيتك عشان هنا بدأت الحكاية وهنا مكتوب تنتهي يا ابني..ضياعك وحزنك ووحدتك خلاص آن الأوان ينتهوا.. جذورك اللي كنت بتدور عليها اتشال عنها الغبار ورعرت فوق الأرض تاني و هتديك حياة جديدة وبداية تعوضك اللي فات.كلمات جده الغامضة أشعلت فضوله وحيرته أكثر.. دارت عيناه بين الجميع ليجد من أعينهم دموع صامتة تنهمر دون سبب..
_ مش كان نفسك تلاقي أهلك و تعرف مين والدك يا جسار؟أهله؟!
والده!؟
عقله يدور بفلك خواطره الخاطفة
بُرْكانٌه الخامِد اشتعل من جديد.
أين عائلته؟!
من أبيه؟
له أشقاء؟ أعمام واولاد عمومة؟
عشرات الأسئلة تدوي برأسه دون رحمة
لينتفض بغتة لخاطر فرض منطقيته بقوة.
أيعقل أن من النقطه عقله صحيح؟!_ آن الأوان تعرف مين هما أهلك يا ابني.
هنا انتبهت كل حواسه مع حديث جده..بدأ عقله يعمل بسرعة غير عادية ويحل الخيوط من عقدها..وكلمات بعينها تعود وتدوي بخاطره!
* في تطابق كبير في الجينات ما بينكم.
*التطابق ده مايحصلش غير لسببين
* أولهم وأقواهم إنكم تكونوا أقارب.بصوت الطبيب انسابت في دهاليز عقله..
تنقلت حدقتاه بين أمين ورضوان وجده يغمغم:
أنا عملت ليكم انتم التلاتة تحليل. Dna.. والنتيجة أكدت مين أبوك..وممكن ببساطة اقولك حالا النتيجة رجحت كفة مين فيهم وأثبت نسبك.. بس انا عايزك أنت اللي تحدد بإحساسك اللي عمره ماخذلك مين فيهم أبوك ومين عمك، خلي قلبك يدلك علي اللي جيت من صلبه يا جسار.حملق بجده في ذهول شديد كأنه يتلمس منه يقينا يثبت أنه لا يحلم وأنه بالفعل يقف أمام أبيه في حيز محيطه ولا يفصلهما شيء، بإيماءة ونظرة حانية كنانه جده أنه يحيا واقعا لا يقبل الكذب، شعور ضخ بروح جسار قوة وتقدم نحوهما ودموعه تنهمر دون إرادة وجسده يرتعد من فرط ما هو مقدم عليه.. جال بينهما مليا ودون شعور دنى من أمين وامتدت يده المرتجفة يتحسس وجه أبيه كما دله قلبه، ليتلقفه أمين الباكي بعناق جارف اختلط بنحيبه الذي تصاعد وهو يطلق أه وجع لحرمانه من ابنه الأول كل هذه السنوات..لم يكن يعلم أنه حيًا يُرزق، ظن النيران التهمته بأحشاء والدته.. لو علم بنجاته لما هدأ حتي وجده وأعاده لأحضانه..
_كفاية كده يا أمين، سيبني اخد ابن اخويا في حضني شوية.
قالها رضوان وهو ينتزع جسار من صدر أبيه ويتلقفه بصدره رابتا علي ظهره وهو يهتف: من يوم ما شوفتك في عيد ميلاد سارة حسيت اني حاجة شدتني ليك بس كدبتها ومع الوقت نسيت، أتاري الدم حن لبعضه وقلبي عرفك يا حبيب عمك.
أنت تقرأ
رواية "صرخة على الطريق" كاملة
Roman d'amourمسيرين أم مخيرين أحيان لا ندري وجهتنا. تقودنا رياح الأقدار حيث شاءت لنا السير. فنتكيء بكل قوانا على صولجان الإيمان والأمل. لعلهما يعصمانا معًا شر السقوط.