الفارس الأخير الجزء الثالث

248 10 4
                                    

الفارس الأخير : الفصل التالت

هل حانت لحظة الوداع يا ترى؟

أم أنه مجرد إنذار كاذب ككل مرة؟

كانت منى بينها وبين نفسها ترفض أن تراه...

ترفض أن تودعه...

ظناً منها أن روحه ستظل معلقة بالأرض ما لم يودعها هو بدوره...

ذلك الرباط المقدس بين روحيهما... وتلك العلاقة السرمدية...

فالحياة تختبرنا بأقسى ما تملك من أدوات، تقلبنا يمنة ويسرة، تضع المعوقات في طريقنا واحداً تلو الأخر، تمحص باطننا وظاهرنا، حتى تطبع في عقولنا حقيقة واحدة...

أن كل شئ في هذه الحياة... مؤقت...

الحياة نفسها... لحظة...

وجودك... حياتك... وحتى مماتك... مجرد خدش ضئيل على سطح جبل ترابي وسط الصحراء، يترك علامة ضئيلة، لكنه يمحى في لحظات من على وجه البسيطة دون أن يترك أي أثر يقتفى ما أن هبت عليه الريح.

فنائيتنا هي ظلنا، جزء من نسيجنا البشري، مهما هربنا منها إلى أي مكان، ستلحق بنا، لندفن معاً في أصغر مساحة سيحتلها جسدنا يوماً ما. كالذي يقرأ قصة، يعلم قبلاً نهايتها الحتمية... نهايتها الحزينة... مهما جاهد لتغييرها... والأسوء أنها قصة حياته.

أين المفر إذاً؟...

الحب...

قديماً آمنوا بأن الأرواح تولد في عالم سرمدي، تتلاقى وتتآلف، ثم يأتي موعد انتقالها إلى الأجساد لتنزل إلى الأرض، فأحياناً، يجد المتحابون طريقهم إلى بعضهم البعض مرة أخرى، وأحياناً يضلوا اللقاء فتتيه أرواحهم هائمة على وجهها بحثاً عن وليفتها الغائبة إلى يوم يبعثون.

ولقد آمنت منى بذلك...

وإنه ليعز عليها فراق ضالتها بعد لقياها...

فالحب يعطيك الأبدية... في سنوات معدودة...

الحب هو صرختنا في وجه وهننا... في وجه كل شئ لا نستطيع تغييره...

حتى إذا ما حانت لحظتنا... استقبلناها مرحبين... مقبلين غير مدبرين... لأننا قد حظينا بالحياة... لأن قلوبنا قد نبضت في يوم ما...

ولقد كانت منى محظوظة بأنها قد وجدت ضالتها في هذه الحياة...

كانت...

كانت...

***************************

جلس قدري على الكرسي المجاور لسرير أدهم بينما يربت على ذراعه الساكنة على السرير بجانبه وهو يقول "لقد اعتدت أن يخلفني الجميع ورائهم، يعبرون صدفة في حياتي، يزدحمون طلباً لمصلحتهم ثم، لا يبقى أحد، فيكفي أن ألعب دوراً ثانوياً في حياة أحدهم طالما لا أجيد دور البطولة في حياتي، لا ألومهم أن فنظرة واحدة في المرآة تكفي حتى أتفهم السبب، ثم جئت أنت... أذكر أنه منذ اللحظة الأولى التي قابلتك فيها، شعرت بأن وجودك لن يكون مجرد مرور عابر في حياتينا، أتذكر اتقاد عينيك، وفتوة صباك، ومتانة إرادتك، طلبت مني جواز سفر متقن التزوير، ثم اختفيت لفترة، ومع ذلك كنتُ موقناً بأنك ستعاود الظهور مرة أخرى، وقد فعلت، ومنذ ذلك الوقت ونحن لا نفترق، أصبحت عائلتي، وجزءاً لا أستطيع التخلي عنه من يومي، و سبباً لعدم فقدان الأمل في حياتي. أذكر أنني عندما بدأت العمل بجانبك، كنت محل غبطتي، أو لأكن صريحاً، حسدي، فأنت شاب وسيم، ممشوق القوام، ذو مكانة رفيعة، بالتأكيد تستطيع الحصول على أي امرأة تريدها، بعكسي أنا... أعني... أنظر إلي... حتى جاءت منى، ثالث ثلاثتنا، وقد رأيت حبكما ينبت من بذرة قلبيكما يوماً بيوم، وينمو بفضل سقايته بالكفاح الذي تتشاركانه، بينما لا تستطيعان إتمام قطاف ثماره بالزواج، فكانت المرأة الوحيدة التي اختارها قلبك، هي أبعدهن عن أقدارك، وبعد أن كنت محل حسدي، أصبحت يا صديقي محل عطفي وشفقتي أنت ومنى، ولكن إسمح لي أن أسر لك بهذا الأمر، أتدري يا صديقي ما الجزء المفضل لي من يومي؟" قالها قدري وهو يدنو من أذن أدهم كالذي يسر له بشئ ثم أردف "هو لحظة خلودي إلى النوم في كل ليلة أغلق عيني فيهما عن هذه الدنيا، فأفتحهما على عالم موازي، أنت فيه متزوج من منى، ولك من الأبناء والبنات ما يسر قلبك، أسميت أحدهم قدري، على إسمي، عالم إعتزلت فيه أنت ومنى القتال، تعيشان هانئين في كنف منزل بسيط يطل على البحر، تحت إسمين مستعارين، لا يزوركما أحد من الماضي، أو يسعى ورائكما أحد، حياة هادئة كماء البحر في يوم بلا رياح، وإني لأرجو أن يتحول ذلك إلى حقيقة وألا يظل فقط مجرد حلماً... وأعلم أنه لكي يتحقق هذا الحلم يجب أن تعود... لذلك... يجب أن تعود يا أدهم... يجب أن تعود... لا أعلم سوى أنك رجل المستحيل الذي اعتاد قهره مرة بعد مرة بعد مرة، حتى اعتدنا ذلك وأصبح عادياً... فافعلها هذه المرة أيضاً وعد بالله عليك!" بالكاد استطاع قدري إخراج هذه الكلمات التي اختنقت بدموع قلبه قبل عينيه ثم إجتر أقدامه جراً من الغرفة، ملقياً نظرة خشي أن تكون نظرة الوداع على أدهم، وضع فيها كل مشاعره ومخاوفه جرعة واحدة ثم غادر ليجد حازم وأحمد أمام الباب.

مشاهد من رجل المستحيل Where stories live. Discover now