دموع(9)
دموع..
بعدَ مرورِ فترةٍ من زواجي، كُنتُ أشعرُ أنّي أعيشُ لقرونٍ مع أشخاصٍ غريبي الأطوار، حتى أنّي بدأتُ أشكُّ بأنّي مجنونةٌ؛ لأنّ سامي كانَ لا يُناديني باسمي، كانَ دائمًا ما يناديني بـ(يا مجنونة.. يا.. يا..) وكلّها ألفاظٌ نابيةٌ.. كانَ يردِّدُ دائمًا: أنتِ لا تعرفين شيئًا، أنتِ لا تفهمين، حتى حينَ يزورنا أقاربُه يتكلّمُ عني بكلماته البذيئة فأشعرُ بالخجل، رغمَ أنّي أرى في عيونِ أقاربِه الحزنَ ممزوجًا بنظرةِ احتقارٍ لما يفعله بي..
لم أكُنْ أعلمُ ماذا أفعل؟ ولمن أشتكى؟
ألأبي الذي لم يسألْ عنّي أبدًا، وكأنّي كُنتُ ثقلًا عليه وتخلّصَ منّي، أم لأمّي التي تخشى حتى أنْ تتصلَ بي!
آهٍ أينَ أنتَ يا وسام؟
كم أفتقدك!
لقد فارقتْ روحي جسدي عندَ رحيلك، ولا أحبُّ أنْ أشغلك بهمّي وأنتَ بعيدٌ عنّي..
متى تعود؟
شعرتُ اليومَ أنّي يجبُ أنْ أُغيّرَ حياتي، يجبُ أنْ لا أستسلمَ لطريقةِ مُعاملتِه الجافةِ والقاسية، فأكملتُ تحضيرَ الغداءِ وذهبتُ إلى غرفتي ﻷصلي، دخلَ سامي ونادى:
- أينَ أنت يا..؟
لم أجبُه..
- لماذا لا تُجيبين يا...؟
- أنتَ لم تذكرْ اسمي.
- ماذا؟
- أنتَ قلتَ: أينَ أنت يا...
وأنا اسمي دموع!
- كيف تجرئين على أنْ تُخاطبيني بهذه الطريقةِ؟ يبدو أنّ أهلَك لم يُعلِّموكِ كيفَ تتكلّمين مع زوجِك؟
سحبني من شعري ودفعني خارجَ البيت ورمى عباءتي وأقفلَ البابَ.. جلستُ في حديقةِ المنزلِ أبكي وأنتظره لعلّه يهدأ ويفتحُ الباب لكنّي سمعتُه يقولُ لبيداء.
- إنْ طرقتِ البابَ لا تفتحيه
- حسنًا فعلتَ يا أخي.. إنّها لا تُناسبُك أبدًا
خرجتُ من البيتِ وبدأتُ أمشي، لا أعلمُ ماذا أفعل، وبينما كُنتُ أعدُّ خطواتي تائهة، أُناجي ربّي ليهديني لطريقِ النجاة، سمعتُ صوتًا يُنادي باسمي، توقّفتُ هنيهةً، ظننتُ أنَّ بيداءَ تُناديني كي أدخلَ، ولكنّي رأيتُ امرأةً كبيرةً بالسنِّ تقودُ سيارةً:
- دموع؟
- نعم
- إلى أينَ تذهبين؟
- لا أعلم
- هل حدثَ لك شيءٌ؟
- ماذا؟...
نعم.. قصدي لا
- هل تُريدين أنْ أصحبَك إلى مكانٍ ما؟
- نعم، أريدُ أنْ أذهبَ لبيتِ أهلي فإنا لا أعرفُ كيفَ أصلُ إليه.
- اصعدي.
- شكرًا لك.
- هذا واجبي.
لقد كانتْ والدةَ زوجةِ أخي وسام، كأنّ اللهَ أرسلها لي في الوقتِ المُناسب، شكرتُها ودخلتُ إلى بيتِ أهلي.. استغربَ والداي لدخولي في هذا الوقتِ المُتأخّر، وأنا ارتدي ملابسَ البيت ولم ألبسْ سوى عباءتي!
جلستُ ولم أستطِعْ أنْ أتكلّمَ؛ فكُلُّ شيءٍ حولي يميلُ إلى السواد، لكن يبقى في داخلي أملٌ أنَّ هناك نورًا سوف يُضيءُ عتمةَ أيامي..
كانَ أبي يُلاحقني بنظراته الحادةِ.. كم تمنّيتُ أنْ يحضنني وأشكوَ له ما حدثَ لي، وما إنْ بدأتُ بالحديث حتى رنَّ جرسُ البابِ، ذهبَ أبي وسمعتُ سامي يصرخ:
- لقد خرجتْ دموع من غير إذني!
نظرَ أبي إليّ وبراكينُ الغضبِ تقدحُ من عينيه.. حتى إنّه لم ينتظرْ حتى أشرح له ما حدث، ولم يسألني كيفَ تخرجين من غيرِ إذنِ زوجك، ولماذا؟
- أبي.. أبي.. اسمعني...
إلا أنّه لا يُصغي لما أقول، وقبلَ أنْ أتفوَّهَ بكلمةٍ رفعَ يدَه إلى الأعلى وأسقطها على وجهي قائلًا بنبرةِ غضب:
- لا يحقُّ للمرأةِ أنْ تخرجَ من بيتِ زوجِها من غيرِ إذنه.
جمدَ سامي في مكانه، وبقيتْ أمّي مذهولةً لا تعلمُ ماذا تفعلُ، جابر وعصام ينظرانِ من بعيدٍ وكأنّ الأمرَ لا يعنيهما أبدًا، وقفتُ ومسحتُ دموعي وبحلقتُ في عيني أبي:
- أسألك سؤالًا: هل خرجتُ يومًا من بيتك _ولم أستطعْ أنْ أقولَ يا أبي_ من غير رضاك؟
لم يُجبني..
فقلتُ: ترى كيفَ أخرجُ من بيتِ زوجي من غيرِ رضاه؟
وكيفَ أخرجُ وأنا لا أرتدي كاملَ حجابي وبملابسي هذه؟
سأذهبُ الآنَ معه لكي أثبتَ لك أنّي صادقة.
أما سامي فلم ينبسْ ببنتِ شفة، يبدو أنّه لم يتوقّعْ أنْ يضربني أبي، والحقيقةُ أنَّ زوجَ عمّتي -المتوفى- هو أبي الحقيقي، وأمّا هذا الشخصُ فلا أعرفه، هو مُجرّدُ اسمٍ مكتوبٍ في سجلاتِ الدولةِ يدلُّ على أنّي ابنته!
كيفَ لي أنْ أتوقّعَ الحُبَّ والحنانَ من زوجي الذي رأى أبي يضربني بمُنتهى القسوة؟
ها أنا كالكرة يتقاذفها أبٌ وزوجٌ لم تعرفِ الرحمةُ طريقًا إلى قلبيهما.
يتبع..
#بقلمي
#نرجسةالزمان
قناة التليغرام:
✅ https://t.me/turathalanbiaa_alkafeelblogصفحة الفيس بوك:
✅ facebook.com/alkafeelblogحساب الانستغرام:
✅ https://www.instagram.com/alkafeelblog/