دموع(12)
أغدقتُ على آمال وأمين كُلَّ الحُبِّ والحنانِ اللذين كنتُ أفتقدهما في صغري، لكنّهما تربّيا وهم يسمعان إهاناتِ أبيهم لي، وهما الآن في الخامسة عشرة، وهو عمرٌ حرجٌ _فترة المراهقة_ ،أخبرتُ سامي مرارًا وتكرارًا أنْ لا يعطيهما كُلَّ ما يطلبانه، لكنّه يخالفني كعادته، اشترى لهما أحدثَ الهواتفِ النقالةِ وأحدثَ الأجهزةِ الإلكترونية، كانَ الإنترنت تحتَ تصرُّفهما وبلا قيود، كُلّما تكلّمتُ معه كانَ يقولُ لي:
- إنّك لا تفهمين..
وكيفَ تشكّين بهما؟
وهل هناك أمٌّ تشكُّ مثلك؟
كُنتُ أقولُ له:
- إنّهما مراهقان، وتصفُّحهما مواقعَ التواصلِ بمنزلةِ اللعبِ بالنار، فإنْ لم يعرفوا كيفَ وأينَ يستخدمانها فستحرقهما وتحرقنا معهما..
- اصمتي.. أنتِ غبية ولا تفهمين شيئًا...
وفعلًا حدثَ ما كُنتُ أخشاه.. ففي أحدِ الأيامِ دخلتُ غرفةَ ابني أمين لترتيبها وبينما كُنتُ أضعُ له شراشفَ نظيفةً على سريره، تعثّرتُ وارتطمتُ بدولابِ ملابسه، فوقعَ صندوقٌ وسقطَ كُلُّ ما فيه، لم أصدّقْ عيني، أردتُ أنْ أصرخَ بأعلى صوتي من هولِ ما رأيت من صورٍ لا أستطيعُ وصفَها...
ركضتُ إلى سامي:
- سامي.. سامي...
أجابني ببرود:
- نعم.. ماذا حدث؟
- انظر إلى هذا...
جلسَ سامي ونظرَ إلى الصورِ وكانتْ ردّةُ فعله عجيبةً؛ إذ قهقه بصوتٍ مُرتفع:
- أين وجدتِ هذه؟
- في غرفةِ أمين، كان يُخفيها فوقَ دولابه...
- اذهبي وأرجعيها إلى مكانها...
ثم ابتسمَ وتحدّثَ بصوتٍ خافت:
- حبيبي أمين لقد كبر...
- ماذا؟
كبر؟! هل فرحتَ وعرفتَ أنّ ابنك قد كبر وأصبحَ رجلًا لأنّه يشاهدُ صوراً قذرة؟!
- اذهبي وافعلي ما أقوله لك يااا.... (وتلفّظَ بألفاظٍ نابية)...
خرجتُ أبكي.. يا إلهي! ماذا أفعل؟! إنَّ ولدي سينحرفُ عن جادةِ الطريق.. وأنا لا أعرفُ ماذا أفعل؟
خطرَ في بالي أنْ أذهبَ وأفتِّشَ في أغراضِ ابنتي آمال، وهُنا كانتِ الكارثةُ أعظم، كُنتُ أتابعُ هاتفَها بينَ الحين والآخر.. وفي هذه الأثناءِ وصلتْ رسالةٌ من شخصٍ يحملُ رقمه رمز [g] فتحتُ الرسالةَ وإذا هي رسالةٌ من شابٍ يبدو أنّه تعرّفَ عليها عن طريقِ مواقعِ التواصُلِ وقد كانَ يُحاولُ أنْ يخدعَها لكي ترسلَ له صورةً!
آهٍ.. يا ربِّ.. ماذا أفعل؟
هل أخبِرُ أباها؟
أخشى أنْ يقتلها.. فلربما لم يكترثْ ﻷمين لأنّه شابٌ، وقد يفعلُ الرجالُ ما يحلو لهم، ولا أحدَ يتكلّمُ عنهم بسوءٍ حسبَ قوانين بعض مُجتمعاتنا الشرقية، أمّا الفتاةُ فالمُصيبةُ أعظمُ.. فأيّ خطأ وإنْ كانَ بسيطًا لا يُغفَرُ لها!
حاولتُ أنْ أتمالكَ أعصابي لكي أفكِّرَ؛ فكُلُّ قرارٍ مُتسرّعٍ نهايتُه الندمُ، فكّرتُ أنْ أستشيرَ أخي وسام، اتصلتُ به وأخبرته بكُلِّ ما حدث..
- أختي إنّ كُلَّ ما يحدث لأمين وآمال طبيعيٌ جدًا لأنّ سامي أعطاهما كُلَّ شيء وبلا قيود، وهما في عمر الزهور، ولهم فيضٌ من العواطفِ لا يستطيعانِ التحكُّمَ بها كمن يقودُ سيارةً وهو مغمضُ العينين..
والذي يستطيعُ مساعدتهما على السيطرةِ على عواطفهما هما الأبُ والأمُّ عن طريقِ تعليمهما كيفَ يكبتانِ هذه المشاعر وكيفَ يحاولانِ ترويضها إلى أنْ يحينَ الوقتُ المُناسبُ فيطلقان لها العنان..
أنا أعلمُ أنّكِ لم تُقصّري في تربيتهما لكنّ تأثيرَ سامي عليهما أقوى؛ لأنّه هو من هيّأ لهما أرضيةَ الانحراف، فهو كمن يُعطي علبةَ ثقابٍ لطفلٍ ليلعبَ بها، فيُحاولُ الطفلُ بدافعِ الفضولِ إشعالَ عودَ الثقاب، ينبهرُ به ينظرُ إلى النار وهي تُحرقُ العودَ بسُرعةٍ حتى يصلَ إلى اصبعه فيشعر بلسعةِ الحرارة، ويرميه فتحلَّ المصيبةُ إنْ لم يجدْ هناك من ينقذه.
يتبع..
#بقلمي
#نرجسة_الزمان
قناة التليغرام:
✅ https://t.me/turathalanbiaa_alkafeelblogصفحة الفيس بوك:
✅ facebook.com/alkafeelblogحساب الانستغرام:
✅ https://www.instagram.com/alkafeelblog/