الأول.

408 44 26
                                    

أوصدَت باب غرفتها لتُخرج الكتاب المُهترئ الذي حرصَت على إخفاءه جيدًا أسفل فراشها وافترشَت الأرض جالسةً كما هي دون تبديل ثيابها المبللة حتى..

بحرصٍ وجسدٍ يرتعش وقلبٍ تتضاعف خفقاته لشدة الغضب تفتح صفحات الكتاب الذي كان ينتمي سابقًا لجدتها المتوفاة والذي سرقته هي دون أن ينتبه أحد..

بالرغم من كون عائلتها المسيحيّة متشدّدة في كل ما يخص الدين، لكن لطالَما اهتمّت بالسّحر واستدعاء الكائنات من العوالِم الأخرى كما كانت جدتها، والآن قد قرّرت استدعاء أحدهم ليقبض روح هؤلاء المتنمرين بلا رحمة..

تعلم جيدًا مقصدها، فهي تحفظ هذا الكتاب عن ظهر قلب، إلا أنّها لم تجرؤ يومًا على تكرار تعويذة استدعاءٍ واحدة بصوتٍ عال، اعتادت القلق من عواقب ما ستفعل، لكن قد فاض بها..

ابتلعَت ما في حلقها لتمدّ أناملها الشاحبة تتلمّس كلمات التعويذة أمامها والتي كُتبَ فوقها:

"احذر، فقد تُصبح هذه أولى خطواتكَ طوعًا لإنهاء روحكَ بأيدي أسوأ الشياطين."

هي تحفظ هذا التحذير عن ظهر قلب، فهو ما مَنعها حتى الآن، لطالما انتظرت الفرصة المناسبة لتستعين به، وها قد حانت الفرصة..

العاصفة بالخارج تطلق تحذيراتها المَهيبة لهذه المراهقة التي لا تفقه عواقب فعلتها، وكأنّ صيحات الرّعد التي تُرهب قلبها الآن تصرخ بها كي تذكّرها بأنّ ما تُقدم هي عليه مخالفة صريحة لأوامر الإله..

أطفأت أنوار غرفتها واستعانَت بالضوء الخافت المنبعث من هاتفها المحمول، بصوتٍ مهتزّ إثر ارتجافة جسدها تجاهلَت أنوار البرقِ التي تكاد تُفقد مَن يناظرها بصره وبدأت في نطقِ التعويذة بحذر:

"من الظلام أتيتُ ودائمًا حولي الظلام يحوم..
أنا الأبرع في عقدِ الصفقات وما أنا على عواقبها بمَلوم..

أعطيك ما تُريد وأسلب منكَ ما يُرضيني وأترككَ غارقًا في دماء النّدم المسفوك..

فقط قُلها: أُسلّم قدري إليك يا لوسيريوس، وبين طيّات الظّلام لإتمام ما أريد، أنا أركعُ خاضعًا أدعوك."

نظرَت حولها برُعبٍ لكنها لم ترَ شيئًا، لا ظِلّ حتى يظهر لها في الظلام، كادَ الشكّ أن يزور قلبها ليخبرها أن كلّ هذه أساطير وأغلقَت عينيها تحاول منعَ دموعها، فقد كان هو آخر غصنٍ في شجرة آمالها وللتوّ قد سمعَت صوت انكساره..

فتحَت عينيها مجددًا حينما شعرَت بنسمةِ هواءٍ باردة داهمَتها لوهلة وقد ظنّت أنها النافذة قد فُتِحَت بفعل العاصفة إلّا أنّها لم تكن بغُرفَتِها من الأساس..

شعرَت بالهلع حينما رأت نفسها في محيطٍ للوهلة الأولى يبدو مظلمًا، التفتَت هنا وهناك بقوّةٍ كادت أن تحطم عنقها تحاول رؤية أي شيء..

ابتلعَت ما في حلقها حينما لم ترَ أي حدودٍ لهذا المكان، لا جدران ولا أبواب، فقط يمكنها رؤية ظلال جبالٍ من على بُعدٍ مَهيب..

نظرَت أمامها بتركيزٍ لترى ظلال أشياءٍ أخرى لكن أقرب بكثير ولا تعلم ماهيّتها، بخطواتٍ مرتجفة تقدّمَت حتى رأته..

أخفضَت عينيها فورَ أن وقعَت على هيئته كما استطاعَت لمحَ أليفيه الضخمين جوار كرسيّه..

"لِمَ أرى بشريّةً هنا؟"

سأل بنبرةٍ غائرة ليرتجف جسدها رغمًا عنها وابتلعَت غصّتها مجيبة:

"أنت الأفضل في عقد الصفقات، لهذا.."

كما هو مستندًا على كرسيّه ولا ترى وجهه لشدة الظلام سأل بنبرة مستنكرة:

"وأيّ صفقةٍ هذه قد تدفعني للتعاقد مع مراهقة؟"

قبضَت بكفّيها على فستانها القصير مجيبة:

"هناكَ مَن أريد قتله.."

ابتسامة جانبية زيّنَت ثغره، ها قد حظيَت على اهتمامه..

وقت متعته قد حان.

----------------------------------------------------------

----------------------------------------------------------

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
صَـفـقَـةٌ مَعَ الشّـيـطـان. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن