الفصل الثاني

79 15 11
                                    

ثاب العزاءُ وحان الأخذُ بالثأر

قد عاد في غابه الضّرغامةُ الضاري

إن كان أوردهُ البأساءُ مورِدَه

فقد تداركنا منه بإضرار

أتى ليمحو بالحسنى إساءته

كما أتى مذنبٌ يدلي بأعذرِ

فالموتُ لا ينجيكَ من آفاتهِ

حصنٌ ولو شيدتَهُ بالجندَل

موتٌ أسود يتلوى بحقد بين الحشائش، يجر جسمه الحرشفي الأسود الثقيل شاقًا طريقه نحو قصر مملكة "إيراستا".

الأفق يبتلع الشمس رويدًا رويدًا والشمس تلفظ آخر أنفاس أضوائها الحمراء الساخنة و تلون بها الوسط حولها، وتأخذ بعض الآشعة الحمراء الوهنة مسارًا وتلقي بنفسها على واجهة قصر إيراستا فتومض حجارته الذهبية وتتألق.

تحرك الملك آزاد" ذهابًا وإيابًا في غرفته الواسعة ذات الطلاء الذهبي الداكن و هو عاقدٌ يديه خلفه بقلق مضمر، و ذف نعليه يجوب المكان برنة و ازعاج

عَلِم مالذي ينقذه في هذه الحالات عندما تحتشد الهواجس في عقله، ويتملك القلق والتوتر جسمه فيتصرف كل عضو فيه على نحو غير طبيعي، فقصد بسرعة طاولة مستطيلة ذهبية أيضًا، مواجهة لفراشه، عليها إبريق نحاسي وبعض الكؤوس تحيط به في دائرة.

أمسكت يده -بعد أن تنهد -كأسًا و اليد الأخرى الأبريق، وصبَّ منه النبيذ، ثم أراقه بأكمله على فمه فتبعثر على لحيته السوداء متوسطة الطول، فبكُم عبائته الكحلية التي يخالط نسيجها بعضًا من اللون الذهبي، ويتوسطها حزام قماشي أزرق اللون، أزال ما عَلِق على فمه ولحيته.

ثم الكأس الثانية فالثالثة

مرت دقيقة

اثنتان

و بدأ الخدر بالسطو على عقله، فوقف مترنحًا بجانب الطاولة، و صب كأسًا أخرى و ذهب إلى شرفة غرفته يوقع على مغيب الشمس، ينظر للشفق و تأتيه ركضًا ذكرى قتله لأخيه بيديه العاريتين، يتذكر تلك النظرة المستعطِفة على وجهه و حبات الدموع في مقلتيه، و الشعيرات الحمراء المنتفخة في عينيه، تذكر رجاءه له و صرخاته المستنجدة، وصوت احتضان الماء له، والسكون المقيت القاتل الذي عمَّ بعد سقوطه، أراق الكأس الثانية على فمه بقسوة و أجهش للبكاء وهو يضغط على الكأس الفارغة بألم التي تحتفظ على جدرانها الداخلية ببعض قطرات النبيذ حتى كاد يذوب بين أصابعه، هطلت دموعه لتمتزج مع آثار النبيذ على لحيته، نظر للأفق الذي يسحب الشمس بداخله ، قال وهو يغلق عينيه بقوة ليزيح ماتبقى فيها من دموع

- لم أكن لأتخلى عن شيء من أجلك "رئبال"، لقد عانيت لأكون المستحق أمام والدنا، ولأظفر بهذا المُلك، خضت المعارك والحروب بعظام لينة، و وخزتني النصال بينما كان جسدي وهِنًا، أتظنني متخلٍ عن هذا، لا يا رئبال" لا.

سم رئبالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن