البداية.. حكاية أمينة (الفصل الحادي عشر)

413 33 19
                                    

البداية (حكاية أمينة)

الفصل الحادي عشر - بقلمي منى سليمان

* حبل الذكريات *

أمام البيت الصغير الدافئ الذي جمعهم بالماضي توقف عبد الله وترجل من سيارته ليُساعد شقيقته فنزلت بصعوبة بالغة نظرًا للكسور التي لحقت بإحدى قدميها... لم تقدر على السير بمفردها فقدم إليها عكاز والدها لتستند عليه، فقد وضعه سلفًا بالسيارة ليُعطيها إياه وقت خروجها من المشفى لكنها أُخرجت على كرسي مُتحرك وبعد ذلك حملها شقيقها ووضعها بالسيارة... وقفت منال تُطالع العكاز في صمت بعد أن طاردتها الذكريات التي جمعتها بوالدها، كما استعادت القسوة التي كانت تعامله بها فاهتزت قدمها قليلا وكادت أن تسقط فأسندها على الفور وحال دون وقوع ذلك وهكذا سدد إليها الزمان صفعة جديدة فبالنهاية عادت لبيتها الحقيقي ولم يسندها ويساعدها سوى أهلها.

- لو مش عايزة تستخدمي العكاز هشيلك عادي.
- لا هستعمله.

استخدمت العكاز ودلفت إلى الداخل بمساعدته، فقد خاف أن تسقط لذلك رافقها كظلها حتى مرت من باب البيت ودلفت إلى الشقة التي غادرتها مُنذ أربعة عشر عامًا ولم تعد إليها إلا اليوم... تفقدت المكان بعينيها ولم تجد في أركانه سوى اللحظات التي عاشتها بين أب حنون وأم طيبة وأخت نقية وأخ كان ومازال لها الأمان لكنها تناست كل ذلك في الماضي وركضت فقط خلف طمعها وظلام قلبها.

- أنا نور.

سرقها الصغير من غفلتها فنظرت إليه ورأت والدها في ملامحه لذلك صمتت لكنه لم يفعل بل تابع: هتروحي أوضة جدي زي أمينة وتحبسي نفسك ولا هتقعدي عادي معانا؟

تدخل عبد الله وقاطع حديث ابنه: بطل رغي يا نور وروح على أوضتك.

- حاضر.

ابتعد الصغير فوجهت غالية نظراتها نحو منال وقالت: أوضتك جاهزة، أنا على طول بنضفها وأكيد هترتاحي فيها.

نحو غرفتها القديمة مضت بخطوات بطيئة وعندما دلفت إليها وجدتها كما تركتها ذلك اليوم ولم يتغير فيها أي شيء... على حافة الفراش جلست وبمساعدة شقيقها رفعت قدميها وأراحت جسدها، بينما اتجهت أمينة نحو الشباك وفتحته وهكذا أتت الفرصة التي انتظرها سيد ورأى أمينة بذات اللحظة التي وصل فيها أمام البيت، ولكنها ابتعدت سريعًا عن الشباك دون أن تنتبه لوقوفه على مقربة من البيت فتألم سيد لأن ظمأه لم يرتوي، فاللحظة التي رأها فيها لم تروي عطش قلبه المشتاق إليها... ظل واقفًا بأرضه لقرابة نصف الساعة علها تطل عليه من جديد وعندما فقد الأمل غادر وانطلق بلا وجهة، ظل فقط يجوب الشوارع وبداخله أمنية وحيدة لا يُمكن تحقيقها إلا إذا عاد إلى الماضي وصحح كل ما فعله لذلك ستظل أمنيته حبيسة قسم الأماني المستحيلة.

***

غفت منال أو هكذا اصطنعت لكي لا تتحدث معهم بعد أن ازداد بداخلها الشعور باحتقار الذات، بنفس اللحظة دلفت غالية إلى الغرفة حاملة صينية الطعام وعندما وجدتها نائمة وضعت الصينية بالقرب من فراشها ثم تحدثت إلى أمينة بصوت منخفض.

البداية - منى سليمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن