والتقينا (1)

2.2K 46 11
                                    

والتقينا
1 _أول لِقاء.

نسمةُ ريحٌ طيبةً هَلَّتْ، باردةً مُنْعِشة تترعُ فؤادِ المرء بالسرور والانتعاش، تطاير علىٰ إثرِها وريقاتُ الشجر اليابس التي تساقطتْ فوقَ الأرضْ، زقزقةَ العصافيَّر تطربُ الأذان وهي تحوم حول إحدى المساجد، الشمس لم تتكبد عِنان السماء، لكن ضوء الصباح ملأ الأفق بلونٍ جميل مريحٌ للنفس.
برز شاب علىٰ أسكفة المسجد، يرتدي حذاءه الامع السواد، ولسانه يُردد بخشوع بعضُ الأذكار، وانتصف واقفًا وقد أسبل جفناه ملتقطًا نفسٌ عميق من هواء الصباح ماليئًا به رئتيه، وزفره بتمهل، ولسانه لا ينفك عن ذكر الله، وعبر باب المسجد بخطوات هادئة رصينة، ثم أوقفه صوت طفلٍ صغير يقبل من داخل المسجد، صائحًا :
_ أخي بلال، انهاردة في تسميع؟
فأفتر محياه الأسمر عن بسمة رائعة، وهو يؤمأ برأسه قائلًا بوجهه الصبوح :
_ طبعًا يا عمرو في موعدنا، فأحفظ حلو وإلا ...
فضحك الصغير، وهو يقول مداعبًا وقد كان خفيف الظل، حلو الدعابة :
_ بلال، يا أخي وإلا إيه؟.. أنت مش بيهون عليك تزعق حتى فينا، هقعد احفظ انا والعيال لحد ما تيجي.
_ تمام يا عمرو، وبلاش مشاغبة.
انصرف بلال متوجهًا إلىٰ سيارة لقمة عيشه، واستقلها وهو يذكر الله بصوتٍ مسموع، وأدار محركها منطلقًا بها، وهو يدعوا الله التوفيق، وفتح باب الرزق من أجل عائلته التي يعولها، لم يكن عمله كـ سائق لإنه فاشل حاشاه..
لقد تعب وكد حتى حصل على شهادة الهندسة لكن بدون واسطة في هذا الزمن يجعل المرء مركونًا على رف النسيان والأهمال، فلم ييأس وها هو ذا راضيًا بما كتبه الله له، المهم هو راحة النفس، ورضى القلب، ودون ذلك فلا يهم.

♥ سبحان الله ♥

( بصي يا ماما، مش دي إسراء اللي بتيجي على التلفزيون؟)
هتف بها طفلًا صغير مهللًا داخل ذلك النادي الشهير في قلب القاهرة، واستقبلت النجمة ( إسراء) الهتاف بفرحة غامرة وهي تبتسم بإشراق له، فسارت نحوه وهي ترفع نظارتها فوق رأسها الأسود الحرير المنسدل بنعومة فوق ظهرها، أنفها دقيق رقيق صغير، وجهها مستدير منير كالقمر، عيناها واسعتان براقتان تظللهما رموش سوداء طويلة، أمَّا لونهما فهما سر جمالها، فقد كانتا بنيتين لامعتين على الدوام.
قدها نحيف، وقامتها قصيرة لم ينقصان من جمالها البراق شيء، سلّمت علىٰ الصغير وعانقته بمودة، وصافحتْ والدته وألتقطت معهما بعض الصور، ثم أخذت تعدو خارج النادي لتتابع ركضها بعيدًا عن ضوضائه، وبينما هي تعدو، غافلة عن عينين ترصدانها رصدًا من داخل سيارة مغلقةً النوافذ فلا يظهر من يقودها والتي تحركت رويدًا رويدًا وراءها، توقفت إسراء تلتقط أنفاسها وهي تتجرع بعض الماء من الزجاجة التي كانت في يدها، عندئذ تناهى لها صوت سيارة تقبل نحوها، فألتفتت سريعًا و تقهقرت مبتعدة من أمامها وهي تغمغم :
_ إيه الغباء ده؟
لكن السيارة دارت حول نفسها، واتجهت نحوها، فاتسعت عيناها في ذَعر وارتياع، وركضت بكل ما اوتيت من قوة والسيارة تلاحقها، كان الطريق خالٍ في ذاك الوقت، فكانت تصرخ في انهيار مستنجدة دون جدوى، وحاولت مناورة السيارة وهي تبتعد يمنى ويسر وتركض في كل اتجاه حتى تيقنت أن سائق السيارة لا يبغي شيء إلا قتلها شر قتلة.
سقط في نفسها، وحَل الرعب قلبها، وهوت دموعها بكل خوف، وبينما هي تلتفت اصطدمت بها السيارة بكل قوة، فضُرب جسدها في مقدمتها ثم سقطتت جثة هامدة، وتوقفت السيارة ما أن تأكد صاحبها إنه صدمها، وفُتح بابها وكاد يترجل لولا تللك السيارة التي أقبلت.

♥ سبحان الله ♥

والتقيناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن