جلس يمسح يده من الدماء ، أخذ السكين من على الأرض بحذر ليمسح من عليها آثار الدماء تاركًا الجثة تغرق فى دماؤها.
تركها لينزل إلى صالة القصر وأخذ يتجول بين المدعوين وكأنه واحد منهم ، ينظر شمالًا و يمينًا حتى ترك القصر.
تعالت أصوات الراقصات والموسيقي والضحكات
وأنشغل جميعهم فى الحفل ولم يدرك أحدًا وقوع جريمة قتل في تمام الثامنة.
*****.
قبل الجريمة بأربع وعشرون ساعة.
يوم الاثنين 5 أيلول عام 1520 م وقت إحتلال العثماني لمصر.
نزلت جولنار على درجات السُلم متجهه إلى شرفه القصر لتتناول فطورها مع عائلتها الاستقراطية ذات نفوذ و سُلطه سياسية ، وضعت الخادمة الطعام على الطاولة وتجمعت الأسرة حولها المتكونة من أب و أم و ثلاث فتيات وهما خديجة الكبرى ، جولنار الوسطى و حفصة الصغرى.
بدأت طقوس الطعام للأسرة وبدأ الأب صدقي باشا بالحديث قائلا:
- بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، نحمد الله على هذه النعمة من الطعام والبيت وعلى هذا التجمع الدائم ، نسأل الله عز وجل ألا يُزيل نعمتهُ علينا.
ردت الأم والفتيات بكلمة آمين وبدأوا فى تناول
الطعام.
بعد الإنتهاء من فطورهم جاءت فاطمة بنت الخادم التابعه و المسؤولة عن خدمة جولنار وقالت لها فى تخفى وصوت منخفض
- غسان باشا فى إنتظارك ياسيدتى فى نفس المكان.
نظرت جولنار حولها و إلى أسرتها التى إنشغلت عنها في الأصل ، أخذت خطواتها ببطء إلى سور الحديقة من خلف القصر لتذهب وترى حبيبها بعيدًا عن أنظار أحد ، ذهبت إليه و أحتضنتهُ بعشق وقالت:
- ما الذي أتى بك إلى هنا ، ألاا تريد أن يفعل والدى مثل المرة الماضية!
(غسان شاب ذو الثلاثون عامًا ، نحيل الجسم طويل الهيئة ، ذو شارب قصير ومميز)
= لا يهمنى كل مايهمنى هو انتِ.
نظرَ لبعضهم البعض ثم أمسك يديها قائلاً:
- سمعت أن ولدكِ يقيم حفلًا غدًا هل هذا صحيح؟.
= نعم هذا صحيحًا ، إحتفالاً بربح تجارة والدى مع تجارة العثمانيين.
ثم وضعت يدها فى جيبها و أخرجت دعوة وقالت:
= سوف تبدأ الحفلة فى السابعة سأنتظرك ، لابد أن أذهب الآن والدى بالطبع يبحث عني.
همت جولنار بالذهاب وعادت إلى القصر ، استقلبها والدها فى دخولها وقال:
- أين كنتِ ياابنتى بحثت عنكِ فى كل مكان!
= كنت استنشق الهواء فى الحديقة.
- إجلسى.
جلست جولنار بفستانها ذهبى اللون مع شعرها البنى وعيونها بنيه اللون وبشرتها القمحاوية ، ضمت يدها وقالت:
= افندم والدى ، ما الأمر.
- لا شىء ياعزيزتى ولكنى أخشى عليكِ من غسان هذا.
= لا تقلق أصبحت كل البُعد عنه.
- حسنًا والآن لدى ماأقوله بخصوص الحفل وسوف نفتح باب القصر فى تمام السادسة ، كِبار الشخصيات والنبلاء سيأتون.
ثم التفت إلى مكتبهُ وجلس على كرسيهِ وفتح دفتره وأكمل حديثهُ :
- بالطبع تعرفين لماذا نقوم بمثل هذا الحفل الضخم.
ردت جولنار فى سرعة:
= نعم اعرف.
قامت من مكانها وقالت:
= مبارك لك يا والدى ، سوف أذهب الآن.
سمح لها والدها بالذهاب و صعدت إلى غرفتها و كانت خديجة فى إنتظارها ، دخلت جولنار ومع غلق الباب تحدثت خديجة:
- ألم يمنعكِ والدكِ من رؤية غسان؟!
نظرت لها جولنار و إتساعت عينيها ذهبت لها وامسكتها من ذراعيها وقالت:
= من قال لكِ!
نزعت خديجة يدها واستدارت قائله:
- لم يقول لى أحد بل عيناى رائتكما.
تحدثت جولنار بصوت هامس به شي من التهديد
= حسنا لم يعرف والدكِ أى شىء عن هذا أسمعتى!
- نعم سمعت.
لمحت خديجة دفتر المذكرات على المكتب وفوقه خِطاب دققت عينيها فى النظر وأستدارت مرة أخرى لها لتحدثها وجها لوجه:
- أرى غسان غدًا فى الحفل.
ثم وضعت يدها على فمها وأكملت:
- ياخبر أقصد اراكِ غدًا فى الحفل.
ضحكت ثم تركتها وذهبت ، جلست جولنار على حافة السرير ، طرقت فاطمة على الباب و همت لها بالدخول
- أعذريني سيدتى ها قد أتى فستانك من أجل الحفل.
= أين هو.
دخل مصمم الأزياء شاهين أفندي قائلًا:
- سيدتى أعذريني ها انا هنا ، تفضلى.
إستلمت منه الفستان ذو اللون الأحمر و سمحت له بالذهاب وأسرعت فاطمة بالنداء على باقى الخادمات.
البسوا جولنار الفستان ووضع لها الخادمات الزينة مثل الحلق الفضى المطلى بالذهب والخاتم ذو الأحجار الكريمة النادره.
تحدث فاطمة بالنيابة عن باقى الخادمات:
- اعذرينا ياسيدتى هل لكِ أى أمر آخر !
نظرت جولنار إلى المرآة و قالت:
= امممم أعتقد لا ، هذا يكفى.
- حسنًا سيدتى سوف نهم بالرحيل الآن.
= إبقى يافاطمة أريدك .
انتظرت جولنار حتى خرج باقى الخادمات وأُغّلق الباب وقالت:
= خديجة قالت لي أنها رأتنا اليوم أنا وغسان.
- ياإلهى وما العمل الآن سيدتى!
تحدثت جولنار و هى تسير أمام المرآة ذهابًا وايابا تفكر:
= لا أعرف ما العمل الآن ، ولكنِ سوف أعرف هل تكذب أم لا.
- سوف أذهب الآن سيدتى أعذريني ، اوه صحيح نسيت هذا خِطاب من السيد غسان.
أخذت جولنار الخطاب من يدها وسمحت لها بالخروج ، جلست على كرسى المرآة وفتحت خطابها
" غدًا سأنتظرك أمام شرفة القصر لنرقص أمام الجميع ليعلم الجميع و يشهدوا على حبنا "
ضحكت جولنار واستنشقت رائحة الجواب التى بها رائحة غسان.
*****.
قبل الجريمة بأربع ساعات
يوم التلاثاء 6 أيلول عام 1520 م
تجلس جولنار فى حديقة القصر تتناول قهوتها سمعت صوت أنفاس تأتى من بعيد و صوت أقدام تجرى إليها نظرت وراءها لمحت فاطمة تجرى وتقول:
- س س سيدتى أعذريني .
وقفت أمامها تأخذ أنفسها ثم أكملت
- هذا خطاب من السيد غسان يعتذر منك عن عدم قدومه اليوم.
أخذت جولنار الخطاب بعصبية و تطلعت عليه ثم قالت لها:
= أين هو!
- لابد أنه تحرك الآن.
= إلى أين !
- لا أعلم.
لمت فستانها و أخذت تجرى فى الحديقة على أمل أن تراه ولكن بلا فائدة ، ذهبت إلى غرفتها و بدأت تبحث عن دفتر المذكرات مع بحثها دخلت خديجة ووقفت أمام الباب وقالت:
- أتبحثين عن هذا!
إتجهت نحوها وأخذته من يدها بغل وقالت:
= إياكِ ياخديجة، لا تعبثي معى.
- حسنًا ولكن لا تغضبينى الآن أصبحت أعلم أسرارك.
= لا أعلم ماذا فعلت لكِ لكى تبغضينى كل هذا الكره.
تقدمت خديجة نحوها وأخذت جولنار ترجع بخطواتها إلى وراء وقالت:
- لا أعلم ولكن من الأحسن أنى لا اراكِ مجددًا.
تركتها ثم ذهبت.
*****.
قبل الجريمة بساعة
تقف جولنار أمام المرآة وحولها الخادم ، ترتدى فستانها وتضع زينتها و تكحل عيونها و تصفف شعرها بما يليق للحفل ، انحنوا الخادمات لها وهموا بالرحيل و طلبت من فاطمة البقاء وقالت:
- أرأيتِ غسان؟
= أعذريني سيدتى ولكنِ لم أراه.
- يمكنكِ الذهاب الآن.
جلست جولنار على حافة السرير تفكر و من ثم قاطع حبل أفكارها أصوات المدعوين و ترحيب والدها الحار لهم.
نزلت جولنار وقدمها والدها إلى التاجر العثماني وقالت:
- أنا جولنار.
ثم مدت يدها لتصافحه
قام بتقبيل يدها وقال:
= أهلًا يا هانم أنا آيار العثماني.
إبتسمت له وقالت:
- المكان مكانكَ سيدى وأتمنى أن تحظى بليلة سعيدة.
تركته وأتجهت إلى باقى المدعوين لتسلم عليهم ، تمشى مثل الأميرات بفستانها الاحمر و زينتها.
تجولت خديجة فى الحديقة بفستانها الأبيض مع أختهم الصغرى حفصة والتى كانت ترتدى فستان الأصفر ، يتجولون لإستقبال المدعوين.
بدأت الاعداد تتزايد والأصوات تعلو ، يلف الخدم على المدعوين يقدمون الحلويات و المشروبات ، قدم واحد من الخدم مشروب لجولنار التى كانت تبحث عن غسان بين الحاضرين بعيون حزينة برغم إبتسامتها للمدعوين إلا أن قلبها يشعر بالإحباط.قبل الجريمة بدقائق.
تشرب جولنار مشروبها ، تعثرت اقدام أحد الخدم فيها قام أعتذر لها أحست جولنار أنه غريب الشكل لم تلاحظ وجوده من قبل ، قام الخادم واخذ يتجول بين المدعوين ليقدم لهم الحلويات ، لمحت جولنار ورقة متروكة مكان الخادم أخذتها وفتحتها
" انتظريني فى غرفتك "
أسرعت جولنار فى خطواتها التى قادتها إلى غرفتها فتحت الباب ولكنها لم ترى أحد أخذت تنطق بإسم غسان وتبحث عنه.
أغلق الباب وظهر شخص غريب الملامح و أخرج من وراء ظهره سكين ، تراجعت جولنار وقالت:
- من أنت؟
تقدم أكثر منها و أظهرت السكين لمعانها فى ضوء القمر والذى كان بدر متمم هذه الليلة.
تراجعت جولنار أكثر حتى إنصدم ظهرها على خزينة الملابس لا مفر الآن ، ماذا عساها أن تفعل ، هل تستلم لموتها!
أخذت تنادى على فاطمة أو والدها ولكن صوت المدعوين أعلى من أن أحد يسمعها.
تهجم الشخص عليها ووضع يده على فمها ليكتم صوت صراخِها ثم طعنها ، افتتحت عيونها على مصراعيها ، دق صوت الساعة ثمانية ، أخرج السكين وادخلها مره آخرى ولكن بقوة أكبر.
إنقطع أنفاسها و أخرج السكين لتسقط أمامه جثة هامدة.
أنت تقرأ
في تمام الثامنة
Short Storyجلس يمسح يده من الدماء ، اخذ السكين الملقى على الأرض بحذر ليمسح من عليها آثار الدماء تاركًا الجثة تغرق فى دماؤها. تركها لينزل إلى صالة القصر وأخذ يتجول بين المدعوين وكأنه واحد منهم ، ينظر شمال و يمينًا حتى ترك القصر. تعالت أصوات الراقصات والموسيقي...