الحلقة الرابعة

23 5 4
                                    

الخميس 1 أيلول عام 1520 م
في الصباح الباكر نزل الفتيات الثلاثة على السُلم ليستقبلهُن والدَهُن ، تقدمت الكُبرى خديجة وإنحنت على يد والدها  لتقبلها ثم جولنار ثم الصغرى حفصة.
جلست الأسرة على طاولة الطعام و بدأت طقوس الأب المعتادة  على طاولة الطعام و يتردد كلمة آمين وراءه.
قطع صدقي باشا قطعة من البيض وقال:
- عقدتُ صفقة كبيرة مع العثمانيين و بإذن الله تجارة رابحة.
ردت الام:
- مبارك لك زوجي العزيز.
ردت خديجة:
- مبارك عليك ياولدي.
إبتسمت حفصة الصغري و ظهرت في أسنانها آثار تبديل الأسنان ، وجهه والدها الحديث إليها:
- هل أُعجبتِ بالآمر ياحفصة؟
- نعم رائع.
ضحك الوالد و نظر إلي جولنار قائلًا:
- لم أسمع منكِ تهنئة.
- والدي أتضع يدك في يد الإستعمار؟ عار عليك.
قامت جولنار لتذهب إلي غرفتها و ينادي والدها عليها ولكنها لم تُجيب.
ذهبت إلي غرفتها ثم طرق الباب خمس طرقات متتالية و سمحت لفاطمة بالدخول
" خمس طرقات متتالية علامة مميزة بين فاطمة و جولنار"
- سيدتي ماذا فعلتِ؟
- أيعجبك هذا ؟ نضع يدانا في يد المستعمر !
- هذا آمر ألهي و ماذا نحن بفعلين؟
- يجب أن لا نستسلم أبدًا و لو السيوف علي رقبتنا.
  نظرت جولنار إلى النافذة ثم أكملت :
- فاطمة بعض الشاي.
إستعدت فاطمة للذهاب وإنحنت ، جلست جولنار على مكتبها و أخرجت مذاكرتها ووضعت الريشة فى الحبر أمامها و كتبت
" الآن أصبح والدي تابع لهم"
أغلقت مذاكراتها و قامت وأتجهت إلى الحديقة جلست تستمتع بالشاي مع أشعة الشمس.
                                    ******. 
مَر حارس الزنزانة على الفتيات و الفتيان ليستفيقوا و يبدأ موعد الفطار.
قامت جميلة متعبة مهلكة من نومها على الأرض بجانب الفتيات.
وقفت فى صف طويل أمام الحمام ، و كذلك صف الفطور.
تقدمت جميلة إلى الرجل الذى يضع لهم الفطور ، أمسكت جميلة صحن من الخشب و معلقة كذلك من الخشب ، نظرت إلى الصحن الذى كان يُضع فيه معلقة صغيرة من الأرز و قطعة صغيرة من اللحم.
جلست مع فتاة " الفتاة الأولى من الحلقة السابقة " و بدأت فى طعامها معلقة وراء معلقة حتى قالت الفتاة:
- انتِ جديدة هنا أليس كذلك؟
أوقفت جميلة طعامها و بدأت عينيها تمتلئ بالدموع و قالت:
- نعم.
مدت الفتاة يدها  لها لتصافحها ثم قالت:
-  بلقيس.
صافحتها جميلة و قالت:
- أنا جميلة.
- اتعلمين أنا لستُ من هنا أنا من اليونان الأصل و لكنِ أتيتُ إلى مصر مع الأسطول العثماني.
( ملامح بلقيس غربية الشكل ذات شعر اصفر لامح وعيون زرقاء وبشرة بيضاء ، رفيعة الجسد رقيقة الشكل)
ظهرت الدهشة على وجة جميلة و قالت:
- كيف؟
- مع غزو العثماني لبلادى كانوا جنود الإنكشارية بقيادة العثمانيون يقتحمون القرى يدمروها.
لمعت عيونها بالدموع ثم أكملت:
- يآخذونا آسري و تُقدم الأجمل منا الى السلطان العثماني و باقى الفتيات تُرَحَّل إلى باقى الدول.
تنهدت و قالت:
- تركت بيتي و قُتل والدى أمام عيني بسبب دفاعه عنى ، قتله الإنكشاري أمامى حتى يقدموني سلعة للملك العثماني أو خادمة فى أحد البيوت الثرية.
وضعت جميلة يدها على يد بلقيس لتطيب بخاطرها إبتسمت بلقيس لها وإبتسمت جميلة هى كذلك ثم قالت جميلة:
- أنا أيضًا لا أنتمى لهذا المكان و لا لهذا العصر .
قاطع حديثهم حارس الخزانة و هو يمر على طاولة طاولة ويقول:
- إنتهى موعد الفطور إلى أماكنكم
قامت جميلة و بلقيس ووقفوا فى صف الفتيات ، أصبح صف من الفتيات و صف من الفتيان.
نظرت جميلة حولها و نظرت إلى صف الفتيان لتلتقط عيونها بعيون ذلك الشاب.
                                   ******.
ذهبت فاطمة إلى جولنار و إنحنت لها و قالت:
- سيدتي والدك فى إنتظارك فى غرفتك.
- حسنًا يمكنكِ الذهاب الآن
تقدمت جولنار إلى غرفتها و فتحت الباب و دخلت فى نرفزه و غضب ثم أغلقت الباب بأقصى قوة لديها و قالت:
- هل دعوتنى؟
- نعم.
جلس والدها ثم قال:
- إجلسِ.
- لا لن أجلس أمامك بعد اليوم.
ثم وقفت أمام النافذة و وجهت ظهرها إلى والدها بفستانها أخضر اللون الرقيق ، تقدم والدها نحوها وقال:
- إبنتي ما كل هذا الكره لهم.
- والدى أتضع يدك فى يد الإستعمار؟
- التجارة بيننا ليست تجارة سيوف بل تجارة قماش أليست تجارة رابحة؟
- إنتهى حديثى الآن من فضلك.
  استدارت و إنحنت إلى والدها و رجعت تنظر إلى النافذة و سمعت  صوت إغلاق الباب.
                               *******. 
مع وقت غروب الشمس طرقت فاطمة الباب و سمحت لها جولنار بالدخول و التى أبلغتها بقرار والدها
عدم إنصات الخدم لها و خدمة نفسها بنفسها ، عدم السماح لها بالنزول إلى أى مكان ، الجلوس لها فى غرفتها لفترات طويلة و السماح لها بالنزول فقط وقت الطعام.
أشعلت النيران فى نفسها و لملمت فستانها و أخذت تجرى على درجات السلم تبحث عن والدها فى الشرفة  و الحديقة ثم صالة الطعام حتى و جدته فى مكتبه.
فتحت الباب لم يهتم بها والدها الذى يجلس على مكتبه ، دخلت و أغلقت الباب وراءها وقالت فى سخرية:
- أتسمى هذا عقاب؟
- أليس هذا عقاب؟
إرتفع صوت جولنار و قالت:
- أهذه القيم التى علمتها لنا؟
دخلت خديجة و قالت:
- لمَ ترفعِ صوتك على والدك؟
تقدمت إليها جولنار و قالت فى صوت مرتفع:
- ما دخلك أنتِ الآن؟
- ألمَ تتعلمِ إحترام الكبير!
صفعتها جولنار على وجهها راحت خديجة أمسكتها من شعرها ليبدأ الشجار بين الفتيات ، إرتفع صوت والدهم الذى قال:
- خديجة سوف تنالِ نفس عقاب جولنار.
نظرت لها جولنار  و هى ترتب شعرها و تعدل فستانها ثم ندهت على فاطمة التى جاءت إليهم و نظرت إلى أسفل و قالت جولنار:
- إذهبِ إلى غرفتى و جهزى لى أغراضى.
ثم نظرت إلى والدها وقالت:
- سوف أذهب إلى خالتى فى الشمال الغربى.
ظلت فاطمة واقفة فى مكانها لا تتحرك ، نظرت لها جولنار و قالت:
- لماذا أنتِ هنا؟
- أعذريني سيدتى.
قاطع والدها حديث فاطمة وقال:
- من الآن تستطيعى أن تخدمِ نفسك بنفسك.
نظرت لهم جولنار ثم تنهدت و ذهبت إلى غرفتها ، طلع والدها إلى غرفتها و أخرج من جيبه مفتاح ليغلق عليها الباب ، سمعت جولنار صوت غلق الباب راحت إلى الباب و أخذت تفتحه و تطرق على بابها ولكن بلا جدوى.
                                ******.
فى مساء يوم الخميس كانت تجلس جولنار على مكتبها و تكتب فى مذاكرتها سمعت صوت أشخاص يأتى من أسفل ، وقفت فى النافذة تراقب المشهد الذى يستقبل والدها أشخاص لم تراهم من قبل.
إستقبل صدقى باشا ضيوفه و رحب بهم و دخلوا إلى مكتبه ، جلسوا و بدأ صدقى باشا بالحديث:
- أهلًا وسهلًا بكم ، أتمنى أن تكون تجارة رابحة.
يهز آيار التاجر العثماني رأسه ثم يقول:
- نقرأ الفاتحة على إتفاقنا.
صدق الضيوف ثم قال شوكت باشا:
- سيدخل القماش الحريرى عن طريق السفن و ستكون أنت الموكل الوحيد لنا فى السوق المصرى.
- سيدخل القماش إلى مصنعنا و الربح لنا ولكم.
- ولكن أعذرني ياسيدى هناك صفقة أخرى أريدها.
- ما هى شوكت باشا؟
- إبنتك الكبرى خديجة.
تحولت ملامح صدقى باشا وقال:
- أتعتقد أن بناتى تكون صفقة؟
- لا اقصد هذا بل أريد الزواج منها.

في تمام الثامنةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن