الفصل الرابع 🧡

10 0 0
                                    

قراءة ممتعة ❤
شعرت بأنَّ الدماء تنسحب من أطرافها وهي تري الطبيب قادمًا مع والدته ووالده في آخر الرواق.. رجعت تختبىء وراء الجدار وبدأت ترتعش لا تعلم كيف تنقذ نفسها من الخطر الذي يحوم حولها ولا استطاعة لها بمقاومته..كأنَّ القدر في صفها هذه المرة حيث أنقذتها مَن كانت تزجرها مُذ ستون دقيقة .. صيحة بإسم والدتها جعلتها تقف وتلتفت لها فغمزت للأخرى بأن تدخل المرحاض المواجه للرواق .. بالفعل أسرعت للذهاب وهي تتنفس الصعداء وتبتسم بامتنان لفعلة رهف .. كم تتمنى في تلك اللحظة لو كلَّ ما مضى ينمحي ولم تمر يومًا على حياة باهر .. الشاب الذي انقلبت حياته رأسًا على عقب بسببها .. استمعت لصوت أقدامهم بالقرب من باب المرحاض فأخذت نفسًا طويلًا حتى تحركوا جميعًا من أمامه بل من الممر بأكمله بعد ثلاثون دقيقة .. خرجت لتفر هاربة كمَن ارتكب جُرمًا ..  وفي ممر المشفى وجدتها تنتظر في هدوء .. جلست أمامها تشكرها بابتسامة مذبذبة لكن الجمود الذي على ماهية الأخرى جعلها تضب معينها وتستمع: 
مش عشانك .. ساعدتك علشان باهر وبس وميضعش كل حاجة كفاية اللى ضاع مننا .
اغرورقت بالدموع وقالت نادمة: 
مكنش قصدي أجرُّه لكل ده .
هزأت ساخرة وهي ترفع طرف شفتيها ثم : 
ولا قاصدة .. هو مش عيل صغير ضربتيه على إيده .. بس قسمًا عظمًا لو قرَّبتي منه تانى لهكون أنا اللى مبلَّغة عنك المرة الجاية. 
أماءت برأسها وقامت سريعًا من أمامها تمسح دموعها بينما رهف أخذت تستغفر الله في سرها وهي تتنهد: 
فينك يا بيان أنا مخنوقة بجد .
بعدها بما يقرب بساعتين نظرت مصدومة لقول رحيل وسألتها بحرج: 
رحيل أنا عارفة الحالة اللى انتي فيها بس أبدًا متشيليش نفسك ذنب اللى حصل لباهر .
جلست رحيل مجاورة لبيان وقالت بنبرة متألمة:
بالفعل يا رهف احنا السبب لو مكنش عثمان التفت عن الطريق مكنش ده حصل .. لو مكناش اتخانقنا واحنا على طريق مكانش ده حصل .. غصبًا عني كانت أعصابى بايظة وعايزة أأجل الفرح لكن هو كان ظبط كل حاجة .. مكنتش أبدًا جاهزة للخطوة ديه وهو مقدرش يفهمني .. كل حاجة حصلت في ثواني وآخر نظرة كانت لعثمان وأنا بصرّخ فيه ياخد باله من العربية اللى قدامنا .. أنا بالفعل سبب فى اللى حصلهم هما الاثنين .. خليني أكفَّر عن ذنب واحد منهم كفاية عليا ذنب شايلاه على كتفي اللى انحني.
بكت بشدة فجاورتها رهف مع مساعدة من بيان لتهدئة أعصابها وإفراغ كل ما بداخلها .. ابتسمت بوهن وقالت : 
كان نفسي أقابلكم أووى من زمان من ساعة وفاة ماما وأنا فاكرة طنط مايا وحنيتها عليا .. كان نفسي أشكيها وأقولها إن ماما سابتني بدري أووي وبابا هو الباقي ليا في الحياة كلها .. كان نفسي أقولها أنا مش عايزة عثمان .. مش عايزة من الدنيا غير حُضنها وحنيّتها عليا .. أحس بشيء من ريحة ماما فيها .. نفسي أساعدها هي وعمو مهند بس خايفة .
ربتت رهف على كف يدها وقالت بحنو: 
مش هنسيبك تاني يا رحيل اعتبريني أختك من النهاردة وباهر أخوكِ زىّ ما كان دايمًا مش كده ؟
شدّت على طرف فستانها الزهري وأماءت برأسها عن غير رضا.. أبدًا لن تعتبره أخيها .. هو الحبيب الذي حُفِر كلّ شيء متعلق به على جدران النابض داخلها .. اشتدّ بداخلها الشوق لتراه فأقبلت قائلة : 
معاد الزيارة فاضل عليه نص ساعة وأكيد الدكتور مش هيمانع لو روحناله دلوقتي صح ؟
ابتسمت وراءها بيان بخبث لرهف فانصاعت رهف لتأخذها إلى الطبيب لعد أن ودَّعت بيان على لقاء جديد .. أخذت ضربات قلبها تقرع كالطبول داخل صدرها وهي تتذكر ذلك الطفل الذي قارب على موعد بلوغه سن الشباب يبتسم لها بحنو وهو يخفي عنها انسدال دماؤه من كفِّ يده .. تتذكر تلك الورقة التي طُبِعت كلماتها داخل عقلها إلى الآن .. كلما تذكرتها تبتسم بعشق .. ها هي الآن أمام الغرفة القابع بها .. آهٍ على الألم الذي شقَّ صدرها فجأة وهي تراه من بعيد بتلك الأنابيب المخترقة جوفه حتى تمدَّه بالغذاء وهو في سباته المؤقت .. أمسكت دموعها من الهطول بعدما شعرت بكف رهف تحثها على الدخول .. خطوة يتبعها الأخرى بعدما ارتدت الملابس الواقية ووقفت تراقب ملامح الفتي الذي تغير لشاب في السادسة والعشرين من عمره .. اقتربت أكثر وأكثر حتى أصبح يفصلها عن وجهه بضع سنتيمترات فارتدّت فجأة للخلف بصدمة وهي تهمس باسمه تتذكر ذلك العابس في وجهها .. تتذكر فعلتها البلهاء .. تحاول تذكر صوته الخشن وملامحه الصارمة على عكس البراءة المرسومة أمامها الآن .. إنه هو .. كان أمامها ولم تشعر به .. ألهذا الحد تغيرت ملامحه ؟ وسؤالين ظلا يدورا في ذهنها وهي ترتجف قبل أن تخرج لرهف بوجه انسحبت منه الدماء وهما لِمَ قابلته قبل يومان واجتمعا الآن تحت سقف واحد ؟ لمَ تبتعد عنه وآخر ما رأته منه كان الدماء والآن هي السبب في ذرفه المزيد منها ؟؟؟؟؟؟
_____________

لثام القدر  " الفراق قدرى 2 "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن