الفصل الأول

197 1 1
                                    

-  الفصل الأول  -
" يالا يا عريس ديه لقطة so cute  "
ابتسمت لسعادتهما المرئية من نظرات عينيهما لبعض ، تنهدت بحالمية ككل مرة تري زوجين في حالة الهيام تلك وتمنت لو كانت يوما ما مكان إحدى العرائس وكانت هي أميرة الزفاف وموثقة اللحظات البريئة ، تجمع أصدقاءه لأخذ صورة جماعية لكن أحدهما كان منفردا يتحدث في هاتفة بجمود واضح من خلال تعابير وجهه التي تحسن قراءتها ، ناداه رفاقه لكنه أشار بأن تلتقط الصورة بدونه ، تبادل الجميع النظرات بينهما بخبث كأن تلك الفكرة راودت عقولهم في نفس الآنة فأشار لها العريس بالتقاط الصورة وبالفعل كانت أبدع ما يكون ، تفرق الجمع ولكن توقف لمفرده في نفس الموضع ليزج أحدهما مجاورة له تلك الفتاة ذات الملامح المبهجة والخجولة في آن واحد ، توسعت ابتسامتها لتشير له بأن يظهر نصاعة أسنانه إن أمكن لكنه كطفل بليد لم يستمع لأوامر معلمته فهمست بصبر وفير:
ممكن يا حضرة الضابط تبتسم علشان تحلي الصورة .
شعرت بحرج الفتاة التي بجواره فعلمت أن هناك خطبا ما بينهما يمنعه عن النظر إليها والابتسام بحفاوة لبراءة وجهها ولكنها فعلت ما لم يلحظه أحد إذ غمزت بعينها اليسري والمقابلة له فانفتح فمه بذهول من فعلتها الماكرة فبدت الصورة أنه يبتسم في الخفاء لكنها أفضل من العبوس ، هبطت من على الكرسي الذي يرفع من قامتها قليلا حتي تلتقط مرادها فحدقت داخل عدستها تبتسم على نجاحها لتلك الليلة ، اقتربت من العريس قائلة بعد ما لملمت حاجتها في نية للمغادرة:
السيشن هيكون جاهز خلال أسبوع إن شاء الله زي ما اتفقنا.
ابتسم لها وهو يشكرها لكن العابس استوقفها قائلا:
ممكن كلمة يا آنسة لو سمحت.
أماءت برأسها وذهبت معه فزمجر بها وهو يجذ على أسنانه يسألها :
ممكن أفهم ايه اللى انتي عملتيه ده !
استنكرت قوله ببراءة طفلة تنهي مصيبة افتعلتها عمدا:
أنا كنت بضحك خطيبتك المبوزة بسببك .. ربنا يعينها.
ثم تركته لخلايا عقله تستقبل قولها وفور وصول معني حديثها رآها تتهادي في مشيتها بفستانها الذهبي لتذهب لسيارة ما وتبسمت في وجه سائقها فأشاح عينيه الصقرية عن وجهتها وظل ينفخ بعصبية بالغة من ذلك الإتصال الذي أشعل لهيبا كان صامتا بداخله ، لكن أيقظه من لم يعتد غضبه بعد ، تنهد بثقل بعد عدة ثواني وذهب لأصدقائه يستمتع بلحظات قليلة قبل مغادرته إياهم للأبد كما ظن في تلك الآنة !
___________

جلست بالسيارة تبتسم على فعلتها معه كالبلهاء فلا تدري كيف ألهمها عقلها بذلك وأنه قطعًا ستنجح ، نظر لها عثمان المجاور فسألها في غموض:
ايه يا ترى سر الابتسامة ديه ؟
نظرت له تدرك أن فمها لا يزال مبتسمًا فضبت معينها بحرج وهي تجيبه:
لا متاخدش في بالك .. طرائف وغرائب كالمعتاد في جلسة التصوير .. المفروض تكون اتعودت ولا ايه ؟
أطلق نفسًا باردًا والتقط كفّ يدها الذي ارتعش تلقائيًا بين كفيه مصاحبًا لجحوظ عينيها وقال:
أتمني متنسيش إن فرحنا الشهر الجاي والمفروض تفضي نفسك الشهر ده لباقي التجهيزات.
انكمشت ملامحها فجأة وكأنها في هذه اللحظة فقط أدركت أنها ستُزف كعروس بعد ثلاثون يومًا ، كيف تناست منذ لحظات ذلك وتمنت الوضع الذي هي فيه ؟
ابتلعت ريقها وهي تنسدل بأصابعها التي تجمدت فجأة بين خاصته وضمَّتهم لنفسها تفكر في القادم وطريقة التأقلم ، وكان بحديثه ذلك يمنع بسمة بلهاء من الظهور لختام الليلة !
التفت لها للحظات قبل أن يرسل في الحديث:
سبت آيات عند خالي النهاردة علشان أعزمك على أكلة إنما ايه .. هتنسيكِ تعب اليوم كله.
ابتسمت مجاملة في محاولة لتلطيف صدرها بعد ما أصابتها نغزات الخوف من القادم.
بينما ذلك الغاضب ذهب إلى المشفي بعد ما أيقظ أحدهم الماضي المصفد في جنبات عقله، وعلى قدر الحنين فإن الغضب يكسر حاجز البلادة في ملامحه الجامدة للعيان ، كاسمه يبهر الجميع بتحولات انفعالاته في دقيقة واحدة ، رآها تقف أمام غرفة من أراد أن يحطم جمجمته ذات يوم ، لكنه بالفعل حقق له مراده في هذا اليوم ولكن لم يعتقد أنه سيرى هذا الكم من الحزن عليه في حدقتيها !
نظرت إليه بعد ما شعرت أنه بجانبها بمشاعر مضطربة وعينين احمرتا من طول مدة احتباس الدموع بها ، ضمت طفلتها لها أكثر كما اعتقد وهي تحملق به فارتعش جسدها أثرا لقبضته التي أحكمت الغلق حول كتفيها وأخذ يزمجر بها في عنفوان وشدة :
متحبسيش دموعك يا سندس .. عيطي .. صرخي .. متحبسيش حزنك..
خارت قواها فضمت نفسها والطفلة إليه فارتد خطوتين للخلف بعد ما تلقاها وأخذت تصرخ كاتمة إياه بين طيات صدره ، تيبس جسده وهو يدرك أنها بين أحضانه تبكي ، تضم نفسها إليه وتفعل مثلما قال لها ، لم يستطع الصمود أمام مشاعره فشدها إليه أكثر وبدأت قواه تشد عليها تضمها أكثر وأكثر ليعوض شعور ابتعادها عنه تلك السنوات وتناسي للحظات أنها لا تحل له ، أفاقت على صوت بكاء صغيرتها فباشرت تهدهدها وهي تبتعد عنه خطوة يليها أخرى وأعطته ظهرها لتمسح بقايا دموعها بألم لم تحب أن يراه يوما منها .
" ماذا بعد الآن ؟! "
قالها في نفسه حينما تركها تلملم شتات نفسها وهو في المقدمة ، التفتت تنظر إليه بعد ما تشربت ملامحها الصلابة وقالت بنبرة ثلجية:
ممكن تسيبني لوحدي شوية .. يستحسن إنك تمشي وشكرا على معروفك معايا .
حاول الاعتراض ببضع كلمات ملكومة ، تعزي روحه الفقيدة في سبيلها:
لكن انتِ في حالة ..
قاطعته وهي تضم صغيرتها لصدرها أكثر لتخفي معالم وجهها ومسقط بصرها عنه:
أرجوك يا ..
حروف أربعة تفرقت على طرف لسانها فلم تستطع نطقهم وهنا تفهم ما تعنيه بذلك ، يكفي إهدار لكرامته وتضحية ، أليس لقلبه عليه حق بأن يقلل من تشنجات الألم التي ترهقه !
ابتسم بجانب فمه وقال يبتلع ريقه بعد ما جف حلقه:
ماشي..لو عوزتي حاجة رقمى معاكي..مش كده ؟
تخضبت ملامحها بالحمرة والإحراج وهي تهز رأسها ادلاء بالرفض فضحك بداخله على المأساة ، أخرج هاتفه من جيب بنطاله وضغط على رقمها الذي نبذ صاحبته قبل دقائق فأصدر هاتفها رنينا هادئا وأردف:
أتمني تسجليه لوقت الحاجة .
ثم غادرها مخالفا أوامر الذي ينبض بداخله وهو يعدل من وضع جاكته وقميصه الذي ابتل بدموعها فظل يتحسس موضعها طيلة الطريق للخروج من المشفى بينما هي أخذت تتلوى من صليل المشاعر، نظرت لأثره بحزن شديد ثم حولت بصرها للغافى بمفرده داخل الغرفة التي كان لباهر فضل في أن يدخلها اليوم خاصة بعد تغاضيه أمام ما فعله به لكنه ساعده في نهاية الأمر .. فقط لأجلها !
تشرأب برأسه في صلابة مصطنعة ويبكي دامعا داخل صدره ، نظر لشائب الرأس بعد ما تقابل بعينيه مع خاصته وران الصمت للحظات قبل أن يخفض الكهل رأسه ويشكره بشدة ، رغم أن هذا ما أراد أن يحدث قبل مغادرته تلك البلاد إلا أنها لم تشفي غليل قلبه وشعر بجاثوم الغضب يحتل ملامحه ، تاركًا الواقف ينظر لأثره هو الآخر بعد ما ركب سيارته يتجه للمنزل حتي يعدّ حقائب السفر ، تذكرها وهي تضحك في وجهه بينما يبادلها النظر بحب وهو يسند وجهه على كفه فانتبهت له لتصمت ، ويا ليت صمتها كان من تحديقه بها ، لكن كان لمن يقف خلفه فدب الرعب لملامحها فأصبح يوم هناهم كيوم اختفاء النجوم كلها من الأرض !
هنا ضرب على المقود لمرات متتالية ولم يستطع كبح جماح غضبه بعد ما ثارت دواخله ولم ينتبه إلا على صوت الزمور القوى الذي تلاه صمت مؤقت !!
____________

لثام القدر  " الفراق قدرى 2 "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن