الفصل الحادي والعشرون : وصف القاتل

72 2 0
                                    

أعتقد أن ما كان يطلق عليه بوارو العنصر الإنساني قد بدأ في التلاشى من الصورة مرة أخرى في هذا التوقيت وكأن العقل لم يعد يتحمل هذا الرعب الخالص ومن ثم فقد كان هناك فاصل من الاهتمامات الإنسانية العادية فلقد كان يشعر الجميع باستحالة القيام بشيء حتى يصل الخطاب الرابع ليكشف لنا موقع الجريمة الخاصة بحرف دي ولقد أدى جو الانتظار إلى تخفيف التوتر وبعد أن أصبحت أمامنا هذه الحروف المطبوعة الساخرة على ورق أبيض مقوى فقد بدأ البحث مرة اخرى ، وصل المفتش كروم من سكوتلانديارد وأثناء تواجده هناك دخل كل من فرانكلين كلارك وميجان برنارد أوضحت الفتاة أنها هي أيضا قد أتت من بيكسهيل .
- أود أن أطلب شيئا من السيد فرانكلين .
يبدو أنها كانت حريصة جدًا على تبرير وتوضيح ذلك ، لاحظت هذه الحقيقة دون أن أعطيها قدرا كبيرا من الأهمية فقد شغل موضوع الخطاب ذهني عن التفكير في أي شيء آخر ولم يكن كروم حسب تصوري سعيدًا بهؤلاء المشاركين في هذه المسرحية فاصبح يتعامل بشكل رسمي محاید :
- سآخذ هذا الخطاب معي يا سيد بوارو إذا أردت أن تأخذ نسخة منه .
- لا ، لا ليس هناك ضرورة لذلك .
سأل كلارك :
- ما خططك أيها المفتش ؟ .
- خطط شاملة جدًا يا سيد كلارك .
قال كلارك :
- هذه المرة علينا أن نضع أيدينا عليه وأريد أن أخبرك بأننا قد كونا فرقة خاصة بنا للتعامل مع الأمر حلفا للأطراف المهتمة بالموضوع .
قال کروم بطريقته المعهودة :
- أحقا ؟
- أعتقد أنك لا تهتم كثيرا بالهواة أيها المفتش ؟ .
- لأنه لا تتوفر أمامكم نفس الإمكانات أليس كذلك يا سيد كلارك ؟ .
- إن لدينا مبرراً شخصياً للقيام بشيء وهذا شيء مهم .
- أحقا ؟ .
- أتصور أن مهمتك لن تكن سهلة جدا أيها المفتش في الحقيقة أتصور أن أي . بي . سي قد تفوق عليك مرة أخرى .
لاحظت أن كروم من الممكن استدراجه أحيانًا للدخول في الحوار عندما تعجز السبل الأخرى عن ذلك قال كروم :
- أتصور أنه لن يكون أمام الجماهير شيء ينتقدوننا عليه هذه المرة ولقد أعطانا هذا الأحمق تحذيرا كافياً فيوم الحادي عشر هو الأربعاء من الأسبوع القادم وهذا يعطينا سعة من الوقت للقيام بحملة من الدعاية في الصحافة وستكون دونكاستر قد أخذت حذرها تماما وكل شخص يبدأ اسمه بحرف دي سيكون في منتهى الحيطة والحذر وهذا شيء رائع للغاية وكذلك سيتم إرسال قوات الشرطة إلى المدينة على نطاق واسع فقد تم تنسيق هذا بموافقة كل رؤساء شرطة إنجلترا ومن ثم ستخرج كل دونكاستر شرطة ومواطنين للقبض على رجل واحد ويقليل من التوفيق سنقبض عليه .
قال كلارك بهدوء :
- من السهل ملاحظة أنك لا تهتم بالرياضة أيها المفتش .
دقق كروم النظر فيه قائلا :
- ماذا تقصد بذلك يا سيد كلارك ؟ .
- ألا تعرف أن الأربعاء القادم هو موعد إقامة سباق سانت ليجر في دونكاستر ايها المفتش كروم ؟ .
أسقط فى يد المفتش ولم يستطع حتى أن ينطق عبارته المعتادة " أحقاً ذلك " ، وبدلا من ذلك قال :
- صحيح نعم هذا سيزيد الأمر صعوبة إن أي . بي . سي هذا ليس مغفلا حتى لو كان مجنونا .
صمت الجميع لمدة دقيقة أو دقيقتين لاستيعاب الموقف ، الجماهير الموجودة على مضمار السباق والجمهور الإنجليزي المحب للرياضة والتعقيدات التي لا تنتهي قال بوارو بصوت منخفض :
- هذه عبقرية كل هؤلاء الناس هناك تخيلوا هذا ! .
قال كلارك :
- في اعتقادي أن القتل سيحدث على مضمار السباق من المحتمل أثناء تقدم سباق ليجر .
في هذه اللحظة استمتعت غرائزه الرياضية وقتيا بهذه الفكرة ، نهض المفتش كروم وأخذ معه الخطاب وقال :
- سباق سانت ليجر هو أحد التعقيدات وهذا من سوء حظنا .
ثم هم بالخروج وسمعنا جلبة في الردهة وبعد ذلك بدقيقة دخلت ثورا جراي وقالت بتلهف :
- أخبرني المفتش بوصول خطاب آخر أين ستحدث هذه المرة ؟
كان الجو يمطر بالخارج وكانت ثورا ترتدي معطفـا أسود وجونلة معطف من الفراء وكان على جانب رأسها ذا الشعر الذهبي قبعة سوداء صغيرة ، كانت توجه كلامها إلى فرانكلين كلارك وذهبت نحوه ثم وضعت يدها على ذراعه وانتظرت منه الجواب أجابها قائلاً :
- دونكاستر في يوم سباق سانت ليجر .
جلسنا للتشاور غني عن القول أننا عزمنا على الحضور ولكن لقاء السباق قد أربك كل الخطط التي وضعناها بكل عناية من قبل وتملكني الشعور بالإحباط فماذا يمكن أن تفعل فرقة صغيرة مؤلفة من ستة أشخاص مهما كانت قوة اهتمامهم الشخصي بالموضوع ؟ حيث ستكون هناك أعداد لا حصر لها من قوات الشرطة عيونهم مفتوحة وفي منتهى اليقظة يراقبون كل الأماكن المحتملة فما الذي سيضيفه ست أزواج من العيون ؟ ، مع ذلك وكأنه كان يرد على ما يدور في ذهني رفع بوارو صوته كان يتكلم وكأنه معلم أو رجل دين قال :
- أبنائي لا يجب أن تفرق قوتنا ولابد علينا أن نواجه هذا الموقف بخطة وترتيب في أفكارنا ولابد أن أن نبحث عن الحقيقة بيننا وليس في الخارج ويجب ان نقول لانفسنا كل واحد منا ماذا أعرف عن هذا القاتل ؟ وبهذا يمكن أن نكون صورة مركبة عن الرجل الذي نحن بصدد البحث عنه .
تنهدت ثورا بصورة تدل على قلة الحيلة قائلة :
- نحن لا نعرف عنه شيئا .
- كلا ، كلا یا آنستي هذا ليس صحيحا كل واحد منا يعرف عنه شيئا إذا تمكنا فقط من اكتشاف هذا الشيء الذي نعرفه عنه وإني على يقين بأن لو المعرفة موجودة لاستطعنا الوصول إليه .
هز كلارك رأسه قائلا :
- نحن لا نعرف أي شيء عنه هل هو كبير أم صغير أشقر أم أسمر فلم يسبق لأي منـا رؤيته أو الحديث إليه ولقد ناقشنا كل الأشياء التي نعرفها مرات ومرات .
- ليس كل ما تعرفون على سبيل المثال الآنسة جراي قد أخبرتنا هنا بأنها لم تر أو تتحدث إلى أي غريب في اليوم الذي قتل فيه السيد كارمايكل كلارك .
أومأت ثورا برأسها قائلة :
- هذا تماما صحيح .
- صحيح هذا ؟ لقد أخبرتنا السيدة كلارك يا آنسة بأنها رأتك من نافذة حجرتها واقفة أمام المدخل تتحدثين إلى رجل ما .
بدت دهشة حقيقية على وجه الفتاة بكل تأكيد لم تكن لتوصف هذه النظرة الصافية إلا بكونها حقيقية :
- أرأتني السيدة كلارك أتحدث إلى رجل غريب !
هزت راسها واكملت
- من الممكن أن تكون السيدة كلارك مخطئة فأنا لم
.. أوه ! .
جاء هذا التعجب فجأة واندفع منها وتوردت وجنتاها و قالت :
- تذكرت الآن يا لغبائي لقد نسيت ذلك تماما ولكنه لم يكن أمرًا مهما فلم يكن سوى احد البائعين الذين يتجولون لبيع الجوارب أحد الناس المتقاعدين من الجيش إنه في غاية الإلحاح وكان علي أن أتخلص منه كنت على وشك عبور الردهة عندما أتى إلى الباب ثم تحدث إلي بدلا من أن يرن جرس الباب ولكن كان يبدو أنه رجل غير مؤذٍ تمامًا وهذا ما جعلني على ما أعتقد أنسى كل شيء عنه .
أخذ بوارو يتأرجح للأمام وللخلف ويداه معقودتان فوق رأسه وكان يتمتم لنفسه بقوة شديدة لدرجة أنه لم يتكلم أحد ولكن دقق الجميع النظر فيه كان يتمتم قائلا :
- جوارب . . جوارب جوارب .. جوارب إنه القاسم المشترك نعم . منذ ثلاثة أشهر . ومنذ عدة أيام . . والآن  يا إلهي لقد وجدتها .
انتصب في جلسته ثم رمقني بنظرة سريعة :
- ألا تتذكر يا هاستنجز أندوفر  والمتجر عندما صعدنا إلى الطابق العلوي في حجرة النوم علـى أحـد الكراسي كان هناك زوج جديد من الجوارب الجديدة المصنوعة من الحرير والآن أدركت ما الذي أثار انتباهي منذ يومين إنه أنت يا آنسة
ثم التفت إلى ميجان واكمل
- كنتي قد ذكرت أمك التي بكت لأنها اشترت لأختك زوجا جديدًا من الجوارب الجديدة في اليوم الذي قتلت فيه
ثم التفت إلينا جميعا وقال
- ألا ترون إنه نفس الموقف تكرر ثلاث مرات لا يمكن أن يكون ذلك من قبيل المصادفة عندما تحدثت الآنسة كان عندي إحساس بأن ما قالته له علاقة بشيء ما والآن علمت ما الذي يرتبط به كلمات جارة السيدة آشر السيدة فولر عن أولئك الذي يحاولون دائما بيع الأشياء لها وقد ذكرت الجوارب أخبريني يا آنسة أليس صحيحاً بأن أمك لم تشتري هذه الجوارب من متجر بل من أحد البائعين الذي جاء إلى المنزل ؟ .
- نعم نعم قد فعلت هذا تذكرت الآن ولقد قالت شيئاً عن شعورها بالأسى على هؤلاء الناس التعساء الذين يطوفون ويحاولون تجميع طلبات شراء .
صاح فرانكلين :
- ولكن ما العلاقة فمجيء رجل يبيع الجوارب لا يثبت شيئاً .
- سأخبرك يا صديقي لا يمكن أن يكون ذلك من قبيل الصدفة فهناك ثلاث جرائم وفي كل مرة كان هناك رجل يبيع الجوارب ويتجسس على المكان .
التفت نحو ثورا قالاً :
- تحدثي صفي هذا الرجل ! .
نظرت إليه الفتاة مشدوهة :
- لا استطيع لا أعرف كيف ، أعتقد أنه كان يرتدي نظارة ومعطفا قديما .
-  أفضل من ذلك يا آنسة .
- كان ظهره منحنيا ، لا أعرف فلم أنظر إليه تقريباً فلم يكن من نوع الرجال الذي يمكن أن تلحظه .
قال بوارو باهتمام :
- أنت على صواب يا آنسة فإن سر عمليات القتل الثلاث يكمن في وصفك للقاتل لأنه دون أدنى شك كان ذلك هو القاتل فلم يكن من نوع الرجال الذي تلحضه نعم ليس هناك شك في ذلك لقد وصفت القاتل .

ابجدية القتلى " أجاثا غريستي"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن