★الفصل الأول ★

585 11 1
                                    

امتدت أشعة الشمس الساطعه بخيوطها الذهبيه علي جميع انحاء القاهرة ، توقفت سيارة أجرة في منطقة راقيه أمام البوابه الضخمه لمبني شركة الجارحي والتي انتقاها مؤسسها خصيصا لتحمل زوايا شركته العملاقه ، هبط منها رجل في الخمسينات من عمره ، ملامح الشيب بدت علي وجهه وخصلات شعره ، أخرج منديلا ورقيا ومسح حبيبات العرق التي تجمعت عند جبينه بفعل حرارة الشمس المرتفعه ، أخرج أنفاسه ببطأ ثم نظر لأعلي المبني الذي يقف أمامه بشرود للحظات ، لاح علي ثغره ابتسامة بسيطه ، ثم تقدم وهو عازم كل العزم علي ما بداخله ، ولاكن توقف حينما شعر بملامسة فوق كتفه التف بسرعة فوجدها تقف تضغط بيدها علي حقيبتها ، رمقها بنظرة خاطفه فأدرك مدي حيرتها ، ولم يخف عليه مئات الأسئلة في عينيها ، ابتسم مطمئنا لها متحدثا بنبرة  هادئة ورزينه
* إيه يا ليليان يلا ندخل
حركت بصرها حولها وتحدثت بنبرة قلقة :
* أنا عاوزه أعرف احنا سافرنا كل ده ليه ؟!
أشار لها بالهدوء وقال :
* اهدي انا هجاولك علي كل الأسئلة اللي جواكي ، بس كله بأوانه ، يلا بينا ندخل علشان منتأخرش أكتر من كده .
أومأت برأسها وتحركت معه كادميه يحركها كما يشاء ولاكنها مقتنعه انها في يد امينه وتثق به ، دخلت لذلك المبني ولم يخف عن عينيها جمال تصاميمه وبراعتها ، ظهر بوادر الانبهار  علي ملامحها حتي انها في بداية حديثه لم تسمعه ولاكنها انتبهت له حينما اشار لها بالجلوس مربتا فوق كفها باطمئنان ثم ذهب يقصد وجهته وظلت هي في حيرتها ، أما عن خوفها فكان ينهش ببطء بقلبها ، وسيطر أيضا القلق علي ذهنها فجعلها تخوض معركة من الأسئلة لا تنتهي .!.
                        ##########
في نفس البنايه في أخر طابق انتظر ((العم حسن )) دخول رئيس مجلس الإدارة
راقب عقارب الساعه بهدوء حاول فيه محاربة تلك المشاعر التي بدأت بالزحف نحو قلبه فتثير زوبعه من الخوف إن فشل في إتمام مهمته ، انتبه علي صوت الفتاة التي كانت تقف أمامه بزيها الرسمي وابتسامتها المصطنعه مشيره نحو الباب قائله بعمليه :
*اتفضل ،بشمهندس زين مستنيك .
هز رأسه مبتسما ثم نهض بخطوات بسيطه نحو الباب ، وما إن دخل قابله زين بابتسامه بشوشه مرحبا به بحفاوه ، تبادلا العناق والسلامات ثم تحركا بعد ذلك نحو الأريكه الموضوعه بجانب الخلفيه الزجاجيه المطله علي الخارج ، منظرا مريحا للنفس والعين ولاكن اصابه الاضطراب حينما ادرك انه علي مشارف الحديث معه .
* أخبارك يا زين الرجال ، وحشتني ؟
سأله بنبرة حنونه ، فرد عليه الأخر بهدوء كعادته :
*أنا كويس طول ما انت كويس ، ايه الغيبه الطويله دي ؟
ربت العم حسن فوق ساقه ليقول معاتبا :
*انا غبت فترة طويله بس انت الدنيا وخداك عني ومابتسألش .
حمحم زين بحرج فضحك العم حسن ليقول بلطف :
*ولا يهمك أنا بحب أناغشك شويه .
تحرك زين نحوه ثم طبع قبلة بسيطه فوق رأسه هاتفا بأسف :
* حقك عليا انت بخير ، فيك حاجه ؟.
سيطر القلق علي نبرته حينما نهض العم حسن وتوجه نحو النافذه ينظر لنقطة ما متحدثا :
*أنا جاي من الشرقيه علشان عاوزك في موضوع مهم ، أو بمعني أصح عاوز أطلب منك طلب ،
أجابه زين سريعا وهو يقف بجانبه :
*إنت تؤمر وانا هنفذ وعمري أبدا ما أنسي أفضالك عليا
لا شك أنه ارتاح قليلا فقال وهو يبتسم بحنو :
*الأمر لله وحده ، وبعدين اهدا ممكن ترفض الطلب دا ويكون فوق طاقتك .
ثم أكمل حديثه حينما التزم زين الصمت :
*الطلب صعب ومش سهل توافق بسرعة.
*قول اللي انت عاوزه من غير مقدمات ، قولتلك قبل كده انت غلاوتك كبيره عندي
مازال القلق يسيطر عليه ، مهمته صعبه ويريد ترتيب كلامه جيدا حتي يستطيع اقناعه بما يريد ، أخرج أنفاسه ببطأ قائلا بعدها :
* ده العشم يابني ، بص الحكايه ومافيها ان ليا جار محترم ومراته كانت من احسن الناس اتوفو في حادثه وسابو بنت ، جدتها ام ابوها اخدتها وربتها ،كبرتها وعلمتها ، بس المشكله انها تعبت واتوفت، بعد وفاتها اولادها عاوزين يجوزو البنت لواحد من ولاد اعمامها علشان ورثها
تنهد بخفوت ثم تابع :
*البنت ضعيفه وملهاش حد ، رفضت كتير، واخر مازهقو منها قرروا يكسروها ويجوزوها لراجل كبير في السن من سينا ، وفي يوم كتب الكتاب هربت وجتلي وانا جبتها هنا ، خلاصة الكلام اهلها دول زرعة شيطاني واكيد قالبين الدنيا عليها ، خصوصا اتفاقهم مع الشيخ اللي من سينا ، واهم ولا طالو يكسروها ولا حتي يورثوها .
قضب زين ما بين حاجبيه بتفكير ثم اردف :
* كمل ، انت طالب مني ايه بالظبط ؟
* بص يابني انا طالب منك تاخدها تعيش عندك وتكمل دراستها هنا ، وتعيش تحت حمايتك ، أظن ان زين الجارحي محدش يقدر يقرب منه ولا من بيته ولا من حاجه تخصه ، كنت ممكن أئجر شقه ليها تقعد فيها ، بس زي ما قولتلك دول شياطين ، وهيوصلولها في اي وقت .
* بس كده ، قولي هي فين وأبعت أجيبها وخلاص بقت في حمايتي.
قاطعه العم حسن بجديه :
* استني لسه مخلصتش كلامي .
صمت قليلا ثم اردف بتنهيده قويه :
* من الاخر يابني انا عاوزك تتجوزها
رفع الاخر حاجبيه متعجبا واردف :
* نعم اتجوزها ؟! هو انت مش واثق فيا ولا ايه ؟
حرك العم حسن راسه بنفي وهتف
* لا طبعا انا واثق فيك ، بس انا بتكلم من باب الحرمانيه
* بيتي فيه ناس بتشتغل ، يعني مش هتبقي قاعده معايا لوحدها ، وبعدين عادي ممكن اقعدها في اي شقه وهتكون تحت حمايتي متقلقش
صمت العم حسن لبرهه ثم حاول اخراج مافي جعبته كي يحاول اقناعه :
* يابني انا عارف كل دا ، بس معلش ريحني وفكر في طلبي ، وبعدين هكون مرتاح ومتاكد انك عمرك ما تخذلني ، ومطمن انها تفضل تحت حمايتك
صمت زين قليلا يفكر جيدا فالأمر ليس بهين ، تفاجأ بذلك الطلب ، ولم يكن في مخيلته أن يتزوج بهذه الطريقه  أما العم حسن أدرك في ذلك الوقت أنه في حيرة من امره فنهض وهو يتحدث :
* انا هروح دلوقت وانت اتصل بيا بلغني قرارك
رغم ان عقله بدأ في الانشغال بافكار غريبه بخصوص تلك الفتاة التي وقعت فوق راسه من العدم ، ولاكن مع نهوض العم حسن من امامه مقتضب الجبين نفض كل تلك الافكار سريعا وتحدث بجديه وبلهجه حاسمه ، مافعله العم حسن معه قديما محفورا داخل اعماق قلبه ، ورغم مرور الزمن الا انه مازالت تفاصيل فضله مطبوعه عالوسام علي صدره ولو كان هذا الطلب العجيب هو بمثابة رد الجميل له سيوافق امام افضاله عليه .
* اقعد بس ، قلتلك ان كل طلباتك اوامر ، انا موافق
هز العم حسن راسه برفض وتحدث :
* لا يابني لازم تفكر الموضوع مش سهل
* وانا قلتلك ان غلاوتك عندي كبيره ، وعمري ما انسي افضالك عليا ابدا وموافق علي طلبك
ابتسم الاخر بأريحيه وقال
* وانا عاوزك تفهم حاجه واحده ان اكيد مبستغلش اي حاجه عملتها معاك علشان توافق ، بالعكس دا كان واجبي ولما جيت ليك النهارده انا جاي لإبني ومتعشم فيه
حرك زين راسه متفهم بهدوء
* فاهم كويس ، وده شرف كبير ليا ان اكون اول واحد جه في دماغك
* تسلم يابني ، كنت عاوز برضو تخليها تشتغل اي حاجه عندك في الشركه ، واهو تكتسب خبره ومتحسش انها عاله عليك، وصدقني يابني جميلك دا فوق راسي ، انت مش متخيل انت شلت ايه عني .
* اللي تؤمر بيه ، فيه حاجه كمان ؟!
قال زين جملته الأخيره بضحكه بسيطه وهو يمازحه ،فضحك العم حسن  متفهما مزحته وربت فوق كتفيه متحدثا بنبرة أبويه
* ربنا يخليك ويبارك في عمرك ، انت ابني اللي مخلفتوش
ثم تابع :
* انا هنزلها تحت واتكلم معاها ، هي متعرفش حاجه لسه وربنا يستر وتريحني هي كمان .
هز زين راسه بحيره عندما تفوه العم حسن حديثه الاخير والتزم الصمت ، ثم راقب خروجه فحدق في اثره مغمغما :
* هي كمان متعرفش !.

عشق الزين (الجزء الأول والثاني ) بعد التعديل  للكاتبه ((زيزي محمد))حيث تعيش القصص. اكتشف الآن