7

5 2 0
                                    

17/05/1910

لاحظت ألتين أن آدم قد غدا أكثر هدوء، ربما نضج تفكيره رغم سنه الصغيرة، لكن الأرجح هو أن سبب تضاعف انطوائيته كان غياب فريد و فتحي، الطفل الوحيد الذي لعب قرب آدم دون تكلف أو خوف و أحبه من قلبه دون حسد أو ازدراء، و الطفل الوحيد الذي اهتم بآدم و افتقده و حاول أن يُسعِده دائما بثمار التوت.

الشخص المُراعي هو أكثر الناس قيمة لأنه الوحيد الذي يرى قيم الناس الحقيقية، فحتى أكثر الناس جفاء سيُظهرون أجمل ما فيهم حين يحيطهم المُراعون بالاهتمام و المودة.

18/05/1910

تنهد رامي و ابتلع ريقه من جديد قبل أن يعيد سؤال الصائغ عن الثمن الذي لا يتغير رغم نفاسة الحجر و رغم حاجة صاحبه.

بعد مفاوضات شائكة، وافق الصائغ على رفع المبلغ قليلا حتى بلغ سقف أمنيات رامي الذي خرج يجر أذيال الخيبة بعدما باع أغلى ما يملك بسعر مضحك و مبكٍ في آن واحد، مسرحية هزلية و سيناريو عفوي سلب منه كنزا يمكنه شراء المدينة بأكملها و هو يعلم هذا، لكنه كان أسير الظروف و أسير المشاعر و ذاك الأمل الذي عاش عليه، عاد يواري انكساره ببسمة هادئة كسكون الليل و تتخللها أحيانا نظرات بائسة على أمل أن يحيا آدم حياة تختلف عن حياته و حياة ألتين.

و الآن هو يحتضن ذلك الصبي، قد رحل طفلهما إلى الأبد. خسر رامي تاريخ أجداده و أحلام أبيه، و فقد طفله و شمّاعة أحلامه.

و هكذا تسرب الماضي من يديه بهدوء و جر معه الحاضر و المستقبل. مسكين رامي، عزاؤه الوحيد هو أن آدم سيكون بمكان لا خطر عليه فيه. استعاد رباطة جأشه، 'أجل .. هذا هو الصواب' و هو ليس نادما.

ألتين كانت مفجوعة بفراق الفتى الذي تربى بين أحضانها لكن المستقبل كان يشع أمام عينيها كنجوم الليل، هي تضيء ظلمة الحزن بحيث يرى الواحد منا أين يضع قدميه رغم أنها لا تبددها أبدا.

'أنا ضيف يوما ما سأرحل'

'لا أدري هل أحمل لكما الشؤم أم السعادة'

في صباح الأربعاء الربيعي كانت ألتين قد استيقظت على زقزقة الهدهد الثرثار قرب نافذة غرفتها في ساعة امتزاج نار الفجر بجليد الليل ليشكلا لوحة الشروق المبهرة على طيات السماء التي تتضاءل درجاتها كلما اقترب اللونان على الالتقاء في خط الأفق الأبيض المشع.

و كانت قد استيقظت بمزاج رائق و أخذت تغني بلغتها الأم التركية بينما تحضر عجة شهية بعد أن جهزت سلطة فواكه، و في الوقت نفسه لم تنس الانتباه لأرغفة الخبز التي بدأت تكتسب لونا برونزيا يوحي بقرب نضوجها. كانت هناك أيضا أكواب من اللبن المحلى الذي يحبه آدم كثيرا.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 04 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أضواء الموت (هام جدا: الرواية قيد التعديل)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن