الفصل الثاني
عزيزتي الذكريات التعيسة..
شكرًا لك لأنك خلقتِ لي عالمين، أحدهما بائس كلما أبحرت بين أروقتك، والآخر حين ترحلين فأتوهم أني بخير..
وكم احتجت لذاك التوهم كثيرًا حتى أنجو!
***
فتح رائف عينيه فجأة وهب من مرقده وقد تصبب العرق على جبينه، بدا مذعورًا كطفل صغير وقع في مأزق ويبحث عن مفر، أسرعت نحوه الممرضة لتطمئنه بأن السيدة قريبته بخير وألا داعي لذعره، كان مشوشًا لا يعي ما تقول، ظل يتلفت حوله باضطراب قبل أن يحاول خلع أنبوب المحلول الوريدي من كفه، فنهرته محذرة ألا يفعل.
لم يبد عليه أنه قد استجاب، قال بتوتر وقد خرج صوته مبعثرًا كما نظرات عينيه: لا أحتاج الرقاد هنا، سأذهب إلى غرفة الطبيب المناوب لأستريح.
وضعت كفها على كتفه تدفعه للرقاد وهي تحدثه بحنو: يا دكتور رائف! أنت تحتاج الراحة، فضغطك كان منخفضًا والطبيب محمد أخبرني بألا أسمح لك بنزع المحلول إلى أن ينتهي أو يعود هو لفحصك.
لمع الغضب بعيني رائف فبدا شكله مخيفًا مما أجفل الممرضة التي لم تره هكذا من قبل، قال ينهرها: لست طفلًا صغيرًا كي أنتظر أحدهم ليملي علي ما يجب أن أفعله، أحتاج الخلوة بعض الوقت.
همهمت الممرضة كبيرة العمر بنبرة غامضة وكأنها تصر على الاعتراض على ما يفعل دون أن توضح، لكنه لم يكترث وأغلق المحلول ثم انتزعه من جهاز التوصيل بمعصمه قبل أن ينهض مترنحًا حتى كاد أن يفقد اتزانه ويسقط.
أسرعت الممرضة تسانده لكنه رفع يده بإشارة رفض فوقفت مكانها تنظر له بترقب وقلق، كان يتشبث بحافة الفراش إلى أن استقام فسار بخطوات مترنحة نحو الفراش الذي ترقد عليه السيدة المسؤولة عما آل إليه حاله، وقف ينظر إلى ملامحها المستكينة برهبة وخوف وكأنه يتأكد أنها قد عادت. لم يتقدم خطوة بل ظل يرنو لها قليلًا قبل أن يتحرك ليغادر الغرفة بوهن، وقبل أن يخرج من الباب التفت نحو الممرضة ليقول برجاء: ممرضة سميرة! إذا حدث شيء للسيدة لطيفة
_وأشار بكفه نحو السيدة خاصته_ عليك إخباري بالتو واللحظة، أرجوك لا تغمضي عينيك عنها ولا للحظة!
رمقته بهدوء قبل أن تومئ برأسها قائلة بصوت محبب يدعو للاطمئنان: لا تخش شيئًا يا بني، ارتح أنت الآن قليلًا وسأظل أنا والطبيب محمد بالجوار إلى أن تستعيد هدوءك واستقرار ضغطك.
رفع يده وكأنه يهم بقول شيء لكنه تردد لثانية قبل أن يسقط ذراعه جانبه ويستدير يجر قدميه كمن يحمل فوق ظهره حملًا ما هو بقادر عليه، تهدل كتفاه وطأطأ رأسه فكان مظهره ككهل أتعبه المسير وصار حتمًا عليه أن يجد ركنًا يستريح إليه.
أنت تقرأ
لا تعبث مع خائف
Mystery / Thrillerتدور الرواية في الحاضر مع طبيب يصارع ماضٍ يطارده ويصر على تنغيص حياته، هل كان هو القاتل أم أن هناك من ورطه في جريمة حدثت في مدرسته، هل الخوف دافع قوي لإنهاء حياة شخص آخر؟ كلها تساؤلات تجيب عنها أحداث الرواية.