لا تعبث مع خائف، الفصل التاسع

5 3 0
                                    

الفصل التاسع

عزيزي العقل

لا قبل لي بترفعك الآن، أحتاج أن تغمض عينيك عني برهة من الزمن، أحتاج بعض الحرية والكثير من العشوائيات، فلقد أتعبتني دقتك.

***

تقدم محمد بخطوات متعجلة من سرير الطوارئ الذي يقف جواره رائف يفحص مريضًا، كان المريض فتى يبدو في أول عقده الثاني من العمر، وجهه متورم وملابسه ممزقة وجرح متهتك بأعلى ذراعه ينزف قليلًا، نسي ما أراد طرحه على رائف الذي كان منهمكًا بفحص الفتى المتألم الباكي، سأل بفضول: حادث؟

همس رائف بأذنه: أعتقد أنه طفل معنف، جروحه لا تتماشى مع كونه حادثًا رغم إدعاء أهله هذا.

مال محمد يفحص الفتى مع رائف بدقة، وحين لمس ذراعه الأيمن من الرسغ أطلق الولد صرخة مرتفعة متألمة، قال رائف بلهجة عملية تخللها الكثير من التعاطف: كسر بالرسغ على ما أعتقد، وتهتك بالذراع.

ثم أزاح قميص الفتى مكملًا بحنق: وكدمات طولية كأنه ضرب بحزام أو ما شابهه. هل يجب علينا إبلاغ الشرطة؟

هز محمد رأسه بغضب: ونخبرهم بماذا؟ حتى لو كان معنفًا لا يوجد قانون يحمي الأبناء من ذويهم، أخبرني أين أهله؟

أشار رائف نحو رجل يقف قريبًا منهم يحمل وجهه علامات الغضب الشديد ويتحدث بصوت خافت لسيدة تقف جواره تنتحب وتكتم صوتها بطرف حجابها، قال بحنق: هم أُولاء، الأم تبكي بحرقة كما ترى بينما الأب لا يبدو متعاطفًا البتة، وكأنه أتى هنا بابنه فقط لأنه لا يستطيع مداواته بالمنزل.

نظر محمد للفتى الذي ينكس رأسه ويبكي بحرقة، سأله بلطف وقد رق قلبه: ما اسمك يا حبيبي؟

رفع الفتى وجهه ونظر بعينيه المتورمتين قليلًا قبل أن يقول من بين ألمه: معتصم.

ارتد محمد برأسه للخلف حين رأى الفتى، حدق بوجهه قليلًا مفكرًا قبل أن يسأل بسرعة: ما الذي حدث لك؟

توتر الفتى ونظر نحو مكان وقوف والده برعب، يبدو أنه يعرف ما سيحدث له إن تكلم، لذا عاد وقال بأنين: حادث، أريد شيئًا يذهب الألم يا دكتور، سأموت من الألم.

توقف رائف عن تجهيز أدواته التي سينظف بها جروح الفتى وقد أوجعه منظره، قلة حيلة وعجز شعر به حتى أوشك على الاختناق، يؤلمه أن يرى طفلًا منتهكًا بقسوة دون أن يهتم به أحد، ربما لأن ضحايا القسوة يشعرون بألم بعضهم، أو أن قسوة التعرض لإذلال النفس لا تنسى مهما مضى عليها من الدهر، بل وتصبح هي الشعور الطاغي على كل ما عداه كلما مر موقف مشابه، ولأن لا أحد يشعر بألمك إلا من تجرع مثله يومًا؛ فقد كان رائف يرى نفسه في معتصم، يشعر بكمده وغيظه وقلة حيلته، خاصة وأن وضع معتصم أشد وقعًا على النفس من وضع رائف؛ فمْن يؤذونه مِنَ المفترض أن يكونوا هم دروع حمايته بوجه أذى الآخرين، وهم هدايته إن ضل عن سبيل المهتدين.

لا تعبث مع خائف حيث تعيش القصص. اكتشف الآن