Part 04

245 50 46
                                    

الظلام الدامس كان طاغي على المكان هنا، رغم ظهور تباشير الصباح بالأفق إلا أنه لم يصله له أي شيء من ذلك، فقد كانت ستائر غرفته شديدة السواد تماثل بقتامتها ذلك اللحاف الذي يتدثر به، لا ملامح وجهه تظهر، ولا هيئة جسده حتى.

هدوءاً مخيف يعزف ألحانه بالغرفة هنا، عدا صوت أنفاسه الخافتة التي تدل على وجود شخصاً حياً قابع وسط المكان، وإلا لكان أجُزم بأن الظلام يتنفس.

وهو فعلاً يبدو وكأنه هو والظلام كيان واحد لا ينفصل، يحب الظلام، ونائماً بالظلام، ويعيش بالظلام، لولا أنه يسطع بكل مكان يكون فيه بدون إرادة منه.

ظلام الغرفة حوله، وسواد اللحاف فوقه، وفحيم شعره المبعثر على جبهته، كل ذلك كان شريكه في عذابه الغير ظاهر للعيان.

حركة مريبة هناك بركن الزاوية، مع صوت فحيح واحتكاك خافت لحراشفه وهو يزحف بتموج على أرضية الغرفة، ويقترب من ذاك النائم على سريره يشاركه أيضاً بوجوده.

تحركت الستائر المنسدلة قليلاً لمروره تحتها ليخترق بعضاً من شعاع الصباح الخافت غرفته، لتظهر وأخيراً ملامح وجهه الحسن لثانية فقط، لثانية واحدة، ولكن كانت كفيلة لتبين أن هناك شيء غريب به، غريباً وغير مألوفاً على عادته.

جبينه يتصبب عرقاً، وملامحه تعتصر ألماً، وشفاهه تُتمتم خفوتاً، ويديه تقبض بشدةً، كان يبدو كمن يحارب كابوساً ما، أو ماضياً ما، أو لربما كليهما، من يدري!

فجأة وبدون أي مقدمات انتفض بذعر جالساً يشهق الهواء بقوة، فكان يبدو كمن كان يغرق وسط المحيط ولم يكن نائماً على فراشه، بجبينه المبلل بحبات العرق، ولهاثه القوي والتهامه الهواء بعنف شديد.

ألتفت يمينه بسرعة يشعل المصباح الكهربائي بجانبه، ليتخبط بصره على نفسه وحوله ويرى بأنه ليس سوى بغرفته، وليس هناك وسط بركة الدماء والزجاج..

زرقاواتيه بدت أشد خواءً وظلمةً، مثلها مثل ملامحه المتجمدة، لولا القشعريرة التي سرت بجسده وهو يتذكر ما رآه، وارتجاف يديه وهو يفتحهما ويقبضهما بشدة، لما أدرك أحد بأن عقله يتعذب.

رفع يده يشد على خصلاته الداكنة للخلف، بينما الأخرى تقبض على صدره بألم شديد يجتاحه
أنفاسه سريعةً مثقلة، وأطرافه متخدرةً باردة.

مسح وجهه بعنف يحاول بذلك تنظيم بعثرته، وأنفاسه المضطربة، وكم تمنى بفعلته تلك بأن يمسح بشاعة ما رآه بكابوسه، والذي يطارده منذ سنوات..
سنوات طويلة كانت كفيلة بأن تجعله يتزعزع نفسياً بسبب ذكرياته المفقودة، لدرجة أن يخاف إن تغفي عينيه لا إرادياً ويراه للمرة المئة وواحد بعد المليون، لولا المهدئات الموصوفة له ليريح جسده والذي يستخدمها من فترة لأخرى وإلا ما كانت رمشت عينه بنومةً هنيئة، وهي على الأقل ليست كذلك بالنسبة له، على الرغم بأنه شخصاً يُخاف منه ولا يَخاف من شيء، إن لم تعرفوا عنه شيء بعد!

الجوهرة الأرجوانيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن