إنَّهَا عطلة نهَايَة الأسبُوع الأوّل الحَافِل بالتغيرَات والملِيء بالصَّمت والمُرَاقبَة مِن بعِيد، والآن بمَا أنَّه مِن البدِيهِي عدَم وجُود درُوس اليَوم، فَا إنَّ فتَاتنَا شَهد تَشعُر بالقلِيل مِن الضَجَر، ولكِنَّه نوعٌ مِن الضَجَر المُصَاحَب بالطمأنِينَة والرَّاحَة والهدُوء، فَا اليَوم هو أوّل فرصَة للإستِقرَار والتأقلُم والخرُوج فِي نزهَةٍ لتصفيَة الذهن والتأمُّل وإسترجَاع الذكريَات خَارِج تِلكَ الجُدرَان الخَانقَة، وهذَا مَا فكَّرت فِيه شهد بعدَ أن إنتَهَت مِن الإغتسَال وفرَّشَت أسنَانهَا إستعدَادًا لمقَابلَة مَاهوَ خَارِج الغرفَة.
بقلنسوتِهَا ورداءً أصفَر تِلكَ المرَّة، تسِير علَى أرصِفَة شارِع «الشانزلزيه» تنَاظِر الطرَاز العتِيق للمبَانِي قصِيرَة الطوَابِق، والخُضرَة الَّتِي يتظَلل بِهَا المَارَّة والأخرَى الَّتِي بدأت تتلَوّن باللونِ البرتقَالِي دلَالَةً علَى اقترَاب فصل الخرِيف، مُصطبَّات الكُتب والمقَاهِي الصغِيرَة وضحِكَات الأطفَال، بائِع الأزهَار الجوَّال الَّذِي يصِيح "زهرة السوسن زهرة الأمل، زهرة السطوع والطيف، زهرة فرنسا المحبوبة، أعطيها لمحبوبك أو صديقك المفضل، وسيذكرك حتى بعد أن تذبل وتموت" وبائع الخُبز على نَاصيَة الرصِيف "هلمّ أيها الجائع، فالخبز جاهز عند البائع" ولَن تنكُر هذَا، فرَائحتَه كَانَت شهيَّة، لدرجةٍ لَم تستطِع مقاومتهَا لا سيمَا مع تضوُّرهَا جوعًا فورَمَا داعبَت رائحته حواسهَا.
برغِيفٍ فِي حوزَتِهَا أتخَذَت مجلِسًا علَى الطرِيق مَا إن وصَلَت إلى رأسه حيثُ يقَع قوسُ النَصر الشَهِير، تمَامًا كمَا تصِفه الكُتب الَّتِي قرأتهَا، لكِن لَم تجِد نفسهَا مذهُولةٍ بِه بقدرِ دهشتِهَا من لذَّة الخُبز ودفئه، وسُرعَان مَا أنخطَف فكرهَا عَن نشوتِهَا البسِيطَة إلى نغزٌ فِي جرحِ قلبهَا، والَّذِي هوَ سَبب وجُودهَا هنَا الآن، وسَبب كونهَا إستثنَاءٌ فِي بلدٍ يكرَه الإستثنَاءات.
أنت تقرأ
موناليزا بالعسل | MonaLisa With Honey
Historical Fictionتحتَ الحُكم العُثماني بعدَ جلَاء الحملَة الفرنسيَّة والإنجلِيزيَّة، أُرسلَت بعثَات تعليميَّة مِن قِبَل والِي مَصر مُحمَّد علي إلَى دُولٍ أوروبيَّة وأهمُهَا فرنسَا لدراسَة العلُوم المختلِفة، وكانَت 'شَهد' طَالبة مصريَّة مِن والدةٍ سُورية التحقَت بالب...