كَان مجرَّد تفرِيق جفنَيهَا أمرًا صعبًا.
تذكُر أنَّ آخر مَا فَعلَته لَيلَة البَارحَة هوُ البكَاء والنحِيط، ولكِن مَالا تتذكَّره هُو متَى غطَّت فِي هذَا النَّوم الطوِيل وكيفَ انتهَى بِهَا المطَاف فِي غرفتهَا على سرِيرهَا، بَل كيفَ أغمَض لَهَا جفن بعدَ هذه الفَاجعَة؟!ولكِن كَانَت أكثَر إرهَاقًا مِن التفكِير فِي الأمَر، فهذَا اليَوم المنتَظِر، يومَ زفَاف أختِهَا، يوم لقَاء والدتهَا ويوم إحتضَانهَا، أصبَح يومُ الحُزن، يومُ العزَاء ويومُ الفرَاق.
وبدلًا مِن إرتدَاء أجمَل مَا تملك كمَا خطَطت مِن قَبل، إرتَدَت الأسوَد، لَم تفتَح النافِذَة، لَم ترتِب غرفتهَا المظلمَة ولَم تتنَاول إفطَارهَا، إكتَفَت بتَودِيع مَاي علَى مخرَج السَكَن، الَّذي قَابلتهَا بعنَاقٍ ضيِّق "سأكون بإنتظارك، عودي سالمة، وتذكري أنِّي دائمًا بجانبك"
لَم ترَدُّ عليهَا شَهد بَل إكتَفَت بإبتسَامة باهتَة كتعبِيرًا لشكرهَا، وتفهَّمَت مَاي الأمرُ.لَم يكُن صقِيع الجَو الَّذِي قابلهَا بصدمَة لَهَا، فكَان الصقِيع الَّذِي يلتَبِس قلبهَا أقوَى، وكَانت أكثَر كآبَة مِن الجَو الرمَادِي الَّذِي أحَاط بالبَلدَة وأكثَر ضِيقَة مِن الشَّمس المكبَّلَة بأصفَاد الغيُوم، فهِي لَم تكُن الشَّمس اليَوم بَل الغيَمَة السَّودَاء، ولَم تَشتَكِي إلَى الطيُور ولَم تَستَمِع إلَى صيحَات التجَّار، بَل الصَّمتُ والصَّمتُ فَقَط حتَّى وَصَلت إلى محطَّة القطَار علَى الوقتُ المنَاسِب، فقَد بقيَت دقِيقتَين فقَط علَى وصُوله، ولكِن أثنَاء إنتظَارهَا القصِير وقبلَ وصُول القطَار بلحظَات سمعَت صوتًا مألُوفًا بجَانبهَا، وكَانَ اوَّل صوتٍ تنتَبه إلَيه، صوتُ مسيو نيڤوليت؛
"تعازي الحارة، كوني حذرة"
إلتَفَتت إليه ولَم تَقُل شَيئًا، فَقَط أومَأت برأسهَا ووجَّهَت نظَرهَا إلى الأرضيَّة أسفَل أقدَامِهَا وأخذَت تحكُّ كفَّيهَا ببعضِهِم، فمدَّ الآخَر يدَاه الَّتِي تحمِل مندِيلًا قمَاشيًا علَيه رسمَة لزهرَة السَوسَن "لتجعلي من هذا رفيقًا في رحلتك، وسأكون أنا هنا بإنتظارك عودتك.
إعتني بنفسك وبشقيقتك جيدًا، وعودي عندما تشعرين بحال أفضل، لا تتقيدي بمدة محددة، سأتكفل أنا بإخبار الطبيب هنري"
وإن كَانَت هذِه شهد الطبِيعيَّة الَّتِي نعرفهَا فِي موقفٍ مختَلِف، لكَانت قَد رفَضَت. ولكِن الأن وبتلكَ الظرُوف وبهذِه الحَالة، فهِي تقبَل بأي موَاسَاة حتَّى وإن كَانَت ترفضهَا كرَامتهَا. فأخَذَت المندِيل منه ولَم تَقُل شيئًا، ولكِن عينَاهَا المُرهقَة الَّتِي كَانَت متوجهَّة إلى الأرض نظَرَت فِي خَاصَّتِه، وتلكَ النَظرَة كَانت كَافيَة بإخبَاره بكلِّ شَيء، وقطعتهُم صَافِرة القطَار الَّتِي أعلَنت وصُوله، فا إذَا بِه يرتِّب علَى كتفِهَا يهمُّ إليهَا بالرَّحِيل وذَهَب كلٌّ مِنهُم فِي طرِيقِه، وكلٌّ منهم بثَقلٍ كبِير علَى عَاتِقه.
أنت تقرأ
موناليزا بالعسل | MonaLisa With Honey
Historical Fictionتحتَ الحُكم العُثماني بعدَ جلَاء الحملَة الفرنسيَّة والإنجلِيزيَّة، أُرسلَت بعثَات تعليميَّة مِن قِبَل والِي مَصر مُحمَّد علي إلَى دُولٍ أوروبيَّة وأهمُهَا فرنسَا لدراسَة العلُوم المختلِفة، وكانَت 'شَهد' طَالبة مصريَّة مِن والدةٍ سُورية التحقَت بالب...