الأحلام تتحول إلى مثاليات

4 1 0
                                    

إنها عبارة سمعتها في صغري مرات عدة، إذا نظرت إلى فلاح عجوز فستجد على الأغلب أن أبعد أحلامه قطيع ماشية. إن مشاعري اتجاه هذا العالم هي مزيج معقد من شعورين اثنين فقط؛ الاشمئزاز البالغ و الشفقة المشوبة بالأسى. و أقصد بهذا العالم المجتمع البشري الكريه، أما الكون فأكن له أعمق الإعجاب و الاهتمام. و أسباب شعوري المقيت هذا لا تعد و لكن منها بلا شك تلك النوعية من الأشخاص التي نجدها ترتمي في كل مكان تقريبا كما يحدث للقمامة عندما تمزق القطط أكياسها، و هم أشخاص تجدهم متملقين، مخادعين، يعملون بالرشوة و يقترفون أنواع المحرمات لأجل ماذا؟ لأجل السيطرة و النفوذ و الهيمنة، عامل البلدية، موظف البنك، سكرتيرة المدير، عامل الوزارة. كثيرة هي النماذج، إنهم مقرفون و نجسون لأنهم يفعلون كل هذا لأجل القليل و القليل جدا من النفوذ. إن أقصى طموحاتهم هي الهيمنة في مؤسسة صغيرة أو ربما تبدو كبيرة و لكنها في النهاية جميعها خلايا في جناح البعوضة. كثيرا ما قال لي والدي أنه ينتظر أن أكبر و أحفظ القرآن الكريم و أكون امرأة صالحة يفتخر بها، إنه جميل منه أن يتمنى لي ذلك و لكنه ألقى زمام الأمور و تصرف كما لو أنه ليس معنيا هو الآخر بالوصول إلى هذه الأهداف.
في مسيرتي الدراسية غالبا ما يكون معدلي 18/20 أي ما يعادل بالنسبة المئوية 90% و بين صعود يرضيني و نزول يؤذيني ما زلت أحيا، و كثيرا ما أرى زملائي الذين يرضون بالقليل 60% أو 70% و لكن هذا لا يكفيني البتة، الجميع يمكنهم الوصول إلى أبعد من ذلك بكثير و لكنهم يرضون بالقليل. في عدة مرات كانت النسبة لدي تنخفض حتى إلى 80% أو 75% و لم يكن ذلك يرضيني مطلقا و كثيرا ما تعرضت للانتقاد بسبب هذا "الجشع"! و كنت قد جهزت ردا مسبقا لكل من يعترض على ما أشعر به، من الجيد أن أقول لهم
"أملك سوارا من فضة بعدما كان لدي واحد من ذهب". غريب حقا أن يرضى الناس بالقليل، أنا لا أريد منافسة غيتس (مالك شركة مايكروسوفت) و بيزوس (صاحب متجر أمازون) و ماسك (صاحب سبيس أكس و تسلا) و زوكربيرغ (مدير شركات ميتافيرس) لأن ما لدي من الأموال يكفي، أحتاج سيارة و بيتا و أثاثا و راتبا كافيا أما امتلاك أكثر من هذا فهو ليس من قائمة أولوياتي. ليس على المرء مقارنة نفسه بأشخاص ولدوا و في أفواههم ملاعق من ذهب أو أن الحظ حالفهم بطريقة ما أو أنهم محض نصابين. ليس الجميع قادرين على أن يكونوا أثرياء، و الثراء لا يعني أي شيء لكن الجميع يمكنهم التعلم بخصوص الكون و الوصول إلى حقيقة الأشياء و فهم الحياة كما يجب و عيشها كما ينبغي. يمكن للجميع أن يثابروا في التعلم و إثراء عقولهم و أرواحهم لكنهم لا يحاولون، أظن أن هناك أشخاصا كانوا ربما يفوقونني ذكاء و يفوقون أي أحد آخر لكنهم لم ينجحوا في أي شيء لأنهم كانوا جبناء و كسالى أو بكل بساطة غير مسؤولين.
حينما يفهم المرء المغزى من حياته يمكنه أن يرى حدوده و لا يرضى بأقل ما يستحق، إن حلم الثراء ناقص جدا، يمكن للمال أن يهلكك، أن يغيرك، أن يسلبك وقتك و أهلك و أصدقاءك على خلاف الحكمة و المعرفة و الإيمان. حلم الشهرة ناقص جدا، ربما تشتهر كسفاح، كمجنون، كسياسي مكروه، كمريض، كشخص تعرض لموقف محرج على العلن، أو كضحية جريمة بشعة.
الحب ناقص جدا، لن أطيل في هذه النقطة و لكن "أحبب من شئت فإنك مفارقه" تفي بالغرض.
و لنر الآن، متى تتحول الأحلام إلى مثاليات؟
تتحول إلى مثاليات عندما تكون متكاملة الأركان، خالية من العيوب، عندما تكتشف من أنت و إلى أين يمكنك أن تصل، و في الحقيقة يمكنك أن تصل بعيدا جدا، أبعد بمراحل و أشواط مما تتخيل. عندما تتشبع إسفنجة عقلك بالمعرفة حد الحكمة تصل إلى الفضيلة و هناك تتحول الأحلام إلى مثاليات.

إلى صديقتي "إشراق" (وفقا لقرائتي 😅) صاحبة حساب "Meha Ira"

وميض - Quotesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن