"بينما كنت أشرب نظرت خلال الكأس الزجاجية و راودني شعور لم أعرف له اسما، ربما كان حنينا. الكأس الزجاجية الشفافة الذهبية، هذا اللون يعيد إلي مشاعر قديمة، مشاعر من زمن بعيد جدا. ربما يبدو كأنه كان في حياة أخرى لكن ذلك ليس صحيحا، أذكر جيدا أنه كان في هذه الحياة، و أذكر أنه كان لمحات في طفولتي.
كيف لحياة واحدة أن تتضمن كل هذا الكم من التفاصيل؟ كيف لشخص في السادسة عشرة فقط أن ينتابه الحنين بهذا الشكل؟ إذا كان هذا شعوري الآن فكيف سيكون بعد سنين؟ كيف لو عشت بعد مئة سنة؟ كيف يكون بعد كل هذه السنين؟
لكننا كائنات خالدة، ذات يوم سأتخطى رقما لم أعرفه قط، ترى كيف ستتطور مشاعرنا إلى الأبد؟ "
قرأتها بينما أرتشف قليلا من القهوة في الشرفة، كانت الساعة السادسة صباحا تقريبا و كنت قد استيقظت قبلها بقرابة نصف الساعة.
كان هواء الفجر باردا لكنه نقي، هذا المكان بأكمله نقي، لكن فقط حينما يبتعد ذاك القطار و دخانه.
إن القطار شيء مريع، بل بتعبير أصح؛ من في القطار كائنات مريعة.
رفعت رأسي قليلا و بقيت لبرهة من الزمن أنظر إلى السماء، السماء زرقاء ... الغيوم قليلة هذا اليوم، الطيور تحلق في أمان و النسمات تهب و تتلاعب بخصلات شعري، لا أدري لماذا أُغمَر بالسلام كلما أحاطت بي النسمات.
أغمض عيني و لوهلة خاطفة أراه كالصاعقة بين جفني و عيني؛ ربما ما زال يحلق في سمائي بعد كل تلك السنين، قد حفر في روحي واديا لن يغادره أبدا.
لماذا أقول هذا؟ فتحت عيني متضايقا و صوبت ناظريّ أمامي بثباتي المعهود، نفس الحديقة، نفس أشجار الورد، نفس الزهور الصغيرة الجميلة، فقد كل شيء رونقه فجأة.
و رأيت الفراشات من جديد ... فراشات ملونة ... فراشات هذا القصر تنخر شيئا ما بداخلي، لا أدري صدقا ما هو.
القهوة تبدو أكثر ضبابية و عتمة و أنا أرمقها بعينين شاردتين و أمرر من خلال خلاياي عتابا صامتا إلى الزجاج الذي يضمها.
و فجأة سرت القشعريرة في بدني، كانت يد ما تمسك بيدي حتما؛ يد شابة و قوية؛ يد لو وُضِعت مع ألف يد أخرى لعرفتها من أول نظرة. كيف لي أن أنساكَ و أنت تسري في دمي؟
أرجو ممن حضر هذه القهوة ألا يضع لي المخدرات من جديد، هذا الهذيان لا يلائمني البتة و لا يروق لي.
ضوء الشمس ينعكس على فنجاني الأبيض، اللون الذهبي لذاك الكوب المثالي يكاد يتولد من جديد. و حينما فتحت عيني على اتساعهما كانت الورود الصفراء تشدني دائما إلى عالم كاد يندثر.
أنت تقرأ
من أكل القمر؟
Mystery / Thrillerفي قرية نائية يحيا الدكتور مخلص رمزا للمحبة و السلام، لا يخطر على بال أحد أن مثل هذا المكان سيخلد مسرحا للمآسي. يجتمع مخلص بعلي، و بدا أن الحياة غدت أجمل ... أجمل من ابتسامة مخلص الودودة، أجمل من الأهوال القابعة بتقاسيمها، أجمل من خوف علي من هذا الر...