part1

15 1 0
                                    

يحكى أن إسكافياً فقيراً اسمه" عصفور "، كان يعيش في مدينة بغداد القديمة. وكانت له زوجة اسمها " جرادة " , تذكره كل يوم بفقره وعجزه عن توفير حياة أكثر راحة لها.
وذات يوم، رأت جرادة ، وهي تتجول في السوق، سيدة ترتدي رداء فاخراً، وتـُحلي أصابعها بخواتيم الماس، وتعلق على صدرها عقود اللؤلؤ، وتتدلى أقراط الذهب، وتسير حولها مجموعة من الخادمات الجميلات. وعندما سألت عن هذه السيدة، قالوا لها: " إنها زوجة رئيس المنجمين عند الملك". سألت: " وماذا يفعل المنجم ؟ " . قالوا لها: " يتطلع إلى النجوم في السماء، ثم يتبأ بما سيحدث في المستقبل، ويقرأ أفكار الناس ، ويعرف أماكن الأشياء المفقودة".
قالت زوجة الإسكافي لنفسها: " ولما لا يصبح زوجي منجماً، حتى أصبح غنية كهذه السيدة؟ ". ثم اندفعت إلى المنزل بأقصى ما تستطيع من سرعة.
عندما رأى الإسكافي وجه زوجته المتلهف، سألها: " ماذا حدث يا عزيزتي؟".
قالت في غضب: " ما الذي جعلك تختار هذه المهنة التافهة، وتظل طول حياتك تعمل في إصلاح الأحذية ؟ لماذا لا تصبح منجماً، فتربح مالاً كثيراً، وبذلك ينتهي فقرنا وجوعنا، ونصبح من الأثرياء ؟!".
صاح عصفور: " هل أنتي مجنونة يا زوجتي ؟! كيف أصبح منجماً وأنا لا أعرف شيئاً عن النجوم ؟! " ، قالت الزوجة: " كفى .. لا تحدثني ولا تقترب مني... إذا لم تبدأ غداً في عملك كمنجم، سأعود إلى منزل أسرتي، ولن أعيش معك بعد اليوم ! ".
حزن الإسكافي لحالة زوجته وقرارها، واحتار فيما يفعل: إنه يحب زوجته، ولا يريد أن يفقدها، لكن.. كيف يصبح منجماً ؟!
أما زوجته التي تحلم بالثراء، فقد جمعت له بعض الكراسات القديمة ، واستعارت من منزل والدها سجادة صغيرة، وقالت له: " هذا هو كل ما تحتاج إليه لتصبح منجماً".
وفي صباح اليوم التالي، أخذت الزوجة تلح على زوجها ليجلس بين المنجمين في السوق، فقال لها: " لماذا تجبرينني على عمل شئ لا أعرفه؟ سيسخر الناس مني ويضحكون علي !". لكن زوجته أصرت على ما تقول، وأخذت تهدده بالافتراق عنه إذا هو لم يفعل. وأخيراً نفذ الرجل ما تريد، وأخذ السجادة والكراسات، وذهب إلى السوق، وجلس في المكان الذي اعتاد المنجمون أن يجلسوا فيه، وقلبه يدق في عنف، خوفاً ورهبًة !

*******************************************

وتصادف أن زوجة السلطان كانت ذاهبة إلى السوق، لتشتري ملابس لطفلها الأول الذي تتوقع مولده خلال أيام، فشاهدت عصفوراً يجلس وحده، وحوله كراساته القديمة، فاستغربت شكله، وطلبت من إحدى جواريها أن تستفسر منه عن صناعته .
عادت الجارية إلى سيدتها وقالت: " هذا منجم جديد، يقول إنه يعرف المستقبل" . فقالت السلطانة: " اذهبي إليه، وأعطيه هذا الدينار، واسأليه: " هل المولود الذي أنتظره سيكون ذكراً أم أنثى ؟". مضت الجارية تسأل عصفوراً، وأعطته الدينار، فتناول منها القطعة الذهبية وهو لا يصدق ما يرى، فهذه أول مرة في حياته يمسك في يده تلك العملة الغالية ! ثم أخذ يقلب كراساته ورقة بعد ورقة، ويعض شفته وهو ساكت لا يتكلم.
كان عصفور يقول لنفسه: " إن أسلم الإجابات هي الإجابة التي قد يخطئ نصفها ولا تخطئ كلها. إذا قلت إنها ستلد ولداً، فقد تلد بنتاً، وإذا قلت بنتاً فقد تلد ولداً، أما إذا قلت إنها ستلد ولداً وبنتاً، فإن نصف إجابتي فقط ستكون مخطئة سواء ولدت ولداً فقط أو بنتاً فقط، أو ولدين أو بنتين، وستكون إجابتي صحيحة كلها إذا ولدت ولدًا وبنتاً ". لذلك رفع وجهه وجهه إلى السماء وهز رأسه وقال: " ولد وبنت، ليس كمثلهما في الأرض أحد".
أسرعت الجارية إلى السلطانة، ونقلت إليها إجابة " الشيخ عصفور المنجم".
وقبل أن يطلع الصباح، كانت السلطانة قد ولدت ولداً وبنتاً كما قال " عصفور المنجم " ، وامتلأ القصر بصيحات الفرح والابتهاج.
وفي اليوم التالي، أسرعت السلطانة فأعطت بعض خدمها بغلة وملابس فاخرة وألف دينار هدية للمنجم عصفور، وقالت لهم: " ابحثوا عنه، وأعطوه الألف دينار، واجعلوه يرتدي هذه الملابس الجميلة، ويركب البغلة، ثم أحضروه إلى باب القصر، لأشكره على أنه بشرنا بهذا الميلاد المبارك".

يتبع.....
******************************************

جرادة وعصفورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن