توارت أشعة الشمس تمامًا خلف الغيوم وأسدل الظلام ستاره على جميع أنحاء الغابة، عدا النور الذي كان ينبعث من النار التي يجلسون حولها الفتية، بعد أن ذهب الرماديون لبدأ مهمتهم في حرس الغابة....
بينما كان كل واحدٍ منهم يثرثر مع الذي يجلس بجانبه، تنحنح كاسيو ليلفت أنتباه الجميع، وقال لهم وعلى وجهه أبتسامة لطيفة :
- نحن هنا بفعل الصدفة، ورغم الوقت الذي قضيناه برفقة بعضنا البعض إلا أنه لم يتسنى لنا أن نتعرف على بعضنا؛ نسبةً للظروف التي واجهناها، والآن بما أننا سنقضي بهذا العالم وقتًا لا بأس به ، نريد أن نتعرف على بعضنا البعض، ما رأيكم؟
رحَّب الفتية بهذه الفكرة وبدأوا بتعريف أنفسهم ، وأول من بدأ بالحديث عن نفسه كانت كريستينا، حيث قالت بصوتها الرقيق الذي كان أقرب إلى الهمس :
- أنا كريستينا ابنة رجل الأعمال الشهير ديڤيد برانسون، بلغت الثامن عشر من عمري في هذا الشهر، ليس لدي إخوة، كنت أدرس لكن تركت الدراسة لأسباب خاصة، والدتي توفت منذ ستة سنة وتم إتهام أبي بقتلها لذلك تم اعتقاله بالسجن...لمعت مقلتيها الزرقاوتان حزنًا لتذكُرها بتلك الأحداث المؤلمة.. وكيف تحولت حياتها إلى جحيم بعد مقتل والدتها وأعتقال والدها، وغاصت في ذكريات ماضيها الأليم...
« قبل ستة أعوام مضت »
كان هناك صراع نشب بين إخوة رجل الأعمال ديڤيد برانسون لعدة سنوات، وذلك لأن الجد كتب جُل ثروته لديڤيد والمنزل أيضًا وذلك سبَّب حقدهم له..
وفي إحدى ليالي ديسمبر الباردة أجتمع الإخوة مع بعضهم وشرعوا يفكرون كيف يمكنهم السيطرة على ثروة ديڤيد وكيف يستحوذون على أملاكه، وكان ذلك لا يتحقق إلا بموته أو إلحاقه بالسجن، ولأنه كان من دمهم منعتهم ذرة الأنسانية التي بهم لقتله لذلك لم يكن أمامهم حل غير إلحاقه بالسجن لفترة طويلة حتى يستحوذون على أملاكه كلها وثروته
وذلك لن يتحقق إلا بأرتكابه لجريمة قتل مدعومة بعدة شهود وأدلة قوية، لذلك قرروا قتل زوجته... وتم إلحاق التهمة به؛ لأنهم وضعوا أدلة مزيفة تثبت أنه القاتل وتم رشو البواب وعاملات النظافة بالمنزل ليشهدوا ضده بالمحكمة وبذلك حُكِم على ديڤيد بالسجن المؤبد، ودَعم هذه الأدلة نشوب الخلافات بينه وبين زوجته قبل موتها، أستولوا إخوته على المنزل وقاموا بطرد إبنته التي تبلغ اثنى عشرة عامًا من المنزل بدون رحمة وقاموا بتهديدها لكي لا تقترب من هنا مجددًا وإلا سيلحقونها والدتها، ولم يسعها فِعل شئ حيال الأمر ؛ نسبةً لصغر سنها ، غادرت كريستينا تلك المدينة حينها بالمال الذي أخذته قبل أن يُتم طردها، فهي لم يبقى لها فيها أحد، ولكن لم يكن المال كافيًا لإلحاقها بسكن لذلك تشردتَ بالشوارع وعانت كثيرًا، قد بحثت عدة مرات عن عمل ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل، وبعد مرور أسبوع من البحث وجدت عملًا وكان عاملة نظافة بإحدى المطاعم البسيطة في المدينة وكان أجرها بسيطًا ولايكفي لإستأجار شقة وكان بالكاد يُمكِّنها من شراء بعض الخبز، وكانت تعود كل ليلةٍ من المطعم لتبيت بالإزقة و عاشت لمدة شهرين بدون ملجأ، ولحسن حظها أنه في إحدى الأيام تبنتها جمعية خيرية تعتني بأطفال الشوارع وصارت ملجأها، كانت بالسنوات الأولى جيدة ويوفرون لهم كل ما يحتاجونه من طعام وشراب وملابس، وكانت سعيدة بها حتى أتى يوم وأفلس مالك هذه الجمعية، حينها شَح الطعام، وتوقفوا عن كسوتهم بالملابس لعدم توفر المال لشراءها، أصبحت حالتهم سيئة وأصاب المرض الكثير منهم حتى سئِمَتْ منهم العاملات بهذه الجمعية وأستقالوا للبحث عن وظائف أخرى لأن مالك الجمعية لم يعد يعطيهم أجرًا ولم يعد يهتم بالأطفال أحد، حتى في يوم قرر المالك بيع الجمعية بمبلغ كبير لرجل أعمال ثري، ولكن كانت العاملات الجُدد به يُعاملنهم بقسوة وجفاء ويُفرضون عليهم الكثير من الأعمال الشاقة من كنس ومسح الأرضيات ونقل الفحم من القبو المظلم للمدافئ كل يوم، وإذا لم ينجزوا مهامهم يتم ضربهم بكل قسوة، في يوم كانت كريستينا مريضة ولم تستطع القيام بأي شئ وعندما علِمت إحدى العاملات بذلك قامت بضربها وتوبيخها وسببت لها الكثير من الخدوش والكدمات، وأرسلتها لجلب الكثير من الحاجيات من السوق وكان الطقس سيئًا جدًا في ذاك اليوم، ولم تبالي بمرضها وألمها ودفعتها للخارج بكل قسوة، وقالت لها أن لا تعود بلا تلك الحاجيات، بدأت كريستينا بالسير لعدة خطوات لكن داهمها دوار شديد وأصبحت تسعل بقوة ولكن رغم ذلك حاولت إكمال طريقها...وعند وصولها للسوق لم تجد احدًا به وقد أُغلقت كل المحلات،أيقنت كريستينا بداخلها أنه سيكون آخر يوم لها على هذه الحياة البائسة إذا لم تُحضِر تلك الأشياء اللعينة، بدأت بالبحث عن بائع واحد على الأقل وكانت ترتجف من البرد لكنها لم تجد، ولم يعد جسدها يتحمل برودة الطقس أكثر وسقطت مغشيًا عليها..
أفاقت بعد بضعة ساعات وكانت تشعر بصداع قوي يكاد يفتك برأسها، وكان هناك شعور بالدفئ يداعب أطرافها المتجمدة وذلك لوجود مدفئة بالغرفة، تفحصت تلك الغرفة البسيطة بعيناها وبدت لها غير مألوفة، نظرت عبر النافذة لتجد أن المطر توقف عن الهطول وهدأت تلك العاصفة الثلجية، توجهت للخارج وجدت سيدةٌ عجوز تجلس بقرب من مدفئة وبجانبها أطفالٌ صغار، يبدو أنهم أحفادها، حينها أخبرتها بأن حفيدها وجدها بالأرض بالقرب من المنزل وحملوها إلى هنا، وطلبت منها البقاء حتى الصباح لكنها رفضت، وبعد خروجها من المنزل تذكرت كلمات تلك السيدة المتقرطسة التي طلبت منها جلب الحاجيات وأن لا تتأخر، وأيقنت أنها ستقتلها لتأخرها لكل هذا الوقت، وفوق ذلك لم تشتري شئ وأضاعت النقود التي معها، كان وضعها مأساويًا لذلك قررت الهروب..الهروب لأقصى مكان تستطيع الوصول إليه بعيدًا عن ذلك المكان البغيض...
أنت تقرأ
الحلقة الغامضة 🖤
Paranormalنسير على طُرقات الحياة ، نصادف ذات الوجوه ، ونُصادم نفس الأحداث ، تلطُمنا أمواج الرتابة وتُغرقنا في دوامات الضجر ، منهكين، مُثقلين ونحن نهوي نحو القاع... لكن ماذا لو وجدت نفسك في قاع أخر ؟! ماذا لو سحبك التيار إلى دهاليز برمودا ؟! ...