كانت الطائرة المنطلقة من مدينة ميامي في جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية إلى العاصمة الفرنسية باريس تهتز بقوة في طريقها فوق المحيط الهائج والعاصفة القوية التي كانت تجتاح المنطقة، الرياح العاتية تشتد وتهب بقوة على الطائرة، والأجنحة تتأرجح بهيجان مأخذة الطائرة في رحلة مخيفة تحبس الأنفاس.
الركاب منشغلون بالصراخ والصلوات المتوهجة في الفم، فهم يدركون أنَّ الموت يلوح في الأفق، بعض الركاب يحاولون الأتصال بأحبائهم والتودد إلى الله بكلمات من أصدق مشاعرهم، فيما يحاول آخرون إلتماس النجدة بالإستغاثة بصوتٍ عالي ذا نبرة يئن منها تفاهة حياتهم، وكان الطيار وطاقمه يقاتلون بشدة للحفاظ على الطائرة والأبتعاد عن المنطقة الخطرة، يتغيَّر زماناً بعد آخر، وكل دقيقة تنقضي تعني أنفاس أقل لركاب الطائرة.... فجأة ظهرت السحب الداكنة في الأفق، حيث بدأت الرياح تزداد سرعتها وصوت الرعد قريب، تحولت السماء إلى لون رمادي مظلم، والطيار يحاول جاهدًا الإبلاغ عن الأحوال الجوية الرهيبة التي كانوا يواجهونها، أصبح صوت الرياح العاتية شديد الازعاج ، واندفع الركاب في أسرع وقت إلى مقاعدهم وأحزمة الأمان، بينما كانت ظلال الخوف تلوح في أعينهم.
ومن وسط حالة الفوضى هذه كان الطيارون يعملون بجد للتحكم في الطائرة ولكن تلاشت ملامح الثقة من وجوههم وأصبحوا يمارسون الضغط بأقصى قوة للحفاظ على إتزان الطائرة،وأعلن الطيار الرئيسي بصوتٍ يفيض بالجهد :
- اعزائي الركاب، نواجه عاصفة شديدة وحتى الآن نحن نبذل كل جهدنا للتحكم بالطائرة وإبقائكم بأمان.
بينما كان الركاب يحاولون الاحتفاظ بأعصابهم، بدأوا يهتفون بشكل مكثف عندما بدأت الطائرة تتقلب بشكل شديد ومخيف ، مما كان يسبب خوفاً شديداً في نفوس الركاب الذين يخشون أن تسقط الطائرة في أي لحظة، وعلى الرغم من المحاولات اليائسة لإنقاذ الطائرة، لم يكن هناك شيء يمكن القيام به، وانتهى المطاف بالطائرة بأن تسقط في المحيط الهائج.
...............
الساعة الثامنة مساءاً في مطار المدينة الأمريكية ميامي ثلاث فتيات جميلات يجلسن على أحد المقاعد في إنتظار موعد إقلاع طائرتهن ، كانت تجلس على حافة المقعد فتاة تبدو كأنها خرجت من عالم الأنمي ، كان يتناثر شعرها الأسود المتفحم على جانب وجهها ، وكانت بين الفينة والأخرى تطالع الكتاب الذي بيدها بعدستيها المختلفتين التي تضفي عليها طابعاً مميزاً وفريداً من نوعه وتضيف لشكلها جرعةً من الغموض ، تبدو شخصية ذكية ومستنيرة، لا تخشى التعبير عن آرائها وأفكارها، وملابسها ذات تصميمٍ غير مألوف وتتناغم مع بشرتها البيضاء بشكل جميل ، رفعت مقلتيها الجميلتان لتنظر إلى الخارج وتشاهد الطائرات الأخرى وهي تطير في السماء، وتتسائل في صمت عن وجهتهن المقبلة والمغامرات التي سيعيشونها ..اما الفتاتان الأخرتان كانتا تتحدثان بأندفاع عن الأشياء المدهشة التي شاهدنها في هذه المدينة الرائعة وشواطئها الرملية الذهبية والأمواج الزرقاء الهادئة، والمناظر الطبيعية الخلابة التي قمن بزيارتها..
كانت إحداهن تتمتع بجمال يأسر الأنظار، فتلك الملامح الهادئة التي تتوسط وجهها الجذاب تعكس رقتها ، أما عيناها الزرقاوان فهما كاللازورد يلمعان من بين رموش طويلة كالأنهار، ترتدي فستانًا أزرق فاتح ، كانت لا تتوقف عن التفكير في اللحظة التي تستطيعان فيها العودة مرة أخرى..
اما الأخرى كانت ذات ملامح هادئة توحي بالبرائة ، فتساعد خصلات شعرها البنية المنسدلة على كتفيها في إبراز جمال وجهها الناعم، ترتدي الفتاة بنطال جينز يبرز جسمها بشكل جميل ، وتناغم ذلك مع قميص أبيض ذو تصميم بسيط يعكس نقاء قلبها ، ومن خلال التعابير الحالمة على وجهها وتصرفاتها الهادئة، يتضح للمرء تعقيدات شخصيتها والتي تستحوذ على اهتمام المرء وفضوله في معرفة المزيد عنها.
صوتاً ما اقتحم هدوء المكان :
- اعزائي المسافرين على طائرة بوينغ 800-737 المتوجهة الى العاصمة الفرنسية يرجى التوجه الى الطائرة
توجهت الفتيات إلى الطائرة وسرعان ما أنطلقت تحلق في السماء.
«على الطائرة»
كريستينا تطالع السحب التي تبدو وكأنها غزل البنات وهائمة في بحر افكارها حتى سافرت إلى عالم الأحلام.... سوزي تطالع احد الكتب التي تحت تصنيف الخيال العلمي وكعادتها ترتدي سماعات الرأس خاصتها التي تعزلها عن العالم الخارجي ..
«بعد مرور ساعتان »
-أرجو من الركاب أن يربطوا الأحزمة لأننا بمنطقة خطِرة ويقول مرشد الأرصاد الجوي أن هنالك عاصفة رعدية قوية محتملة قادمة نحونا.
هذا ما قالته مضيفة الطائرة بصوت قلق،
أستيقظت كريستينا من غفوتها فور أن سمعت كلمة عاصفة وأحزمة أمان وقالت بصوت أقرب إلى البكاء :
- سوزي انا لا اريد أن أموت....يا إلهي انا لم أحقق احلامي بعد
وأخذت سوزي تطمئنها وتقول لها :
- إنها مجرد عاصفة وسرعان ما ستمُر فطاقم الطائرة ذُوي كفاءة عالية وسيسيطرون على الوضع
أقتربت العاصفة كثيرا وسرعان ما بدأت الطائرة بالتأرجح وبدأ بعض المسافرين بالصراخ...صوت رجولي ذو بحة هادئة اخذ يُهدأ من روعهم :
- أعزائي الركاب لا تقلقوا العاصفة لا تبدوا بهذا السوء ونستطيع أن نسيطر على الوضع ألا تثقون بنا ؟ إذا كانت إجابتكم نعم فنحن سنكون على قدر ثقتكم وسنبذل قُصار جُهدنا لكي نوصلكم بأمان ، لا تفزعوا أرجوكم.
وفي وسط حالة الفزع هذه كانت نتالي في عالم موازي..! كانت تغُط في نوم عميق!! يا إلهي هذه الفتاة لا تهمها الدنيا وما فيها ، فقط كل ما يهمها أن تنام ولا أحد يُزعجها يا للمسكينة .. لا تدري أنه من الممكن أن تكون هذه أعمق نومة في حياتها ولن تستيقظ منها إلا عند نهاية البشرية..!
ها قد أستيقظت أخيراً!.. وذلك لتأرجح الطائرة وسمعت نواح كريستينا ، ذهبت وجلست بقربهم وقالت لهم بصوت أقرب إلى الهمس بفعل النعاس :
- ماذا يجري لم تتأرجح الطائرة ولم تُنوحين هكذا! تُكاد أُذناي أن تنفجر من صراخك
ردت لها كريستينا بصوت مختنق من أثر البكاء :
- ماذا يجري!! ألم تسمعي ما يقولون؟ ألا ترين هذه العاصفة التي تنقض على الطائرة كالحيوانات المفترسة ، عزيزتي نحن سنموت بعد قليل
وأجهشت في بُكاءٍ مرير .. نظرت نتالي عبر النافذة لترى البرق يُبرق في السماء ويضئ كالألعاب النارية والمحيط هائجٌ وأمواجه ثائرة ولا يُبشر بالخير ويبدو وكأنه أحد النمور الضارية التي تنتظر إحتضار فريستها لتأكلها، قالت نتالي بنبرة ساخرة :
- يبدو أننا سنكون وليمة دسمة لهذا المحيط
ردت لها سوزي بنبرة جامدة :
- توقفي عن سماجتك، نحن في وضع لا يسمح بنكاتك السخيفة هذه
أصبح صوت الرياح العاتية شديد الإزعاج وصارت الطائرة تتأرجح بقوة وظهرت السحب الداكنة في الأفق، حيث تحولت السماء إلى لون رمادي مظلم،وصوت الرعد قريب... أعلن الطيار الرئيسي بصوتٍ يفيض بالجهد :
- اعزائي الركاب، نواجه عاصفة شديدة وحتى الآن نحن نبذل كل جهدنا للتحكم بالطائرة وإبقائكم بأمان
صرخت كريستينا بصوت متحشرج :
- لن ننجوا سنموت بلا شك هذه نهايتنا ، راودني حلم بأننا نسقط بالطائرة في جوف المحيط ونموت
جاءها رد نتالي الصادم التي قالت وبعينيها لمعة لا تبشر بالخير :
- يا إلهي سيحدث لنا ما يحدث في أفلام هوليوود ونعيش مغامرة عظيمة!.. وأتمنى أن تسقط بنا الطائرة على جزيرة مهجورة وأردفت بهمس «هذا إذا أراد الكابتن أن يُكمل جميله» " لم تكد تكمل جُملتها حتى سمعوا الطيار الرئيسي يقول بنبرة حزينة:
- أعزائي الركاب أود أن أشكركم على ثقتكم بنا وركوبكم بطائرتنا ولكن يبدو أنني لست أهلاً للثقة .. ودِّعوا أحبائكم الموجودون معكم على متن الطائرة يبدو أن هذه لحظاتنا الأخيرة
صمت مهيب يخيم على المكان لبضع لحظات وهذا ليس إلا صمت ما قبل العاصفة وفجأة!! بدأت الطائرة تتقلب بشكل شديد ومخيف ، مما كان يسبب خوفًا شديدًا في نفوس الركاب الذين يخشون أن تسقط الطائرة في أي لحظة وبدأ الركاب يهتفون بشكل مكثف... وعلى الرغم من المحاولات اليائسة لإنقاذ الطائرة، لم يكن هناك شيء يمكن القيام به، وأنتهى المطاف بالطائرة بأن تسقط في المحيط ..تحطمت أجنحة الطائرة و الهيكل الخارجي الأمامي للطائرة مما أدى إلى إنسياب المياه إلى الداخل ، شيئاً فشيئاً إلى إمتلاء الطائرة بالماء عدا بِضع سنتمترات بالأعلى عند سطح الطائرة من الداخل وبدأ الناجون من ذاك الحطام بالصعود لأعلى طامعين في بعض الأكسجين.
قال الطيار لإنقاذ الموقف :
- يوجد مخرجٌ للطوارئ بالقرب منّا سأنزل لمحاولة فتحه والخروج من الطائرةبعد بِضع محاولات بائسة في فتح الباب ، أخيراً نجح في فتحه ورجع لإعطاء إشارة للبقية للخروج من الطائرة التي امتلأت بالكامل بالماء.
لقي الكثير من ركاب الطائرة حتفهم في تلك المجزرة بأستثناء ستة أشخاص، منهم الطيار الرئيسي وشابان آخران والفتيات الثلاث، حاولوا الصعود لسطح الماء ولكن فشلوا وكاد الأكسجين أن ينفذ من رئاتهم فنحن هنا نتحدث عن قاع المحيط يا عزيزي أي هم على بُعد مئتين متراً من سطح المياه على أقل تقدير ، كادوا أن يفقدوا الأمل في النجاة لولا رؤيتهم لشُعِيعات ضوء أسفل القاع فبدأوا بالتوجه نحوها لمعرفة مصدر الضوء وكلما إقترب الفتية أكثر تزداد حدة الضوء أكثر فأكثر، إلى أن وجدوا الضوء ينفذ من ثقب اسود على شكل حلقة ضخمة وفور وصولهم له سحبتهم دوامة عنيفة للداخل ...
-من أنتم؟ وأين انا؟
أنت تقرأ
الحلقة الغامضة 🖤
Fantastiqueنسير على طُرقات الحياة ، نصادف ذات الوجوه ، ونُصادم نفس الأحداث ، تلطُمنا أمواج الرتابة وتُغرقنا في دوامات الضجر ، منهكين، مُثقلين ونحن نهوي نحو القاع... لكن ماذا لو وجدت نفسك في قاع أخر ؟! ماذا لو سحبك التيار إلى دهاليز برمودا ؟! ...