٤. بَحث

40 9 13
                                    

[أسير على رصيف الحي الهادئ الذي يُناقض العاصفة الهوجاء داخلي، أجُرُّ قدميّ وكأنهما مكبلتان بسلسلتين نهايتمها كُرتان فولاذيتان، تغلفني مشاعر الخيبة والإحباط وكأن حزن الكون ألقي على عاتقي.

لا أعلم كيف انتهى بي المطاف داخل منزل أدرك أنه منزلي رغم أني أراه للمرة الأولى، تتحرك قدماي نحو غرفة المعيشة حيث حاسوبٌ محمول على طاولة قصيرة الأقدام، جلستُ قِبالته بروحٍ خاوية أُغلقتْ نوافذ الفرح في وجهها.

ثم أجدُني بعدها واقفة أمام دُرج مكتب ودموعي تقطر ببطء على سطحه، توجهتُ ناحية الحمام ودخلته ثم أظلمت عيناي حتى أنارها شعاع الشمس المُتسلل عبر نوافذ غرفتي..]

طَرقٌ على زجاج أفكاري جعلني أُفيق وأُنزل النافذة، ابتسمتُ لمن ينظر إلي بزُرقة السماء خلف نظارته المستديرة: «طاب مساؤك يا آنسة ونعتذر عن جعلك تنتظرين».

- «لا عليك.»
ترجلت أقف قريبًا منه، ابتسم ممازحًا بعدما فتح أبواب السيارة وألقى نظرة مبدئية: «تريدين تطهير الخطايا التي ارتكبتها في السيارة؟»

أمسكتُ إحدى تجعيداتي الهاربة ألفها حول إصبعي: «آه.. أعاني من وسواس النظافة».

أومأ بفهم وشرع في عمله بينما كنت واقفة أضرب الأرض بقدمي بخفة بينما أطالع الأرجاء، أين هو؟

لن أغادر التقاطع دون رؤيته على الأقل!

بعد صراع داخلي لعدة دقائق رفعتُ صوتي لكي يسمعني بسبب الصوت العالي للجهاز الذي يستخدمه: «أرجو المعذرة.»

لم يُجبني؛ فاقتربت كي أعيد الكرة ولكن مهلًا! كيف ستسأل عنه؟ بأي حق وأي عذر؟!
جالت عيناي من حولي حتى رأيت ما ألهمني، فناديته بصوت أعلى، أوقف جهازه مستفسرًا: «هل من خطب ما؟»

نفيتُ برأسي ثم قلت: «لقد زرتكم قبلًا وتمت خدمتي بكفاءة من قبل شاب يقاربك سِنًا، شعر بلون الكراميل وأعينٌ بلون التفاح الأخضر، مربوع القامة، هادئ البسمة، قليل الحديث.»

ارتفع حاجباه بذهول: «وصفٌ دقيق! أنتِ تقصدين ماثيو بلا شك.»

اسمه ماثيو!
امنعي ابتسامتك السعيدة البلهاء من الظهور بأي ثمن.

- «ماذا بشأنه؟ حسب حديثكِ عنه فقد أسعدتكِ خدمته.»

أومأتُ موافقة: «كثيرًا، لكن كنت مستعجلة لدرجة أنني نسيت إعطاءه إكراميته.»

كنتُ مصعوقة.

فغر فاهه ببلاهة ثم زفر ضاحكًا: «لا داعي لذلك؛ نحن نقوم بعملنا هنا، ما كان عليك التفكير في الأمر حتى.»

رغبةُ جُثَّةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن