نجمة من أفق السماء : الشهاب الأزرق

392 21 0
                                    

دعاني القائد إلي مجلس التشاور الأعلى و أنا لازلت حاملا الصغير بين يدي و بعد برهة أصدر "ناي" قراره برمي الصغير نحو الفضاء الخارجي و بالتالي القضاء على أي فرصة لنجاته ، إن قرارات القائد نهائية غير قابلة للنقاش أو المجادلة و لكن كيف لي أن أتخلى عن هذا الصبي المتشبث بذراعي ؟ لم أستطع بل لم أرد ،فرفعت صوتي معترضا لأول مرة في التاريخ و مواجها القادة السبع و على رأسهم "ناي" قائلا :

" أيها القادة يا سكان "نوا" لم نعتد على أن نكون همجيين و مسيئين ، كيف لكم أن تلقوا بهذا الكائن الصغير نحو المجهول ؟ إنه يشكل ماسة نادرة بالنسبة إلينا، كيف نسيتم هدفنا الأسمى الذي نسعى لتحقيقه ؟ فهذا الذي أحمله قد يكون سلاحنا و وسيلتنا التي سنعتمد عليها للغزو، فل نبقه معنا و لنكتشف أكثر فأكثر عن أعدائنا، مما يتشكلون ؟ و كيف يكبرون و يتطورون و يفكرون ؟ فل نضعه قيد الاختبار و سأكون المسؤل عنه و أطلعكم على كافة تطوراته و أسراره "

تهامس القادة السبع و تغيرت تعابيرهم ، و أخيرا خاطبني القائد قائلا :

حسنا يا " لؤلؤ" لك ذلك ، لكن هنالك شروط محدده عليك اتباعها , وقوانين جديدة ستطبق عليك و ،لن يعيش معنا هذا الكائن أكثر من عشرة سنوات ، سيتم خلالها مراقبت و إجراء الفحوصات عليه ستصبح كلمت الغزو ممنوعة على السكان حتى تبقى سرا لن يطلع عليه هذا الآدمي ,يمنع الإقتراب منه وسيكون لؤلؤ الوحيد الذي يتعامل معه ، هذا كل شيء ليرفع المجلس "

أعادت لي هذه الجمل البسيطة الارتياح و توقف جسدي عن الإرتعاش ، لما كل هذا ؟ الإنفعال لست أدري ، لما تدخلت فجأة و غيرت القرار !  هل هذا حقا في صالح "نوا" ؟ أم أنني أردت إنقاذ حيات هذا الكائن مهما كان الثمن ؟ حتى و لو كانت عشرة سنوات فقط ، أم أني أحاول التعرف على هذا الكائن الذي سكن قلبي وحطم جدرانه بنظراته الواسعة .

و هكذا حملته إلى مسكني و أطلقت عليه اسم "الشهاب الأزرق" لزرقت عينيه و بالتالي غيرت مجري حياتي دون أن أعي ذلك .

أصبح لدي اليوم رفيق في حياتي ، لم أعتد على الأمر بعد فذلك صعب علي ، فأنا لا أعرف عنه شيء لا طريقة لباسه أو تنظيفه و لا كيفية إطعامه كان أمر التأقلم معه شبه مستحيل ، لكن طريقة تحركه الغريبة جعلتني أهتم لأمره شيء فشيء ، كان يستيقظ و ينام بشكل عفوي ، يطلق ألفاظا غريبة لامعنى لها ، لم أتلق أي مساعدة أو دعم من مراكز التربية في "نوا" فهنا عندما ننجب فردا جديدا لمجتمعنا يتم إرساله فورا نحو هذه المراكز التي تقوم برعايته و تربيته وفق قوانين محدده تخلو من معنى الأمومة حتى يستعد لمواجهة الحياة بنفسه و بعد أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره يخرج من المركز يستلم سكنه ألإنفرادي و مهامه التي توكل إليه ، إنها طريقة عيشنا و تقاليدنا التي نعتمد عليها لبناء "نوا" و ضمان بقائها ، من دون عائلة من دون مشاعر ، لكن وجود "شهاب" برفقتي أمر جديد ليس علي فقط بل على الجميع ، أمر لا يمكن تقبله لو أنه ليس في صالح الغزو ، و بعد لحظات قليلة و أنا سارح في تفكيري تغير مزاج الشهاب الأزرق و بدأ يطلق أصوات عالية صاخبة و مزعجة لم أجد لها معنى في حواسيبي و لا طريقة لإيقافها ظل يصرخ و يصرخ حتى احمرت عيناه و سقطت منهما قطرات غريبة تشبه الماء تنهمر دون توقف ، أبهرني الأمر فوقفت ساكنا ألامس القطرات لتغير من تسارع دقات قلبي مجددا و لكن هذه المرة اختلف الأمر ، لأني أردت أن يتوقف صراخه بشدة جعلتني أحمله و أعانقه دون أن أدرك المعني من الأمر و بصورة تلقائية توقف عن الصراخ و نام في حضني ، لقد تحركت المشاعر داخلي في ذلك الموقف تلك التي لم تكن موجودة ، فنحن سكان "نوا" رغم ذكائنا الفائق إلا أننا نخلو من الشعور و لا نملك هذا اللفظ في معجمنا ، فنحن كائنات مثالية لا تخطأ ولدنا لنعمل و ننفذ الأوامر ، لكن الشهاب الأزرق حرك الشيء الميت في داخلي حرك أحاسيسي و أعاد إحياء قلبي و أراني العالم من زاوية مختلفة و جعلني أعترف لنفسي بأنني أخيرا سعيد لوجوده في حضني و في ذلك اليوم عاهدت نفسي على أن أجعله جزءا مني و أمنحه القلب الذي أعاد إحيائه , تعلمت إطعامه بعد أن إطلعت على ملخص حياة البشر التي منحت إلي خصيصا لمعرفت التعامل معه و تنظيفه و مع مرور الوقت اعتدت على وجوده و بتغيره تغيرت أنا معه و تشبثت به أكثر فأكثر ، علمته كلامنا و علومنا و كل ما أعرفه و اندمج بين سكان "نوا" لكنه ظل الغريب الذي اقتحم مملكتهم دون استئذان ، كان يشعر دائما بالغرابة بينهم و الاختلاف لحيويته المفرطة و ابتسامته السلسة و طريقة تعبيره عن مشاعره التلقائية ، كان يسألني دائما سبب ذالثك دون أن يجد مني جوابا مقنعا لكنني رغم ذلك علمته معني أن يكون فردا من "نوا" و أن يعمل لمصلحتها و بذالك يصبح جزءا لا يتجزأ منها و علمني بدوره أن أحب و أحبني بالمثل و مرت السنين و أصبح ذلك الرضيع فتى في التاسعة من عمره ناضجا ، كان كلما يرفع رأسه إلى السماء و يرى الأرض تلمع عيناه و كأنه يحن إليها دون أن يدري أنها المكان الذي أتى منه ، حينها أدرك تماما أنه سيعود إلى موطنه يوما ما .

مذكرات من عالم آخرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن