إنه يوم آخر أتجه فيه كعادتي لمجلس القادة السبع لإطلاعهم عن آخر تطورات "شهاب" و لكن هذه المرة اختلفت الأجواء في المجلس ، كانت نظراتهم تتهمني بالتقصير ففور دخولي القاعة علمت أن "الشهاب الأزرق" لن يطيل البقاء لن يتمم العشر سنوات ، وقف القائد "ناي" بنضراته الثاقبة و خاطبني قائلا :
" لقد تم التعرف على الكائنات البشرية و تحديد طريقة عيشها مما سهل علينا كثيرا التعرف على أعدائنا أكثر فأكثر و يعود الفضل لك يا "لؤلؤ" و لكن بدء هذا الكائن في التطور و استيعاب الأمور أسرع مما تصورنا و قد خرجت الأمر عن السيطرة ، لقد إندمج في مجتمعنا و صرنا نخاف أن يؤثر سلبا على سكان "نوا" و على مخططنا ، كما أنه لم يعد يفيدنا بعد اليوم و لا مصلحة لنا في إبقائه معنا ، لن نستطيع إعادته إلى موطنه فهذا سيشكل حتما خطرا علينا ، لهذا يا "لؤلؤ" ستقوم بالتخلص منه و تنفذ ما كنا قد أمرنا بتنفيذه قبل قرابت عشرة أعوام و هو إلقائه نحو الفضاء "
رفعت الأصوات تأييدا للقرار تحت ناضري ، قرار القضاء على "شهاب" نهائيا و محو وجوده ، إرتعش جسدي و اهتز قلبي من مكانه لم أستطع التفكير و تلاشت أفكاري و كأن مرضا ما أصابني أو فيروسا اقتحم بياناتي وخربها أو أنه فقط شعور الغضب الذي لم أعرفه من قبل ، تحركت شفتاي مجددا دون أن أتحكم فيهما و اعترضت على نفس القرار مرة أخرى و لكن هذه المرة يوجد سبب مقنع يدفعني لذلك
غادرت مقر المجلس أخيرا و قد أنقدت "شهاب" مرة أخرى من الهلاك ، أدركت حينها أني تغيرت كثيرا بل لم أعد أعرف نفسي فقد صرت أصرح برغباتي علنا و نحن الذين لم نملك الرغبات من قبل ، لعلني لم أغير "شهاب" مثلما اعتقدت ، فرغم مجهودي ظل مختلفا عن الغير لكن لعله هو من غيرني أكثر ، فلقد صرت أشبهه ، ربما لم أعد من سكان "نوا" بعد الآن .
و أنا ألمحه قادما نحوي و كأني أرى نفسي في مرآة ، تلك الروح المحجوزة داخلي التي لم تتحرر بعد ، تلك التي تشتاق لأن تطير كنجمة في السماء ، لكن "شهاب" اليوم بدى مختلفا عن باقي الأيام ، لم يكن يملك تلك الحيوية المعتادة و إنما احمرت عيناه فور ملاقاتي ، كانت تقولان لي " أنا أعلم كل شيء" كانتا تدلان على ذلك الشعور الغريب الذي ينتاب شهاب في بعض الأحيان ، شعور الحزن الذي لا أحبه لسبب ما ، تقدم نحوي و قال بصوت هادء :
" لقد سمعت اليوم الكلام الذي لطالما انتظرت سماعه ، حقيقة من أكون ، رغم أني أردت أن أسمعه منك و بطريقة مختلفة و لكن لقد تم الأمر و صرت أدرك سبب كرهكم لي ، لا أريد أن أعيش هنا مجددا و لا أريد أن ترسلوني إلى موطني الذي لا أعرف عنه شيء فقط ألقوني نحو الفضاء "،
لم يستطع أن يكمل كلامه لشدة حزنه و سرعان ما انهمرت قطرات الماء من عينيه مثل تلك التي جعلتني أعاهد نفسي من قبل على منحه قلبي ، فعانقته مجددا لكي تتوقف عيناه عن الاحمرار و تعود زرقاء جميلة مثلما عهدتها , و سرعان ما عاد إلى طبيعته و مسح تلك القطرات و قال :
"لؤلؤ" لطالما أدركت أني لا انتمي إلى هذه النجمة و لكني أحببتك و أحببت كل من هم حولي و لم أعتقد بأني سأسمع يوم الأهل الذين تربيت بينهم يتفقون على رميي خارجا بكل هذه السهولة ، ثم أجبته قائلا :
" اسمع أيها الأزرق لقد أعدت إلي الحياة التي نزعت مني فور ولادتي ، أرجعت إلي خفقات القلب و بسمت الشفاه و بفضلك صرت أرى الحزن و أشعر بالغضب ، سكان "نوا" لم يحضوا بهذه الفرصة فهم غائبون عن الحياة لهذا لا تآخذهم فهم مجرد آلات عاملة من دون أحاسيس قد كنت يوما مثلهم و اليوم صرت مثلك ، أما بالنسبة للبقية فدع الأمر لي لأنه لن يرمي أحد بولدي إلى المجهول ما دمت على قيد الحياة و اعلم أنك تحمل قلبي معك أينما تكون فكلما شعرت بالوحدة تذكر ما أقول ، أنني و أنت شخص واحد "
أعدت بكلماتي البسمة إلى شهاب فهذه المرة تكلمت من أعمق ما يكون و استعملت معجم المشاعر التي بت أحفظ منه الكلمات ، لأني حقا تغيرت و لم تعد تهمني القوانين و لا الأوامر لأنه صار لدي شيء غالي أحميه.
إنه الغد اليوم الموعود يوم نقل "شهاب" نحو المجهول اتجهنا نحو مركز القيادة حيث كان القائد "ناي" في انتظارنا و معه المختصون ، لم أشأ توديع "شهاب" لأن الوداع لم يحن بعد ، جلسنا داخل جهاز قادر على نقل المواد الصلبة الصغير داخل أو خارج العقول ، تم تخدير "الشهاب الأزرق" ليغلق عينيه لآخر مرة على متن هذه الأرض و ليفتحهما من جديد على أرض أخرى لم يرها من قبل ، بعد تشغيل الآلة تم نقل الرقاقة "محو الذاكرة" من دماغي نحو دماغ "شهاب" لأقطع بذلك كل صلت تربطني به و كل ذكرى جمعتني معه ، إن الرقاقة "داء" أي رقاقة "محو الذاكرة" موجودة لدى كل فرد في "نوا" فعندما يولد أحدهم يتم زراعتها في دماغه فعملها هو محو كل المشاعر الموجودة داخله و بالتالي لا يملك الفرد أي رغبة في البحث عن عائلته أو الشعور بشيء قد يعيقه عن العمل ، لا يعرف هذه المعلومة سوى القادة السبع لأنها غاية في السرية لكنني تمكنت من الوصول إلي هذه المعلومة يوم تحركت مشاعري و قررت البحث و تعمقت في الأمر فاكتشفت هذا السر الذي خبأه القادة طيلة هذه السنين ، بمساعدة هذه الرقاقة و بعض التعديلات يمكننا محو ذاكرة "الشهاب الأزرق" و بالتالي إرساله إلى الأرض دون تعرض "نوا" إلى أي خطر ، لكن الثمن الذي كان علي دفعه هو أن أمنح رقاقتي الوحيدة "لشهاب" و بالتالي يتم فصلي نهائيا عن "نوا" و شعبها ، كان هذا الاتفاق الذي أجريته مع "ناي" لإنقاذ "الشهاب" من الهلاك و لم يعلم به احد , تم الاتفاق وحمل الأزرق على متن مكوك ينقله مباشرة إلى الأرض ، أما عقابي فكان الطرد من "نوا" نحو الفضاء المجهول ، حملة داخل مكوك آخر ذات وجهة مختلفة و أنا مخدر و تم برمجته لنقلي إلى ابعد نقطة في السماء تبعدني عن"نوا" إلى الأبد ، ربما استطعت أن أنقد "الشهاب الأزرق" لكنني لم أقدر على إنقاذ نفسي فقد صرت مختلفا جدا عن السابق لدرجت أن "ناي" لاحظ ذلك مما جعله يصدر قرار نفي ، لم ألمه و لم ألم نفسي لأن هذا يعد في صالح "نوا" و أنا صرت أشكل خللا مضرا لنجمتي المفضلة ، ها قد انطلق الركب و بدأنا نحلق معا لكن وجهتنا هذه المرة مختلفة و أنا أحاول مقاومة المخدر رأيت كل ما مضى علي من تغير في حياتي , قابلتني صورة الأرض بزرقتها الآ متناهية و تذكرت عيني شهاب عندما رأيتهما لأول مرة ذلك الإحساس الذي لم يفارقني يوما , الإحساس بالحياة همست لنفسي : " ليس الآن وقت الاستسلام ليس الآن" ، قاومت وضعي و تمسكت بذكرياتي الجميلة لأبقى مستيقظا وقتا أطول فقط حتى أعدل مسار مكوكي فأنا المسؤول الوحيد على تشغيل أضخم آلة في "نوا" و آلة كهذه لن تصعب علي , حينها و قبل أن أغمض عيني إثر المخدر سمعت المضيفة الآلية تقول : لقد تم تغيير الوجهة بنجاح , الوجهة التالية الكوكب الأزرق .
*
أنت تقرأ
مذكرات من عالم آخر
Fantasíaهي مذكرات لشخصيات من نسج الخيال ، عاشت المغامرات و البطولات و عرفت الفوز و الخسارة . ستجدون هنا سلسلة متتابعة لحياة أشخاص ، حياة ليست عادية و إنما خيالية لكنها تحمل في طياتها الأحاسيس و العبر التي قد نحتاج إليها لعيش الواقع . تبدأ القصة عندما يواجه...