"طلبتُ زيتونة واحدة "

49 22 6
                                    

لا كلمة تصفُ ما هو قادمٌ من حروف، أنتَ يا عزيزي القارئ ستقرأ وتفهم.

كنتُ جائعًا جدًا، أتضور جوعًا في الحقيقة، إنني لا أتذكر حتى ما أخر شيء أكلته، أخبرتُ أمي بالأمر، لكن لم تجد المسكينة طعامًا عندنا، أخبرتني أنها ستذهب عند الجيران لتبحث عن ثمرة طماطم، وعدتني أنها ستُعد لي وجبة أحبها، إنني في الحقيقة أعشق كل ما هو أحمر ومستدير ويبدأ اسمه بـ " طماطم "، لقد أغلقت باب المنزل بإحكام وأنا بداخله وأمرتني أن لا أتحركَ من مكاني حتى ترجع، بعدها أضاء ضوء أحمر غريب وسمعت أمي تصرخ باسمي باكية.

منذ عدة أيام سقط صاروخ فوق منزلي، فقدت حينها أعزاءً كُثر، لكن ولدي عاش؛حماه اللّٰه لي؛ كي لا أبقى وحيدة في هذه العالم، كان الصبي مصابًا، انتزعته من تحت الأنقاض بيدي، لكنه حي، أبني حي أيها العالم القاسي، لقد قطعت يومها الطريق ركضًا بصغيري من بقايا حطام منزلنا إلى أقرب مستشفى، أسمع نبضات قلبه وصوت تنفسه الخافت في صدري، حين أخبرني الطبيب أن هناك أمل، طفلي سيعيش رغم كل شيء حلقت روحي حينها للسماء ووصلت لمراتب كبيرة من السعادة في هذا اليوم، تركته بالمشفى وهلعت رغم جراحي أحضر له ماءً، ذهبتُ وعدت ولم أجد لا ولدي ولا الطبيب ولا المشفى ولا الأمل.

كنا أنا وأختي نتشاجر كثيرًا، إنني أكرهها، هي تشاركني كل شيء: غرفتي، ألعابي، وملابسي، وحتى كيس الأشلاء.

أنا طبيبة؛ رأيت الكثير في الواقع: جثث، مصابين، وأشلاء، أطفال مفارقين أرضنا للأبد، لكن كل شيء توقف حين وجدت زوجي ضمن الجثث القادمة للمشفى.

إنني في طريقي لنشر الحقيقة؛ إنها مهمتي من الأساس، سأتحمل مهما جرى، سأتحمل رؤية الموتى والجثث والأطفال المحرقين، عليَّ ذلك، إنني أسمى من هؤلاء الذين يزورون الأخبار، سأخبر الجميع بفظاعة اليهود، لقد وصلتُ الآن لموقع الحدث، إنه قريب جدًا من منزل أسرتي، سأطمئن عليهم فور انتهاء تصوير الخبر، مهلًا، مالذي....! ، كلا، كلا، كلا،، لا يمكن أن تكون عائلتي هي الخبر! .

أُقسم كان حيًا، واللّٰه هو حي، أخرجوه من هذا الكيس، أخرجوا أخي من هناكَ، هو حي صدقوني، هو حي، لقد سمعت صرخاته وهو ينادي اسمي، هو حي، هو حي.

أتسألني لماذا ارتجف يا سيدي؟، صدقني لا أدري، إنني حتى لا أعلم ما حدث، لقد كنت نائمًا حين حدث، سيدي أتدري ؟، إنني أكره النار التي تحلق في السماء، أرجوكَ سيدي أخبرها أن تكف عن سرقة مَن أحب.

زيتون الأقصىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن