الفصل الرابع : إياك أن تقعي بحبي .

11 0 0
                                    

&&&&&&&
استيقظ بوراك من نومه في مؤخرة الليل ، كان أحمد بجواره غارقًا في نومه .
رفع رأسه ليتفقد مكان عمر ، فوجده فارغًا ، لا يعلم لما ثمة اضطراب أوكز قلبه حينها ، فنهض كتيار كهربائي يحركه تجاه معطفه المُعلق يتفقد مفتاح غرفته التي تمكث بها ميريتش ،
ولكن مما زاد اضطرابه و ذعره عندما لم يجد أي أثر للمفتاح ، فقذف المعطف على الأرض وخرج مهرولًا تجاه غرفته مذعورًا ، ثم اندهش عندما رأى باب الغرفة مفتوحًا فتعجل باختلاج حتى لمح رأس عمر من الخلف ، ثم سمع صوته يخاطب ميريتش بالداخل :
- ثقي بي ، تعالي سأخرجك من هنا .. إن لم تخرجي الآن فبالغد سنرحل إلى تركيا بصحبتك ، و أول عمل سيقومون به هو قتلك .
**
- ألم تكن انت أيضًا بالأمس تريد قتلي بشدة لماذا تقوم بمساعدتي الآن ؟
**
أطل بوراك من خلف الباب ليجد بحوزة عمر سكينًا يخبئها خلفه ، و يرمق لها بنظرة يدركها بوراك جيدًا من عادة صديقه الماجن ، تلك النظرات الشهوانية الدنيئة ، ففورًا دفع الباب بقوة حتى ارتطم بالحائط ، وبلا مقدمات تقدم ليعطيه نصيبه من اللكمات ، وأنواعًا شتى من الشتم والسب ، تراجعت ميريتش من خلفها ، ثم تقدمت بهدوء قاصدة التدخل بينهما ، رفع بوراك رأسه ناحيتها صارخًا ومحذرًا  :
- إياااك ! ابتعدي ايتها الفضولية ، إياك أن تتدخلي !
**
كانا يتعاركان بالزاوية تاركين الباب مشرعًا ، أنها فرصة لا تتفوت ، طالما هما لاهيان لن ينتبهان لهروبها ، للتو ستضع رجلها تجاه الباب ، وألا سحب بوراك عمر طاردًا له وأغلق الباب من خلفه ، فأسرت في جوفها : أففف كان عليك أن تلقي ذلك الماجن لكمتان إضافيتان أيضًا !
**
سحبها بشراسة وحشرها بالزاوية ملتصقًا بها.. مرتعدًا بصوته كعادته :
- ايتها الساذجة ! كان يقبض خلفه سكينًا ، كيف لم تدركي هذا ! أكنتِ ستثقين به بكل سهولة و حماقة ! اين صراخك اللعين لماذا لم تستعمليه قبل قليل !
**
دفعت صدره بكلتا كفيها مجيبة له بنفس نبرته ومستوى صوته :
- طبعًا كنت أدرك هذا ! لم أكن أثق به أيضًا ، و أدرك غايته القبيحة أيضًا ، وبكل الأحوال انا مخطوفة و لا زلت هكذا ، ماذا عساي أن أفعل سوى مداراته والتظاهر بعدم فهم نيته ، حتى أجد الحل المناسب ! لو انني واجهته بإدراكي لنيته لقام بالمبادرة على مهاجمتي دون تضييع وقت أيها الأحمق !
**
استدار متوجهًا إلى الخزانة فتحها ، تناول مخدة ، ورمى بها على وجهها ، ثم اتبعها ببطانية اصطدمت على بطنها  ، قائلًا :
- خذي ، جهزي لنفسك مُضطجع على الأرض ، وانا سأنام على سريري بالطبع .
**
ثم ارتمى على سريره مستلقيًا يعطيها جهة ظهره ، يسدل البطانية على جسده كاملًا ، لم تشعر بالغضب والحنق تجاهه هذه المرة ، بل شعرت أن وجوده بث لداخلها القليل من الأمان ، فأجابت ممازحة بسخرية لجملته السابقة :
- أوه ! كم أنك راقي أيها السيد بوراك .
**
لم يجيبها ، ولم يبدي لها أي ردة فعل ، بل أغاظه نبرة صوتها قليلًا بأنها تجرأت لممازحته ، و كأنها خفضت جرعة مهابته لديها .
**
سدلت فراشها ودخلت بداخله ، ثم نطقت بنبرة دافئة :
- أتعلم ، انت لست انسان سيء محضًا ، وقد أخطأت انا بتقييمك سابقًا ، و لكن يبدو ما عشته بهذه الحياة ، قد أجبرك أن تكون رجلًا قاسيًا وغامضًا ، وإما ما بداخلك شيء جيد للغاية لدرجة أنه لم يتلطخ حتى الآن ، أدرك بأنك اخترت النوم هنا لحمايتي ، لم يرضيك بأن يمسني أحدهم بسوء .
**
- يكفي ايتها الثرثارة ! كم أن كلامك سخيفًا وفي غاية التفاهة ! أنه سريري و أردت النوم عليه وحسب ! هيا أغلقي فمك وألا اعدتك إلى مستودع الفئران .
&&&&&&
في تركيا .. بعد مرور يوم .
تعبر سيارة فاخرة بين شوارع إحدى أحياء اسطنبول ، بقيادة سائق عائلة شهيرة من أشهر العائلات سمعةً ومكانة وغنى .. يلاحظ بوراك تعابير ميريتش المليئة بالحسرة والتشوق تود القفز من النافذة بشدة ، فابتسم على جهة واحد قائلًا بثقة :
- يبدو أنك تسكنين هنا ايتها الممرضة ، هل تشوقتِ إلى حيك ؟
**
رمقت له بغضب على سخريته واستهزائه بهمها المثقل على قلبها ، يعتصر قلبك عندما تجد مكانك وحيث انتماءك بعد طول غياب لكنك فاقد حريتك ، لا تستطيع تبشير أحدهم بعودتك ، رغم أنك مليء بِـ الشوق لِـ أحبائك المنتظرين لعودتك ....  فأجابته بحنق :
- بل اشتقت لأمي أيها الحجرة البشرية ! امي هنا بالقرب مني وانا اشتاقها بشدة لكني لا استطيع رؤيتها بسببك !
تدخل أحمد ساخرًا ، يرمق إلى بوراك بنظرات مُمازحة :
- لا تخافي ، على الأقل ستكون قريبة منك على بعد بضع أحياء ، فحينا لا يبعد كثيرًا ، مسافة ربع ساعة .
ثم أضاف بنبرة منخفضة :
- لكن هذا إن بقيتِ على قيد الحياة .
**
نظرت له بازدراء ، ثم أعادت بصرها إلى بوراك بتعبير تساؤلي :
- بوراك لن يسمح بقتلي ، أليس كذلك بوراك ؟
**
نفض كتفيه بلامبالاة وأومأ بحاجبيه كذلك (علامة الجهل ) ، ثم ألتفت تجاه النافذة موسع ابتسامته ، للتو ستكمل تذمراتها ألا يقاطعها مرور طيف امرأة تجاه الدكاكين ، لم تكن تخطئ رؤيتها ، أنها أمها حقًا ، فتعلقت عينيها بالنافذة ، وملامح الحسرة والشوق تبدو عليها ، لكنها لم تفعل اي حركة تلفت الانتباه و تعرض والدتها للخطر .
&&&&&&&
اصطف حول مقدمة الباب الرئيسي لقصر العائلة كلًا من (اسماعيل) والد بوراك ، و (سيلين )والدة بوراك ، و شقيقته الصغرى (حفصة )، وعمته (جاهدة ) وابنتها (ألينا) ، طوقوا المدخل يتفقدون ما المسألة ، حينما أدهشهم أصوات بعض الضجيج و صراخات نسائية بصوت غير مألوف عليهم .
**
وإذ ببوراك يجذب يد ميريتش قسرًا ، يجررها بعنف تجاه المنزل ، وهي تحاول الافلات والاستنجاد بمن في الجوار .
**
كانا يتلقطونها بنظرات برود وعدم استنكار عندما رأوا أن بوراك من يجررها ، تقدم اسماعيل باعتراض وتكفهر :
- أليس هذه الفتاة الفضولية ؟! لماذا جلبتها إلى هنا ؟
**
- بوراك اتركني ، اترك ، صحيح ما يقوله لماذا جلبتني !
**
نظر إلى ابيه ببضع تحدي وإصرار :
- لأنها يجب أن تبقى هنا ..
ادار بصره إلى ميري وأضاف :
- وانتِ امشي ، تحركي .
**
قال كلمته وشدها إلى الداخل بينما هي تتطلع إلى أعينهم واحدة واحدة :
- لتنقذني أحداكن على الأقل ، انا مخطوفة ، ابنكم يخطفني كما ترون ، أرجوكم تصرفوا بضمير .
**
- صه ! قلت لك امشي ، و اغلقي فمك وألا قمت بخياطته لك ، هل أهلي سيقفون معك ضدي ايتها الحمقاء .
**

رواية جزية فضولي . حيث تعيش القصص. اكتشف الآن