.19.

197 8 1
                                    

الحياة كالطاحونة الهوائية لا تهدأ ثانية، ولا تنتظر!
وكُلما إشتدت زوابع الرِياح يَشتدَّ عَزمها لِطحن مَن يَحيونَ بها، ولا
يتبقي سوي فُتات إنسان قَد يُحاول النجاة مرة أخري وقَد لا يفعل.

وفي تلكَ الرُدهة الطويلة والتي كانت نهايتها غُرفة العمليات وَقف هيكتور بِبقايا روح
وأعين حُقنت بالدموع التي تأبي الفَرار، يَنتظر مُنذ مُدة اية إشارة تطمئن فؤاده، وهكذا
بقي حاله مُنذ وصول سيارة الإسعاف ووضع جسد الصغيرة بها، إلي إيداعها بتلك الغُرفة المحظورة، فَقط ينظر أمامه بشرود ولا يري سوي عينين إيفا سماوية المظهر وهي

تناظره بألم، تِلك آخر نظرة طافت بين غياهب أهدابها قَبل أن تفقد وعيها تمامًا.

أغمض عيناه بنفور لكل ما حدث،  يتمني لو تُمحي تلك النظرة من أمامه، يتمني
لو أنها لم تخرج من بيتها بذلك اليوم، يتمني لو تَاهت التعاسة عَن ديارهما مُنذ أمد؛

ولكن جميعها أمنيات، تبقي بالنهاية أمنيات.

أفرج عن مُقلتيه حِينما وَصله ذلك الشهيق المكتوم والذي لم يصدر إلا من والد
إيفا والذي كان يجلس فَوق أحد المقاعد المَوضوعة ويُغطي وجهه بكفيّه ينتحب
والأسي يتلبس هيئته؛ زَفر هيكتور وقادته خَطواته نَحو ذلك الباكي لِيجلس بجانبه،

كان هادئًا يُلجِّم حُزنه بوجوم، ليمد كفّه نَحو السيد باولو ورَبت بخفوت فوق ظهره
المَحني وهو يقول بصوت مبحوح: سَتكون بِخير، إيفا سَتكون بخير يا سيدي.

نَفي السيد باولو برأسه وحرر يداه عن وجهه وقال بندم وهو ينظر أمامه: أنا السَبب،
كنتُ عَبدًا لِهواجسي دائمًا ولم أهتم لها، كُنت أظنُ أنني سأحميها بحبسي لها
ولكنّي كنتُ اقتلها بِسُمّ الوحدة، أردتُ أن تبقي إبنتي معي دائمًا وغفلت عن
أن أكون معها يا بُني..أقسم أنني غفلت.

توقف السيد باولو عن الحديث حينما خنقته غصة جديدة، لينظر تِلك المرة
إلي هيكتور وأكمل بِحسرة ووهن: وها هي الآن جريحة وتُصارع الموت
وحدها بالداخل بسببي، كل ما يحدثُ معها بسببي ولا يسعني الإقتراب حتي.

لم تتوقف يَد هيكتور عن تربيتها علي ظهر السيد باولو، إبتلع ريقه يرطب حلقه
الجاف وقال بمواساة: إيفا تُحبُكَ سيد باولو، هي لن تتركك بسهولة.

" ولكنّي كنتُ سأفعل، أنا لا أستحقُ إبنة رائعة مثلها "

نَفذت كلمات هيكتور ونَضبت كحال صموده لِيحتضن السيد باولو بجانبية وعينيه
حَررت أخيرًا دَمعة يتيمة، ولم يَسع باولو سوي التشبث به يواصِل بكائه وندمه.

Warmer| حتـي النهايـةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن