الفصل الأول

4K 111 6
                                    

أسفة أرفض الزواج .....
أصبحت خالي الوفاض من الأمل،ظننت أن حياتي ستظل مثل الصحراء لا ماء يرويها ولا أشجار تبهيها ولا رفيق يرافقنى بين فيافيها. حتى ظهرتِ أنتِ،فأصبح قلبي نابضًا،مشتاقًا يحلم بليالٍ أنت ملكتها وأنا أسيرك لا أرجو فرارًا ولا عفوًا .أصبحت ذنبي ولا اود غفرانا. فدعينى أسبح بمحيط عشقك وإن غرقت فلا تنقذيني فبين أضلعك سيكون مدفني وسأكتب : هنا مت شوقًا فلا تتركيني.
خواطر : سلوى عليبه
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
الفصل الأول:
تقودنا اقدارنا للقيام بأدوار لم تكن أبدا بالحسبان . نظن أننا لن نأتى إليها ولن نقوم بها ،فهى ليست لنا .ورغم هذا نجد أنفسنا نقف ونواجه ما ظنناه يومًا شيئا مستحيل الحدوث وعلينا المثابرة والتحلى بالقوة أمام الجميع رغم هشاشة دواخلنا.
فى شقة حديثة الطراز تتسم بأثاثها الفخم
وديكوراتها الرائعة والتى تدل على رقة صاحبها وذوقة الرفيع وأيضًا إرتياحه المادى.
تجلس تلك الجميلة ذات الثلاثون ربيعًا "حنين" على تختها تنظر للفراغ
وهى تضم إبنها "ياسين" ذات الأربع أعوام وابنتها "فريدة " التى تبلغ سبع سنوات. تبكي رفيق درب لم تجد منه غير كل خير فى سنوات زواجهم العشر . لم يكن بينهم حبًا عميقًا ولكن كان بينهم المودة والرحمة وطيب المعاملة ورقيها من رجل حلو المعشر واللسان. لم تجد منه إلا كل خير سواء اثناء غربته او اثناء تلك العطلة التى كان يقضيها بينهم كل عام ثلاثة أشهر.
ولهذا تبكيه بحرقة حقيقية على أيام جميلة مضت وأيام قادمة لا تعلم ماذا تفعل فيها وكيف ستتولى أمور حياتها. فهى حقًا تأكدت أن الطيبون يذهبون سريعًا.
دخلت عليها والدتها وهى تنظر إليها بحزن وتقول:
حنين ياحبيبتى فيه ناس بره عايزه تعزيكي فى "علي" الله يرحمه.
نظرت إليها بحزن شديد وقالت بهدوء : حاضر ياماما جايه وراكى .
خرجت حنين وملامحها يكسوها الحزن الشديد وعيناها منتفخة من كثرة البكاء.
خرجت للمُعزيين وهى بوادٍ آخر ،بينما هم هناك من ينظر إليها بشفقة ،ومن ينظر إليها بتعاطف ،و من ينظر إليها بشماته .
فليست كل النفوس نقية . دخلت إلى غرفتها بعد أن خرجت آخر المعزيين .
ضمت طفليها وهى تنظر للاشئ .فهى تائهة ،قلبها منكسر وعقلها متوقف عن العمل . فموت رفيقها فجأة جعلها كالعارية أمام الجميع .فهو كان درعها الواق وأمانها .نعم بالطبع فهى دائما ماكانت تشعر بالأمان وما أروعه من شعور يجعلك تنام قريب العين دون الخوف من القادم .أما الآن ففقدت ذلك الشعور عند وفاة"علي" رفيق الدرب والذى كان نعم الرفيق .
مضت أيام الماواساة وجاءت أيام المواجهة لها مع الجميع ؛ فالجميع الآن لايشغله شئ إلا حياتها وكيف ستكون .
طلبت منها عائلتها أن تجلس معهم لأمر هام .
زفرت بشدة فى تعلم مايرمون إليه ولكنها ستقاوم معهم حتى النهاية ولن ترضخ لأحد مرة أخرى .
جلست بترقب فوجدت والدتها ووالدها وأخيها الوحيد وأيضا أختها يجلسون وينظرون إليها ولا يعرفون كيف يبدأوا معها الحديث.
بدأ أبيها يقول: هاه ياحنين ،ناويه على إيه؟
نظرت إليه حنين بهدوء إثر حزنها وقالت: فى إيه يابابا؟
أجابها بترقب : فى حياتك يابنتى.
أجابته بنفس الهدوء: حياتى هكملها يابابا ،ولادي فى حضني وأنا فى شقتي وخير علي  الله يرحمه موجود .
تحدث بعصبية حاول التحكم بها وقال: يعنى هتقعدي لوحدك كده فى الشقة.
ابتسمت بسخرية وقالت: وياترى إيه اللى إختلف دلوقت عن قبل كده.
صاح بقوة: اللى يفرق ان جوزك مبقاش موجود وانتِ بقيتي أرملة.
نظرت إليه نظرة ذات معنى وقالت: "علي" الله يرحمه كان نسافر وبرضه كنت عايشة لوحدي يابابا .فأنا كده كده متعودة على الوضع ده ،كل اللى زاد عليّ ان "علي" الله يرحمه خلاص مش هينزل أجازاته  .
إختنق صوتها بالبكاء فأخذتها أختها حفصة بأحضانها وهى تقول برجاء لوالدها: خلاص يابابا ملوش لازمة الكلام ده دلوقت ؛ يعنى مانتش شايف حالتها عامل إزاى.
وقف والدها وقال بغضب: يعنى هنسيبها ونمشي، إزاى يعنى ،ده مينفعش ولا يصح.
وقفت حنين بقوة لا تعرف من أين أتت وقالت بصوت متحشرج من البكاء:
إيه اللى ميصحش يابابا تقدر تقولي ولا حضرتك ناسي كلامك ليّ لماجيت عشان أقعد فى بيت أهلى بدل ما أقعد لوحدى فى بلد معرفش فيها حد .
إنت عارف إني متجوزه فى بلد بعيدة عنكم وكمان مش نفس بلد أهل "علي" الله يرحمه وده بحكم شغله قبل ماياخد أجازة ويسافر. 
يومها قولتلي خليكي فى شقتك عشان تتعودى إحنا مش هنعيشلك العمر كله . نظرت إليه بعتاب وقالت: أهو أنا خلاص اتعودت إنى أكون لوحدي وأشوف طلباتي وطلبات ولادي ، وعلي الله يرحمه كان موفرلنا كل حاجة حتى العربية اشترهالي عشان ماتبهدلش وأنا بوديهم مدارسهم وتمريناتهم .وخلاص أنا مش هقدر أهد حياتهم عشان وضع أنا اتحطيت فيه غصب عني.
طأطأ رأسه بخزي ،أما والدتها فنظرت إليه بعتاب وكأنها تقول له أأدركت الآن أنك كنت على خطأ حين أغلقت باب بيتك بوجهها ؟
تحدث أخيها بحنان وقال: ياحنين إحنا بس خايفين عليكِ وانت لوحدك.
نظرت إليه بإبتسامة مكسورة وقالت: أنا اتعودت إنى أكون لوحدى يا حسان .
نظر إليها بألم وقال: معلش ياحنين إنتِ عارفه ان بعدي غصب عني بسبب شغلي وكنت دائمًا بسأل عليكِ بالتليفون.
جاوبته بهدوء : عارفة ربنا يعينك ويباركلك فى أولادك يا حبيبي.زفرت بقوة وهي تنظر للجميع وقالت: صدقوني أنا كويسة ويمكن سفر "علي" فى الفترة الأخيرة كان رحمة من ربنا عشان أعتمد على نفسي ولما أتحط فى الإختبار ده أقدر أقف وأصد وأخلي بالي من ولادي. فياريت متقلقوش  عليّ.
بقيت بمفردها تفكر فى حالها وحال أولادها فهي الآن أصبحت وحيدة ،ليس معها أحد .نعم فهي رفضت ماقاله والدها لأنها لن تعود لتعنته مرة أخرى .فهى تزوجت "علي" دون إرادة منها ؛ لم تكن كارهة له ولكنها كانت تريد أن تكمل دراساتها وحياتها وأن تقف على أرض صلبة.رغم أن علي كان ونعم الزوج فى كل شئ إلا أنه كان مختلفًا فى طباعه عنها بكل شئ .
فهي حالمة رومانسية أما هو فكان عملي بشكل كبييير ولكنه كان يتسم بدماثة الخلق،فتغاضت عن عدم الرومانسية والكلمات الجميلة التي تذيب القلوب وتأقلمت على حياتها معه خاصة وهى لاتجد به عيبًا. حاولت أن تغير منه كثيراً ولكنه أبى التغيير فالطبع يغلب التطبع . فكبتت هى مشاعرها التى كانت تتمنى أن تعيشها مع شريك عمرها خاصة أنها لم يسبق لها أن عاشت تلك المشاعر مع أى حد من قبل. ورغم هذا فكان عي بالنسبة لها كدرع حماية من كل شئ .كانت تشعر معه بالأمان ويكفى هذا الشعور حتى تتغاضى عن أى شئ آخر.
رن هاتفها فانتبهت له ،فتحت المكالمة فكانت "هويدا" والدة زوجها المتوفى . فهى ببلدتها القريبة من المدينة التى تقيم بها حنين . فلقد ظلت هناك بعد أن تم دفن جثمان" علي" ولم تقدر على الرجوع لشقته هو وحنين ،أما حنين فكانت من صدمتها لم تتحرك هى الأخرى من مكانها ؛ وبعدها عندما طلب منها الأقرباء أن تذهب لمنزل حماتها لكى تأخذ عزاء زوجها أبت أن تفعل ذلك بسبب عدتها التى يجب أن تقضيها بمنزل الزوجية وليس بأى منزل آخر .فهى تعرف جيدا هذا الأمر ولن تغضب الله فى شئ كهذا.
ردت بحزن على تلك السيدة الخلوقة : أيوه ياماما عاملة ايه النهاردة؟
أكملت المكالمة الروتينية والتى تقوم بها يومياً حتى تطمئن على أحوال أحفادها ،وحنين أيضا تقوم بالإتصال عليها دائما .
مضت الأيام بحنين وبدأت فى إجراءات المعاش لزوجها؛ فهو كان يعمل مهندسًا بإحدى المصانع الحكومية قبل أن يأخذ أجازة للسفر للخارج . كان ياسين أخو زوجها الوحيد دائم الذهاب معها ولا يتركها فى اى مكان بمفردها ؛ فهو يفعل ذلك لأجل أخيه الحبيب الذى ذهب سريعًا من هذه الدنيا.
رجعت حنين من تلك المهمة الثقيلة على القلب خاصة فى ظل الروتين القاهر والذى لا يراعى حال الأرملة بتلك المرحلة بل لا يكترث إلا للبيروقراطيه الكئيبة ومن الممكن أن يتم رفض الأوراق لسبب تافه لايذكر .
كان معها ياسين كالعادة بسيارته ومعها أيضا أولادها فهى لاتتركهم أبدا وفى ذات الوقت حتى لاتكون معه بمفردها.
شكرت حنين ياسين كثيرا على تعبه معها فهو كالأخ بالنسبة لها هو وزوجته يارا .فهما دائمين السؤال عنها وعن أولادها وأحوالهم.
صعدت لشقتها ومعها ابنها ياسين المسمى على إسم عمه وابنتها فريدة . لم تكد أن تجلس حتى رن جرس الباب ،ذهبت فريدة لفتح الباب فوجدت جدتها والدة أبيها . هللت الطفلة كثيرا حتى أن حنين إبتسمت بشدة لتلك السيدة بشوشة الوجه .
هرول إليها ياسين هو الآخر ،ضمته بقوة لقلبها المكلوم تشتم به رائحة ولدها الغائب خاصة أن ياسين صورة مصغرة من أبيه فلم يترك من ملامحه شئ .
رحبت بها حنين بقوة وقالت: تعبتى نفسك ليه ياماما أنا خلاص العدة فاضلها يومين وكنت ناوية أجى وأقعد معاكى شويه قبل المدارس ماتفتح .
إبتسمت بوجه حزين وقالت وهى تربت على يدها برفق: الولاد وحشونى وحبيت أطمن عليكِ وعليهم وأقعد معاهم شوية .
نظرت حنين إليها بحزن وقالت: طب قومى إستريحي على ما أحضر الغدا.
وقفت حنين وأخذت بيدها وهى تقول : صحيح انت جيتى مع مين أصل ياسين كان معايا يعنى طول اليوم فى مشواير .
ردت بهدوء وقالت: أبدا جيت مع واحد جارنا عنده عربية ،طلبت منه يجبنى هنا قبل ياسين مايرجع عشان متعبوش وأخليه يرجع بيّ تاني.
لم تشعر حنين بالإرتياح فهى ورغم حبها لوالدة زوجها إلا أنها تشعر بداخلها أن تلك الزيارة ليست إلا لغرض ما ولكنها لاتدرى ما هو . فالحقيقة هى قد تنازلت عن حقوقها في معاش" علي" لأطفاله .
انتهت من تحضير وجبة الغداء بعد أن تركت أطفالها بغرفتهم يقومون باللعب سويا بعد أن طلبت منهم أن يتركوا جدتهم لترتاح قليلا قبل الطعام .
دخلت حنين لمناداتها بعد ان استأذنت بالدخول .
أنهو طعامهم تحت مشاكسات ياسين وفريدة مع جدتهم ووالدتهم ؛ حتى أنهم أشعروها بالبهجة والسعادة تدخل لقلبها الحزين .
رن هاتف والدة زوجها فناولتها إياه،شعرت حنين بإرتباكها فتعللت بعمل كوبين من الشاى لتدخل المطبخ لتتركها بمفردها .
أنهت عمل الشاى ولكنها رغم ذلك مشغول بالها وبشدة لإرتباك حماتها خاصة أن المتصل كان ياسين أخو زوجها المتوفى .هل يوجد مشكلة بينهم أم ماذا ؟ لا تعلم .
خرجت بهدوء بعد أن انتهت من عمل الشاى وجدت هويدا وملامحها متحفزة وكأن شئ قد حدث.
إقتربت منها بهدوء وقالت: مالك ياماما وشك عامل كده ليه حد زهقك ولا حاجه.
نظرت إليها بقوة وأمسكت يدها وقالت: انت عارفه أنا بحبك زى بنتي وأكتر ولو كنت خلفت بنات مكنتش هحبهم زيك إنتِ وياسمين مرات ياسين .
أجابتها حنين بإبتسامة وقالت: إحنا عارفين الكلام ده سواء أنا أو ياسمين ،لكن ليه الكلام ده يا ماما دلوقت؟
إبتلعت هويدا رمقها وقالت: بصي يا حنين يابنتي .إنتِ لسه صغيرة وولادك قطط عايزين اللى يفضل جنبهم ويساعدك فى تربيتهم ،إنتِ مش هقدرى عليهم لوحدك .
رجعت حنين للوراء قليلاً وهى تتفحص ملامح حماتها وقالت: طب ولازمة الكلام ده إيه ياماما يعنى هو حد قالك إنى هقصر مع ولادى ولا حاجة،وغير كده كلكم عارفين إن علي الله يرحمه كان مسافر ؛ يعنى أنا كده كده متعودة إنى أكون معاهم لوحدي.
أجايتها هويدا بحزن: بس يابنتى على الأقل كنت بتتكلمى مع جوزك ،بتسأليه عن رأيه ،يعنى كان فيه شور حتى لو بالكلام .
أبتسمت حنين بحزن وقالت: حضرتك أكتر واحده تعرفي علي وعارفه أنه كان عملي ومبيحبش الرغي ،وكنت لما أسأله على حاجة يقولى اعملي اللى فيه الصالح أنا واثق فيكِ؛ لدرجة انى ساعات كنت أعمل الحاجة وبعدين أقوله عشان أشوف هيعترض ولا لا بس مكانش بيعترض ولا أى حاجه ياماما. زفرت بهدوء وقالت: يعنى بإختصار متخافيش علئ ولا على الولاد .
نظرت إليها هويدا بتمعن وقالت: يعنى هتفضلى لوحدك طول العمر يا حنين ؟
إرتبكت حنين من نظرات هويدا وقالت: ماتقوليلى على اللى فى دماغك ياماما لأنى الصراحة مش فاهماكى.
زفرت هويدا بقوة وكأنها تشجع نفسها على ماهو قادم وقالت : عايزاكي تتجوزي ياسين عشان ياخد باله من ولاد أخوه

آسفه أرفض الزواج حيث تعيش القصص. اكتشف الآن