العربة

19 1 0
                                    

في إحدى الليالي الباردة، والأرض مكسوة بالبياض وقفت نرجس أمام النافذة تترقب عودة والدها الذي خرج منذ ساعتين لإحضار الطبيب، من أجل الحمى التي أصابت أخاها الصغير، العاصفة تشتد، وعقارب الساعة تدق بقوة دقات قلب نرجس الخائفة من أن مكروهًا قد أصاب أباها.

"أمي إن أبي قد تأخر كثيرًا، لما لا أخرج للبحث عنه أرجوكِ"أردفت نرجس بقلق.

"لا داعي لذلك يا ابنتي، ثم إن العاصفة تزداد سوءًا مع الوقت، حتمًا سيعود ومعه الطبيب" رغم سكوت نرجس إلا أن سوسن تشتعل نارًا لتأخر زوجها.

في الجانب الآخر عربة شقت الضباب بكل سرعة نحو البلدة، وصهيل الأحصنة غطى على سكون الليل الدامس، يحاول أمجد اللحاق قبل أن تصبح العاصفة أقوى ليصطحب الطبيب، فولده يعاني من حمى قوية قد تودي بحياته على حين غفلة.

وصل إلى البلدة تحديدًا إلى بيت الطبيب عمر الذي ذعر إثر فتح أمجد للباب بكل قوة، ليقف مشدوهًا من تصرف أمجد.

"أرجوك يا حضرة الطبيب أسرع فولدي مريض، إنه يعاني من حمى قوية"

"لقد أوقعت قلبي أرضًا، بالله عليك يارجل اطرق الباب قبل دخولك"

"اعذرني ياعمر على تصرفي ولكنني على عجلة من أمري قبل أن تزداد العاصفة سوءًا" أردف أمجد وهو يلهث بقوة

"فقط لأنك صديقي سأغفر زلتك، إسبقني سأحضر حقيبتي وألحقك"

صعد كل من عمر و أمجد العربة ليعودا إلى الغابة، والعاصفة قد أصبحت أكثر سوءًا من ذي قبل، الطبيب عمر يحاول تهدئة أمجد فالطريق زلق، لكن الخوف قد أعمى على بصيرته، حوافر الأحصنة تنزلق شيئًا فشيئًا والصخور ترتطم بالعربة من كل جانب، وفي لمحة واحدة انزلقت إحدى أرجل الأحصنة ليرتفع صهيلها وتنقلب العربة في الجرف عدة مرات حتى ارتطمت بجذع شجرة كبيرة، لتنكسر ألواحها إلى قطع صغيرة كزجاج منثور على الأرض.

استيقظ الطبيب عمر بعد برهة ليرى بركة من الدماء بجانبه، أحس بالرعب، تحسس رأسه لكن مامن دم ينزف منه، بحث عن أمجد فوجده تحت ركام العربة يلفظ أنفاسه الأخيرة، أسرع إليه وأخبره أن يتحمل ليحضر المساعدة ولكن أمجد أمسك معطفه بقوة محاولًا إخراج الحروف بصعوبة.

"أرجوك إن ولدي أهم، أما أنا فلن تستطيع إنقاذي، فقدت الكثير من الدماء والجو بارد كما ترى، أسرع فبيتي فوق التلة القريبة من هنا"

سقطت يد أمجد لتهمد أنفاسه دون عودة، وبدأ الألم يعتصر قلب عمر لينهض من مكانه بصعوبة وكأن حِملَ العالمين فوق كاهله، أخذ حقيبته وتوجه نحو بيت أمجد.

وصل بعد صعوبة بالغة بسبب الرياح الهوجاء والثلوج المتكدسة على التل، دق الباب لتسرع نرجس وتفتحه، نظرة توجس اعتلتها لتنطق بتردد:

" أ.. أين أ.. أبي ؟ "

لكن الطبيب التزم الصمت دون أن يلفظ كلمة سوى دموعه التي جاهد في كبتها.

"من فضلك أريد رؤية أخاك فورًا"

أرشدته نرجس لغرفة أخاها الصغير تحت حيرتها .

بعد أن خرج الطبيب عمر من الغرفة نظر ناحية نرجس ووالدتها سوسن بألم، كيف له أن يخبرهما بالطامة الآن !، اقترب ثم أردف :

"ستزول الحمى قريبًا، قمت بحقنة بإبرة مهدئة ليرتاح، خذي يا نرجس هذه علبة الدواء"

"أين أبي يا حضرة الطبيب أنت لم تجب على سؤالي منذ مجيئك"

شد عمر على حقيبته وكأنه يستمد القوة منها، جاهد بكل قوته ليخرج تلك الكلمات التي سعى في ترتيبها، حاول أن يُبقي صوته ثابتًا ليقول:

"لقد حدث كل شيء بسرعة، كان يقود العربة كالمجنون، فانزلقت أرجل الأحصنة لنسقط من فوق جرف سحيق، ولكن لسوء الحظ أن حطام العربة كان فوق أمجد ولم أستطع فعل شيء"

نزلت الكلمات كالسنان على مسامعهم لتنهار نرجس وتمسك رأسها غير مصدقة، فقد ذهبت روح والدها إلى غير عودة من أجل إنقاذ روح أخرى!.

#بقلم:
#أبرار_فتح_التام

#أرما
#مديرة_الفريق:-
#هنادي_دردس
#Skills_Booth
المدرب:
#حسين_هنداوي










أرما الثقافي (قسم اللغة العربية والكتابة الأدبية ✍️)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن