كانَتْ بَطَّةٌ بَيضاءُ بوقت الظهيرة تَرقُدُ على ثَلاتَ عَشرَةَ بَيضَةً حانِيَةً مَوعُودَةَ الآمالِ بِأفراخٍ جَميلَةٍ تُفَقِّسُ بَعدَ أيَّامٍ قَلائِلَ ، وَ بَينَما هِيَ تستَعِدُّ للذَّهابِ لِلنَّهرِ لِلسِّباحَةِ وَ الاستِحمامِ وَ تَناوُلِ الطَّعامِ جاءَها ثَعلَبٌ كَهلٌ في السِّنِّ يُعرَفُ في الغابَةِ بِالتَّدَيُّنِ بَل كانَ عُضوًا في (مجلس شُيُوخِ الغابَةِ ) ومؤلَّفَ كِتابِهِ الشَّهير (( الشَّرَفُ والفَضَيلَةُ والنَّزاهَةُ والأخلاقْ في جَمْعِ وَ كَسْبِ الأرزاقْ )) و كانَ مَعرُوفًا عنهُ أَنَّهُ يَحلِفُ بَشَرَفهِ في كُلِّ ما يُصادِفُهُ في الحَياةِ من أُمُور فَيَقُولُ " أُقسِمُ بِشَرَفي ..... " وَ كانَ يَحمِلُ مِسبَحَةً في يَدِهِ وَ يَتَختَّمُ بِخاتمِ عَقيقٍ وَ على جَبهَتِهِ سِيماءُ السُّجُودِ ؛ فَلم تُفزَعِ البَطَّةُ مِنهُ بَلْ قالتْ لَهُ بِسَذاجَةٍ :
أهلَا وَ سَهلًا بِكَ يا أيُّها الثَّعلَبُ الشَّرِيفُ !
فَاغتَبَطَ الثَّعلَبُ بِهذا التَّرحِيبِ وَ هذهِ السُّمعَةِ الَّتي يَحظَى بِها في الغابَةِ من دُون كُلَّ الثَّعالِبِ فَقالَ وهو يَصطَنِعُ الخُشُوعَ :
الحَمدُ لله الَّذي جَعَلَ سُمعَتِي طَيِّبةً حَتَّى بينَ البَطِّ !
فَقالَتْ لَهُ البَطَّةُ بِبَراءَتِها الزَّائِدَةِ عن الحَدِّ :
وسوفَ تَزدادُ سُمعتُكَ طِيبًا وَ طِيبَةً أكثَرَ حِينَما تَقُومُ لي بِخِدمَةٍ سَوفَ أطلُبُها مِنك !فقالَ الثَّعلَبُ بِاهتِمامٍ وَ فُضُولٍ :
ما هِيَ ؟ ! تَفضَّلِي ؛ فَلَن أُخَيِّبَ ظَنَّكِ إِنْ شاءَ اللهُ !
فَقالَتْ لَهُ بِلَهجَةِ رَجاءٍ :
أُريدُ مِنكَ أنْ تَحمِيَ بَيضِيَ من نَفسِكَ الأَمَّارَةِ بالسُّوءِ أوَّلًا، ثُمَّ مِنَ الثَّعالِبِ الأُخرى ثانِيًا ، و ثالِثًا مِن كُلِّ مَن تُسَوِّلُ لَهُ نفسُهُ الإَغارَةَ على عُشَّي من باقِي الحَيَوانات اللَّبُونَةِ أو الزَّواحِفِ الأَكَّالةِ لِلبَيضِ ، لِمُدَّةِ ساعَةٍ حَتَّى أعُودَ مِنَ النَّهرِ !
فَابتسَمَ الثَّعلَبُ مُتَظاهِرًا بِالشَّهامَةِ وَ قالَ وَ هُوَ يُدِيرُ خَرَزاتِ مِسبَحَتِهِ :
هذا عَمَلٌ نَبيلٌ يَدعُو إِلَيهِ الشَّرَفُ وَ تَحُضُّ عَلَيهِ الفَضِيلَةُ وَ تَفخَرُ بِهِ النَّخوَةُ وَ إِنَّني أحلِفُ بِشَرَفِي أنَّنِي سَوفَ أحمِي بيضَكِ مِن مَعِدَتي أوَّلًا ، بَل سَوفَ أحمي بَيضَكِ حَتَّى مِن مِعَدِ الأُسُود ، ولن أدعَ أحَدًا مِنَ الثَّعالِبِ أو السَّحالي أو غَيرِها من الحَيَواناتِ أن يأكُلَ بَيضَةً واحِدَةً من هذهِ البُيُوضِ الثَّلاثَ عَشرَةَ ؛ فاذهَبِي تَصحَبُكِ السَّلامَةُ ؛ فَبَيضُكِ في أمان !
فاغتَبَطَتِ البَطَّةُ وَ شَكَرتْهُ وَ ذَهَبتْ مُطمَئِنَّةً إِلى النَّهرِ .
وَ حِينَ عَودَتِها مَن النَّهرِ جاءَتْ إِلى عُشِّها فَرَأتْ عُشَّها فارِغًا مِنَ البَيضِ وَ رَأَتَ الثَّعلبَ غافِيًا يَشخرُ في نَومٍ عَمِيقِ ! ؛ فَصاحَتْ بِتَفَجُّعٍ :
ما هذا ؟! أينَ بَيضِي ؟!
فَاستَيقَظَ الثَّعلَبُ من نومِهِ المُفتَعَلِ ، وَ قالَ لَها بلهجةٍ آسِفٍ و مُندَهشٍ :
الوَيلُ لي ؛ فقد أخذَتني غَفوَةٌ ؛ فَجاءَ أحَدُ الثَّعالِبِ الشَّرِهَةِ أو أحَدُ الزَّواحِفِ فَالتَهَمَ البَيضَ في غَفلَةٍ مِنَّي وَ أنا أغُطُّ في نَومٍ ثَقِيلٍ ؛ أعتَذِرُ إليكِ يا أيَّتُها البطَّةُ السَّيِّئَةُ الحَظِّ !
فَجَاوَبَتْهُ ( بُومَةٌ ) كانَتْ تَقِفُ على غُصنِ شَجَرَةٍ بِنَغمةِ تَكذيبٍ و تَفضِيحٍ وَ تَعنِيفٍ :
أغلِقْ شِدقَكَ الشَّرِهَ يا أَيُّها الثَّعلبُ المَكَّارُ
فَأَنا شاهدتُكَ بِأُمِّ عَينِيَ وَ أنتَ تَلتهِمُ البَيضَ واحِدَةً بَعدَ الأُخرى بَشهِيَّةٍ شَدِيدَةِ !
فَقالَ الثَّعلَبُ _ بَارتِباكِ المُجرِم المَشهُودِ عَلَيهِ في هستريا وَ تَلَعثُمٍ :
أنا ثعلَبٌ شَريفٌ ؛ لا يُمكنُ لي أنْ أَخُونَ الأَمانَةَ !، أحلِفُ بَشَرَفي أنَّني ثعلبٌ شَريف ! أنا ... أنا .... أنا ..... أرجُوكم اسمَعوني ... أنا .... أحلِفُ بِشَرَفي .. ..أنا ....أنا ....!
فَقَالَتِ البُومةُ لِلبَطَّةِ في لَومٍ وَ تعاطُفٍ :
وأنتِ يا أَيَّتُها البَطَّةُ المَخدُوعَةُ : كَيفَ وَثِقتِ بهذا الثَّعلَبِ الدَّجَّالِ الكَذَّابِ ؟!
الَّذي يَفعَلُ عكسَ ما يَقُولُهُ تَمامًا !
فَأَخَذَتِ البَطَّةُ تَنتَحِبُ وَ أنشَدَتْ مُخاطِبةً
الثَّعلبَ :
١. واهٍ عَلَيَّ ؛ وَ والَهْفِيْ وَ وا أسَفِيْ
البَيضُ ضاعَ بِجَوفِ الثَّعلَبٍ الصَّلِفِ !
٢. قَد راحَ يَحلِفُ كَذَّابَا ؛ لِيَخدَعَنِي
وَ طَالَما يَلجَأُ الكَذَّابُ لِلحَلِفِ !
٣. ما لِيْ أَنا ، بَعدَ هذا الغَدرِ ،مِن ثِقَةِ
بِثَعلَبٍ بِفُنُونِ المَكْرِ مُحتَرِفِ !
٤. فَلا تُحَدِّثْنِي بَعدَ الآنَ عَن شَرَفٍ
فَأَنتَ آخِرُ مَن يَحكِي عَنِ الشَّرَفِ !#بقلم:
#فرح_باجس_الزعبي
#أرما
#مديرة_الفريق:-
#هنادي_دردس
#hanady_dardas
#skills_booth
#arma
#المدرب:
#حسين_هنداوي
أنت تقرأ
أرما الثقافي (قسم اللغة العربية والكتابة الأدبية ✍️)
Storie breviماخطت به أنامل المتدربين في قسم اللغة العربية والكتابة الأدبية