إنها أحد الأمسيات الباردة التى يغيب فيها القمر خلف الغيوم و زخات المطر تغطى النوافذ و أسطح المنازل ، لا تتوقع ان يزورك أحدهم بهذا الوقت من بعد منتصف الليل، سوى الجوع ذلك الزائر المتطفل ثقيل الوجود، هاجمنى حينها متوعدا أنه سيغرقنى ببعض الكيلو جرمات من الدهون.
لا لم استطع اغلاق الباب بوجهه فهو الزائر المخلص المنضبط بمواعيده، توجهت نحو المطبخ و انا احك بطنى المستديرة و كأننى افكر من خلالها، وجدت حبات من البطاطس و لكن لم ترغبها نفسي فشرعت بالبحث مليا بالثلاجه، و لكنها فارغه مثل ايامى تماما بها فقط علبة حليب و طبق لوبيا تلتهمه الفطريات و اطباق اخرى لا اعرف هويتها.
سأعود برضاء مصطنع لحبات البطاطس، بعد التقطيع سكبتها بكدح الزيت ليصدر غرغشة محببةّ لنفسي و بدأت اصابع البطاطس يكسوها اللون الذهبى، بعد وقت كنت انا و طاولتى و كرسى منفرد بجوار زجاج نافذتى اراقب انسياب المطر فوقه و فمى ممتلئ بأصابع البطاطس المقرمشة، اينعم انها لذيذة و خفيفه لكن لم تكن تلك الوجبة المنشودة انا اكلتها مضطرا.
لا أعلم مالذى جعل ذهنى يصبوا لهذا الفكر، و لكننى شعرت اننى اشبه البطاطس المحمرة، فأنا خفيف الظل، لطيف المعشر و العديد من الصفات الطيبة التى اخبرتنى بها امى يوما.
لكننى دوما كنت البديل لاصدقائى، انا اخر شخص يفكرون بلقاؤه بعد نفاذ الفرص و الاختيارات، أشعر أننى مثل البطاطس لست الوجبة الاساسية، مجرد مقبلات، طرف ثالث، ساعه منسية.
لا أنكر اننى الوذ ببعض الابتسامات و كلمات المدح ممن يجلس معى، و لكن انا متأكد من تملله و نظراته الزائغة و ايمائته انه يريد النهوض و لكنه مضطر للاستمرار لاننى البديل الآن و لا مفر.
نفس شعورى و انا التهم اصابع البطاطس رغم لذتها الا اننى غير مستمتع، مؤكد الاحساس يختلف اذا كنت التهم الان صينية بشاميل مثلا.
حاولت ان ارش علي طبقى فلفل و قليل من ببريكا و الملح لا بأس به و لكن لازالت غير راض و انا أكل .
تماما مثل ما ابذل قصارى الجهد حتى اثبت لمن يجلس امامى اننى لست طبق مقبلات علي طاولة المجتمع، لست بديلا، انا طبق هام و رئيسى، و لكن بالنهاية اجد عدم الرضا منه هو يبتلع ساعات جلوسه معى و فقط.
لا انكر اننى فكرت أنه قد يكون هذا بسبب ملامحى، اسنان ليست ناصعه و لكن افرشها بالمعجون يوميا، انف كبير فوقه مقلتين صغيرتين، شعر اجعد مثل اى انسان يعيش هنا، أمتلك بعض من النكات الشعبية و افيهات الافلام المكررة .
قد يكون بسبب اننى انسان بلا انجازات اى اننى لم اصل للب الارض و لم اخرق السموات طولا، لا اتحدث اللغات، سوى قليل ما اتذكره من المرحلة الاعدادية البائسة .
هل هذا بسبب زوقى بالملابس، و كيف سيكون مثلا، هو قميص و بنطلون جينس او تيشرت صيفى .
سمعت العديد من الفديوهات الخاصه بكيف تصبح بكريزما توم كروز حاولت حقا، و لكنه لم يكن انا، شعرت اننى ارتدى العديد من الشخصيات و الصفات التى لا تشبهنى.
كما انا متسول، اجل انا متسول بين الناس، التمس ابتسامه منهم او مدح، فقدت ذاتى الحقيقية فى سبيل الحصول علي ثمرة الكريزما تلك، فعوقبت بالبعد عن الأنا الحقيقية.
إرضاء الناس غاية تفقد في سبيلها العديد من الخصال الطيبة، على ان ادرك انها ازواق و لربما انا أحد الاصناف المندرجة تحت بند الندرة، يقدر قيمتى من هو على قدر عال من الوعى و الزوق و لما لا، لما لم افكر هكذا من قبل؟!
أجل، سأرضخ لفكرة اننى لست الاكثر جاذبية، لست الافضل بين الاصدقاء، يوجد من هو اذكى و اشجع و اقوى، لكن لا يملك احد قلب مثل قلبي و لا ابتسامتى الجميلة، لا يوجد من بينهم نسخه مكررة منى.
و انت يا حبة البطاطس، انت لست طبق بديل او مجاور للطبق الرئيسى انت فقط طبق نادر من يطلبه، و لا تحزنى يا حبه البطاطس فنحن متشابهان و لكن لا يشبهنا أحد .
تٌوٌقُيَعٌ /
مًجّهّوٌلَ
أنت تقرأ
صباحا بعد منتصف الليل
General Fictionالغروب ينتهى ، و يبزغ القمر ، يستيقظ حينها الحزن فهو بارع بإختيار الأوقات المناسبة للحضور ، ينتظر أن يتحرر عقلى من ضوضاء اليوم و انقشاع الصباح الكونى، ليبدأ هو يومه ، اسمع صوت أقدامه يقترب ، لينزوى قلبي مختبئا خلف ضلوعى ، إن الحزن سيبدأ سهرته معى بع...