الفصل الأول: ذهاب بلا رجعة .

562 30 15
                                    

أنا فارس شاب في العشرين من عمري، لدي أخ يصغرني بثلاث سنوات أقطن أنا وهو فقط، في منزلنا الصغير في إحدى القرى الريفية قرب العاصمة الجزائرية. لطالما اعتنيت بأخي الصغير (رامي) بدلاً من ولادي اللذان اختفيا فجأة دون سابق إنذار.

ما زلت أتذكر تلك الليلة الماطرة الحزينة جيدًا، عندما كنت أبلغ من العمر الخامسة. الليلة التي كانت آخر لقاء لي بوالدي. أذكر جيدًا كيف كانت أمي تضع يديها على خدي وعينيها تبرق بدموع، بينما كانت تقبل وجهي وتقول بصوت مرتجف:

- تذكر يا فارس أننا نحبك وأننا لم نهرب أو تركناكما أنت وأخاك وحدكما. لقد كان القدر... القدر اختار لنا هذا وقد يختاره لك أيضًا.

لم أفهم شيئًا في ذلك الوقت وحتى الآن لا أزال لم أفهم شيئًا، فقط كانت تتساقط دموعي ببراءة وأنا أقول في ارتباك:

- أنا لا أفهم ما تقصدينه يا أمي، ما الذي تعنينه؟

كانت تنظر إلي وكأنها ترى وجهي لآخر مرة، لتتنحى بعدها من أمامي وتذهب إلى سرير أخي الصغير وتحمله بعدما كان قد بدأ بالبكاء فجأة، لتحضنه وتربت على شعره وتقبله، بينما بقي أبي للحظات واقفًا أمامي ينظر إلينا جميعًا بحزن، وخاصة نظراته لأمي. ليتقدم بعدها فجأتا إلي وينزل بركبته اليمنى إلى الأرض ليصبح في مثل طولي ويقول لي بجدية:

-"فارس... تذكر كلام أمك جيدًا. تذكر أننا نحبك كثيرًا، لكن عليك الآن أن تستمع لي جيدًا وإياك أن تنسى حرفًا واحدًا مما قلته لك. فهمت؟"

أجبت في ارتباك:

-"نعم."

ليقوم بعدها بإخراج قلادة كان بها مفتاحٌ غريب الشكل في أخرها، مفتاحٌ كان مخبأ تحت قميصه عندما كان يرتديها. فنزعها من على رقبته وألبسني إياها، وقال بنفس نبرة الجدية مرة أخرى:

-هذا المفتاح يا فارس سيُوريك الحقيقة... حقيقة حكام تلك الأرض الملعونة. اعتني بأخيك حتى حين عودتنا، وإذا لم نعد فامضِ قدمًا إلى 'أتراتيكا' ودع القدر يقودك إليها. واحتفظ بأخيك هنا ليكمل طريقنا إذا فشلت أنت أيضًا.

لم أفهم شيئًا وبقيت مرتبكًا وقلت في رتباك مرة أخرى:

-هل سترحلان؟ لماذا تقولان لي هذا الكلام هكذا فجأة؟

نضر لي للحظات ثم نهض من على ركبته وأومأ برأسه إلى أمي التي كانت تحمل أخي (رامي). فقامت بإرجاعه إلى سريره الصغير برفق وهي تنظر له بعينين تملؤهما الدموع، لتتحرك بعدها إلى أبي الذي أمسكها من يدها وخرجا جرياً من باب المنزل.

لم أفهم شيئًا ولم أتذكر شيئًا سوى أنني خرجت أنا الآخر مسرعاً، بينما كانت السماء تمطر وسط كل تلك الظلمة الدامسة ناحية الغابة. وأثناء ركضي ورائهما، كنت أنادي بصوت عالٍ مرتجف:

- أمييي، أبييي، لا أريد أن أبقى وحدي، أرجوكما لا تذهبا.

لكن لم يكن الحظ حليفي في تلك اللحظة، بعدما سقطت في بركة صغيرة ولم أستطع النهوض منها حتى اختفى أثرهما تمامًا أمامي. أتذكر أنني بقيت تلك الليلة كلها أجري وأنادي في الأرجاء، لأيأس بعدها وأعود إلى المنزل مع بداية شروق الشمس.

عدت إلى المنزل منهكًا ومغطًى بالوحل، مع أنفاسي المتسارعة التي لم أستطع السيطرة عليها إلا بعد عدة دقائق. ثم انتقلت إلى سرير أخي الصغير ونظرت له بعيون دامعة، لا تفهم أي شيء مما يحدث. قلت بثبات وحزم:

- سأعثر عليكما ولن أستسلم. أقسم بهذا.

لأرفع يدي إلى المفتاح الغريب المعلق على رقبتي وأقبض عليه بشدة، قائلاً بنفس نبرة الجدية:

- سأعرف ما المراد من هذا المفتاح الغريب. ربما كل شيء غير واضح الآن، لكن سيتضح مع مرور الزمن. وسأعرف أين تقع هذه 'أتراتيكا'، وأعرف لماذا ذهبتما. أقسم بأني سأعرف حتى لو مر
على اليوم الف سنة.....

ارجو ان تعجبكم الرواية هي رواية فيها حبكة و قصة جميلة من تألفي الخاص،  اسف على قصر الفصل الأول لكن الفصول الأتية ستكون اطول و أروع

اتراتيكاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن