1-طالق!

3.8K 186 62
                                    

ماذا لو اختلطت أقدارنا وبدلاً من أن تتشابك سُبلنا نتباعد؟ ماذا لو تباعدت إلى أين سيأخذنا السبيل؟ ماذا لو كنا فى عالم غير العالم وزمان غير الزمان؟  عالم موازي لا وجود فيه لشيء مما اعتدناه..

شتاء عام 2016
فى قلب منيا الصعيد مركز أبو قرقاص، أفخم قصور المنطقة وربما القصر الوحيد في المنطقة، قصر الجوهرية بفسيح مساحاته والأراضي المديدة حوله مزدانة بالأنوار وحولها طبالي كثيرة بها ما لذ وطاب من الأطعمة وساحة أكبر فيها يرقص الناس تارة ويبتهلون تارة أخرى بين أغاني الصعيد وبين ابتهالات للتهامي.

على صهوة فرسه البيضاء يتوسطهم الأسمر وسيم العائلة صاحب الجواهر الزمردية في عينيه "حسام"  يرتدي جلبابه الأسود من صوف ثمين مطرز حول فتحة الصدر بغزل ذهبي  وعلى كتفيه عباءة سخية الخامة والحجم  تلائم ما تحتها من ملبس يظهرهم هو بشكله بأفضل ما يكون، يتراقص الحصان على أنغام لا يسمعها يداعبه فارسه بفخر وابتسامته الجذابة تعتلى ثغره.

ومن يضاهيه فهو الابن البكر لأكبر رجال الجوهرية الثلاث "سعد"  والليلة عرسه، سيتزوج كريمة عمه الأصغر "رقية" البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً، فقد اقتنصتها العائلة من بين دروسها ولم تدخل قط لجامعتها، فتاة بملامح مليحة جميلة ترتدي فستان عرس تقليدي من حرير بحملات رفيعة فى عز البرد لكن حزنها وغضبها مما يحدث حولها يشعلان صدرها بالامتعاض لطالما طمحت لأن تكمل طريقها للجامعة، كانت بالداخل بين نساء يرقصن على طبل بيد إحداهن وصوت غناء واحدة أخرى، جلست وسطن وكأنها ليست العروس تنظر بتيهٍ لكل شيء وحزن،  حتى أتى على الباب والدها ينادي بحنو دون النظر:
يلا يا عروسة... عريسك مستني..

انقبض فؤادها لكن لأجله رسمت ابتسامة مرتبكة واستقامت،  فتسارعت خطوات أمها فى يديها كاب بقلنسوة من حرير أبيض مطرز أطرافه بذهبي ملائم لعروس،  دثِّرت به فلم يظهر منها طرف وهمسة لطيفة من صوت أمها:
ربنا معاكي يا حبيبتي... قمر تبارك الخالق

بصوت صغير وكلمات كبير سحب طفل فى السابعة من عمره ثوبها متكلما بصوت طفولي:
ريكي... متروحيش مع الحرامي ده... روّحي معايا..
-بي بي.. اسكت عيب كدة!

فأجاب بشهقات كثيرة:
لأ.. بيسرق أختي... روّحي معايا
-هوش يا بي بي ريكي هتعيط كدة يرضيك؟

همست بها أمها بينما انخفضت رقية تضم الصغير إليها بأعين دامعة أخفتها قلنسوة الكاب على رأسها،  ساعدتها امها على النهوض ثم عانقتها بدموع المودع فهي لن تعود مجدداً إلى الإسكندرية واقتادتها حتى الباب وتأبطت ذراع والدها حتى مدخل الدار وناولوا كفّها لكف ابن عمها فرفعها إمامه على الحصان آخذًا بها بضع دورات واستدارات فى شوارع القرية ويسبقهم الطبول والزفات..

꧁.......꧂

ذات اليوم من شتاء 2016
في محافظة الاسكندرية قاعة احتفالات فندق مرموق قريب من شاطيء منتصف المدينة على انغام هادئة أمسكت العروس المدللـة يد عريسها تقول متغنجة:
كيمي... يلا نرقص!

ماذا لو، يومًا ماحيث تعيش القصص. اكتشف الآن