المشهد الثامن

1.8K 105 0
                                    


بعد وقت لا بأس به من الاسترخاء بداخل المغطس، نهضت على مهلٍ، ولففت جسدي المبتل بروب الاستحمام القطني، ثم فعلت المثل مع شعري وقمت بوضع منشفة مماثلة عليه، لأخرج بعدها وأنا في حالة من الانتعاش والحيوية، اتجهت إلى الدولاب لأفتش بين الرفوف عن شيء ملائم لأرتديه، لم أعر أدنى اهتمام للحركة المحسوسة بالغرفة، حيث ظننت ببساطةٍ أن والدتي لا تزال متواجدة، وتحاول تقديم العون لي، فتحدثت إليها بهدوءٍ:

-"صوفيا"، ألم أخبرك أني أصبحتُ أفضل حالًا؟ اذهبي إلى "ريانا"، وامكثي معها.

صوته المألوف عندما تكلم فجــأة جعلني أنتفض أولًا قبل أن أتصلب في وقفتي، وتتجمد أناملي على الثياب:

-أرى ذلك بوضوح.

استدرت دفعة واحدة ناحية مصدر الصوت، كان "لوكاس" يقف مجاورًا للشرفة، يرتدي قميصه الأبيض على بنطالٍ أسود، ومرتديًا لحامل أسلحته في قدرٍ من التباهي، وأيضًا ليثير الرهبة في نفس من يتطلع إليه. سرعان ما تغلب غضبي على صدمتي اللحظية، لأشعر بدمائي تفور لرؤيته متواجدًا معي بنفس المكان، ومقتحمًا لخصوصيتي بفجاجة وقحة. في التو اندفعت تجاهه صائحة به بصوتٍ منفعل، ووجه غارق في حمرة حانقة، ودون أن أقترب فعليًا منه:

-أيها الـ ..، ماذا تفعل هنا؟

شملني بنظرة، نهمة، جائعة، وطامعة فيما يتجاوز مجرد الحرب الكلامية المعتادة، مما زادت من استفزازي، فأكملت صراخي فيه، وأنا أشير له بيدي:

-أخرج، فورًا!

بثباتٍ وغطرسة تقدم ناحيتي قائلًا بمكرٍ أصابني بالتوتر:

-هكذا؟ دون أن تشكريني؟

أبقى نظرته هذه مسددة علي، قبل أن أجده ممسكًا بي من رسغي، لم أتمكن من مقاومته، فقد جذبني بقوةٍ شديدة تجاهه، لاصطدم بمرفقي في صدره، وجدته ينظر إلي في استمتاعٍ أكبر وهو يكلمني بابتسامته اللئيمة:

-أذلك جزاء معروفي معك؟

كورت قبضتي، ولكزته في صدره بقسوةٍ، وأنا أهدر به في لهجة آمرة لا تخلو من الإساءة:

-أأنت غبي؟ دعني، واذهب من غرفتي.

أزعجته إهانتي الواضحة لشخصه، فحاوط خصري بذراعٍ، وأطبق بيده الأخرى على فكي، لأشعر بأصابعه تشتد عليه لتؤلمني، نظر في عيني مباشرة وهو يقول بنبرة موحية:

-يبدو أن القاسم المشترك بين فتيات عائلة الخائن هو اللسان السليط.

وضعيته المحاصرة لي، ذكرتني بإحدى التدريبات التي تلقيتها للدفاع عن النفس، فقمت باستعادة ما تمرنت عليه، ورفعت كوعي فجأة لأضربه في ذقنه بأقصى طاقتي وأنا شبه أتحداه:

-ليس ذلك فقط.

تفاجأ بردة فعلي غير المتوقعة، فتمكنت من التحرر منه، تطلع إلي مدهوشًا، وقال في شيء من الإعجاب:

-جيد، مهاراتك في التصويب أفضل بكثير من شقيقتك الســـــاقطة.

كلمته الأخيرة أغضبتني للغاية، فصحت به بنبرتي المنفعلة:

-أتجرؤ على إهانتها أمامي؟

بادلني التحدي بقوله المغيظ:

-نعم، أخبريني ماذا ستفعلين؟

تمكنت من رؤية خنجره الموضوع في غمده، دون إضاعة وقت في التفكير، حسمت أمري، وقررت معاداته، لذا تحركت صوبه مدفوعة بغضبي لأقوم باستلاله منه في خفةٍ، وقلت وأنا أصوبه بكل قوةٍ في صدره:

-سأقــــــتلك!

أوقفني في اللحظة الأخيرة قبل أن أدب نصله الحاد فيه، وأمسك بي من معصبي بقبضته الغليظة، حدجني بنظرة نارية، وقال بعد زفرة سريعة:

-كان ذلك وشيكًا.

لم أرخي أصابعي عن مقبض الخنجر، وبذلت كل جهدي لأدفعه نحوه، على أمل أن أخدشه حتى؛ لكن محاولتي باءت بالفشل، ونجح في انتشاله مني، ليقوم بعدها بإدارتي نصف دورة ليلصق ظهري بصدره، ويضم ساعدي بقبضة واحدة، فأصبحت أسيرة أحضانه، شعرت بحرارة أنفاسه تلفح شحمة أذني وهو يقول بعبثيةٍ:

-ما رأيكِ إن جردتك من هذا؟

ارتجفت من الخوف لمجرد تفكيري في احتمالية تنفيذه لهذا التهديد الفج، وشعرت بقشعريرة مصحوبة بوخزات حادة تضرب بواطن جسدي، جاهدت لأسيطر على رعشتي، وتعلقت بقبضته الممسكة بي، محاولة بلوغها بأسناني لأعضه، تدارك ما كنت على وشك فعله، فدفعني بخشونةٍ للأمام، لأطرح أرضًا، نظرت إليه شزرًا، وبعينين تشعان غضبًا، فقال باستمتاعٍ وهو يعيد وضع خنجره في غمده:

-أتدرين، صار البقاء في المنزل ممتعًا عن السابق!

استندت على مرفقي لأنهض وأنا ألعنه:

-تبًا لك، لتحترق في الجحيم.

لوح لي بيده معلقًا بابتسامته اللزجة:

-طالما أنه معكِ فلا أبالي.

لعنته للمرة الثانية، متوقعة أن تتأزم الأمور بيننا أكثر؛ لكنه أجبر على الذهاب من غرفتي عندما تلقى اتصالًا هامًا، لم يجبه أمامي، بل غادر في الحال دون أن يضيف شيئًا.

كنت قد تمكنت من الوقوف على قدمي، فهرولت نحو الباب لأوصده، ثم استندت عليه براحتي وأنا أتساءل بصوت لاهث، وحيرة عظيمة تطوف في فضاءات عقلي:

-ما الذي يريده هذا السقيم مني؟!!


يتبع >>>>

المشاكسة المتمردة - ملحق غير قابل للحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن